بيــع أراضي الغير.. مشكلة تؤرق المواطنين.. فمن المسؤول ¿!


لم يعرف المزورون بأن نصف المبلغ كان قرضاٍ من البنك على راتبه, والنصف الآخر سلفه من أصدقائه بالإضافة إلى ثمن مجوهرات زوجته, حتى يبيعون ما لا يملكون.
أراد الدكتور أمين محسن قاسم أن يشتري لبنتان من الأرض بمنطقة صرف, محافظة صنعاء, بعد أن تمكن من جمع مليونا ريال يمني, لكنه وقع ضحيت قضية تزوير, إذ دفع ثمن الأرض لغير مالكها.
كان يعتقد أمين أن عملية البيع والشراء صحيحة بعد أن حضر البائع الوثائق التي تؤكد صحة ملكيته, لكنه اكتشف بعد مرور شهر وأكثر من شرائه للأرضية بأن من باع له قد نجح في تزوير البصائر وباع ما ليس له في أمر أو شأن.
ليست هذه القضية الأولى التي تشهدها منطقة صرف أو محافظة صنعاء أو العاصمة, وإنما هناك الكثير ممن وقعوا ضحايا التزوير, منهم من سلم أمره لله ومنهم من توجه نحو الشرطة والقضاء في أمل استعادة حقه.. خلال هذا التحقيق نكتشف الأسباب والأخطاء التي يقع فيها المشتري من خلال بعض القضايا التي سنستعرضها في السطور التالية وكذا ما الحلول لها.
في ظل التدهور والضعف الأمني الذي يشهده الوطن, من الطبيعي أن يفرز ذلك الإخفاق والغياب الأمني بعض المخالفات القانونية والتجاوزات الدستورية, لكن مهما كان حجم الانفلات الأمني الحاصل, لا يمكن لإنسان عاقل صحيح التفكير أن يبيع ما ليس له حق فيه, أو يقوم بتزوير وثائق وبصائر أملاك الغير ونسبه إلى ملكيته الخاصة.
بدأت قصة أمين محسن في شراء الأرض من حين علم أحد جيرانه بأن هناك أرض معروضة للبيع وبسعر أنقص بقليل من غيرها. أخبر الجار الضحية بموقع الأرض التي ذهبا لرؤيتها.
بعد التفاوض على الثمن, اتجه أمين إلى أمين شرعي رسمي لكن الأرض لم تكن في اختصاصه, كتب وثيقة البيع والشراء دون الرجوع للأمين المختص بالمنطقة التي تقع فيها الأرض, وهذا السبب الرئيس الذي جعل أمين ضحية.
البائع أتقن عملية التزوير من حيث مساحة الأرض وما يحدها من الأربع الجهات وممن أشتراها وفي أي عام وكذلك نسب تلك الوثائق المزورة إلى أحد الأمناء الرسميين المعتمدين بنفس المنطقة, وهذا ما جعل أمين “الضحية” يؤمن بأن الأرض خاليه من أي خلل أو مشكله, كونه كما يقول اكتفا بالسؤال عن الأمين الذي ورد أسمه في وثيقة البائع والذي أكد له سكان المنطقة بأنه الأمين الرسمي والمعتمد من قبل وزارة العدل.
مر شهر وأكثر على شراء الأرض التي قام أمين بتسويرها حتى يتمكن من تسديد ما عليه من ديون ومن ثم يبدأ عملية البناء, بعد مرور ذلك الشهر ظهر المالك الحقيق للأرض, والذي أقدم على هدم السور.
أمين وحين تأكد من وثائق المالك الحقيقي, ذهب في مهمة البحث عن البائع المزور غير المعروف مسكنه أو مقر عمله أو إلى أي أسرة أو قبيلة أو منطقة ينتمي, كل ما كان يعرفه عنه هو أسمه الرباعي الخالي من اللقب أو الصفة, وأنه من أبناء محافظة تعز, وأنه باع الأرض لحاجته الماسة للمال, إذ كان يقول بحسب “الضحية” أن لديه محل انترنت مغلق بسبب المال.
يقول أمين ” كان لدي شعور بأن هناك شيء سيء سأنصدم به, كون نفسيتي لم تشعر بالآمان والاطمئنان أثناء الشراء, لذا طلبت من أحد أصدقاء البائع أن يكتب لي ضمانه بإحضار البائع في أي وقت في حال حدوث أي مشكله في الأرض, وكان الضمين شريك البائع في محل الانترنت”.
يصف أمين حالته بعد اكتشافه أنه وقع ضحيه ” لم أكن مدرك في ذاك الوقت ماذا أعمل, لا سيما والبائع مجهول المكان والعمل, توجهت إلى مركز شرطة صرف وهناك قدمت بلاغ وطلبت من القسم ضبط الضمين حتى حضور البائع, وتمكن القسم من ضبط الضمين, إلا أن الأخير فشل في إحضار المزور الفار”.
استسلم أمين للأمر الواقع واكتفى بضامنة حضورية أخرى كانت على الضمين الأول, بحيث يخرج من سجن القسم الذي احتجز فيه ثلاثة أيام, وإعطائه مهله عشرون يوماٍ لإحضار البائع إلى قسم الشرطة.
لم تنتهي الفترة أو المهلة التي أعطاها قسم الشرطة للضمين بإحضار البائع, إلا أنه ورغم مرور أكثر من نصف الفترة لم يتمكن من إيجاد المزور, إذا وكما يقول الضمين, بأن المزور قد نقل من المنزل الأول الذي كان يقطنه.
نقص الوعي لدى المواطن بأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة والقانونية والحرص على التـأكد من الأمين الشرعي وصحة وحقيقة الوثائق الأصلية تتسبب بوقوع عديد من المشاكل, وتساهم في إنجاح عمليات التزوير وغيرها من الأعمال المخالفة للقانون والدستور والشرع.
خالد الوصابي لا يختلف وضعه عن سابقه, فقد وقع ضحية تزوير أرض يبلغ مساحتها خمس لبان في منطقة صرف أشتراها بثلاثة مليون ونصف دون الاتعاب, وبعد ما يقارب أكثر من شهر أتضح له أنه ليست ملكه وأن من باع له قد أتقن تزوير البصائر والوثائق وباع ما ليس له فيه حق ولا أمر.
الوصابي لا يعرف البائع وليس لديه حتى ضمين, لكنه ذهب إلى قسم الشرطة وقدم بلاغ وتم احتجاز السعاه “المصلحين” ومن ثم تدخل أحد المشائخ في القضية وطلب من السعاة إحضار ضمين محرض عليهم وإعطائهم مهلة زمنية محددة بشهر كامل لإحضار البائع ما لم يدفع كل منهم “المصلحين” 700 ألف ريال يمني.
لا تختلف قضية الوصابي عن أمين إذ أن الوثائق المزورة حملة نفس اسم الأمين الذي ذكر في الوثائق المزورة للأرض التي وقع فيها أمين..
ونفس الخطأ الذي ارتكبه أمين كرره الوصابي والمتضمن عدم البحث والتأكد من الأمين الشرعي المذكور اسمه في الوثائق المزورة وكذلك كتابة وثيقة البيع والشراء عند أمين رسمي لكن الأرض لم تكن في اختصاص عمله المحدد له قانونياٍ.
المساعد غيلان بقسم شرطة صرف يقول إن قضايا تزوير الوثائق حديثة الظهور في منطقة اختصاصه, لكنه يحذر من انتشارها وتوسعها وتكرارها بسبب نقص الوعي لدى المواطن بالقانون وأهمية أن تتم عملة البيع والشراء عند الأمين الرسمي المختص بالمنطقة الواقعة الأرض فيها.. مشيراٍ إلى أن القسم استقبل إلى حد الآن قضيتي تزوير وثائق أرضي.. مشيراٍ إلى المركز لديه الكثير من قضايا ومشاكل الأراضي لكن تزوير الوثائق بدأت تنشط خلال الأيام الماضية.
ويرى المساعد غيلان أن هناك عصابة تقف وراء هذه الأعمال والأفعال المنافية للقانون.. لافتاٍ إلى أن القسم يبذل بكل ما لديه من إمكانات بشرية وفنية متواضعة جهوداٍ جبارة لكشف العصابة وضبطها وتقديمها للعدالة واتخاذ الإجراءات اللازمة والقانونية في حقهم.
القاضي المدني بمحكمة بني الحارث محمد المحجري يرجع أسباب هذه القضايا إلى عدم تنظيم التوثيق وتفعيل النصوص العقابية بشأن الكتاب الذين ينتحلون شخصية الأمناء الرسميين وكذلك عدم تنظيم السجل العقاري وقيامه بدوره, بالإضافة إلى عدم تفعيل النصوص العقابية بشأن المزورين, وانعدام الوعي القانوني لدى المواطنين “المشترين” بأهمية كتابة وثيقة البيع والشراء لدى أمين رسمي كونهم, بحد قوله يذهبون إلى أطرف شخص أو عاقل يقوم بكتابة الوثائق.. مشيراٍ إلى أهمية تفعيل الدور الرقابي على الأمناء الشرعيين من قبل الجهات المختصة كون أغلبيتهم يتلاعبون بحقوق المواطنين.
وأشار القاضي محمد المحجري إلى أن أغلبية القضايا المدنية التي تصل إليه والمتعلقة بالأراضي يعود سببها إلى عدم تحري الأمين والتأكد من صحة الوثائق قبل تحرير عملية البيع والشراء.. لافتاٍ إلى أن الأرض التي تباع لأكثر من شخص سببها عدم تأكد وتحري الأمين من صحة المسودات والبصائر بما نصه القانون.
وشدد على ضرورة تفعيل القانون العقابي على كل أمين شرعي أثبت أنه حرر وثيقة بيع وشراء أرض خارجة عن اختصاصه المحدد له كون هذا الأمر يعد من أبرز أسباب حدوث مشاكل الأراضي.. منوهاٍ بأن القانون حرم على الأمناء تحرير وكتابة وثائق البيع والشراء خارج مناطقهم المحددة لهم.
وأكد على أن أكثر من 50% من القضايا المدنية بمحكمة بني الحارث تعتبر قضايا ومشاكل أراضي وعقارات.. مشيراٍ إلى أن عدم إلمام المواطن بالنصوص القانونية سبب مهم في حدوث هذه القضايا.
وعن الحلول لهذه القضايا قال القاضي المحجري إنه يقتصر في تطبيق القانون وكل ما ذكر سابقاٍ, كون تطبيق القانون سيحد من مشاكل الأراضي بالإضافة إلى تأكد المواطنين الراغبين في شراء الأراضي من صحتها في السجل العقاري وأن يسجل عقد الشراء بالمحكمة المختصة بالمنطقة والتأكد من الأمين الرسمي عن صحة الأرض.
ولفت إلى ضحايا هذه القضايا دائماٍ ما يكون من أصحاب الدخل المحدود..

قد يعجبك ايضا