حين يتقافز الخونة على جراح الأوطان

ماجد الكحلاني

 

 

في وقت تتوالى فيه ضربات المقاومة على قلب الكيان الصهيوني، وتتفكك شبكات التجسس التابعة للموساد في عمق إيران واحدةً تلو الأخرى، ينبري حفيد العرش المخلوع، رضا بهلوي، ليعرض خدماته على الاحتلال الصهيوني، زاعماً أنه “يمثل الشعب الإيراني”، متغافلاً عن حقيقة أن الإيرانيين هم من طردوا والده من طهران غير مأسوفٍ عليه.
جمعة الردع الإيراني الأخيرة ليست حدثاً عابراً في سجلّ التوتر، بل رسائل نار على شكل صواريخ موجّهة إلى تل أبيب ومحيطها، مرفقةً بأخبار تفكيك خلايا صهيونية من عمق طهران إلى يزد، تؤكد أن الأمن القومي الإيراني لا يُخترق بسهولة، وأن ساحة الصراع ما زالت ساخنة ومفتوحة.
وفي الوقت ذاته، حط بهلوي رحاله في “إسرائيل”، على وقع استقبال رسمي واحتفالي، ملقياً خطاباً مفعماً بالولاء، لا لإيران ولا لشعبها، بل لجلاديها. في تلك اللحظة، لم يكن إلا “جاسوساً بفمٍ مفتوح”، يُقدم نفسه كقناة تطبيع إيرانية تُعيد رسم الشرق الأوسط على مقاس تل أبيب.
ابن الشاه محمد رضا بهلوي، المولود عام 1960، لم يعرف من إيران إلا القصور والنفي، عاش حياته في كنف واشنطن، متنقلاً بين الفنادق والمؤتمرات، ثم قرّر أن يعود من بوابة الصهاينة. لم يكتفِ بلقاء نتنياهو، بل زار النصب التذكاري للهولوكوست، متحدثاً عن “العدالة والسلام”، في مشهد لا يخلو من سخرية سوداء، إذ كيف يتحدّث وريث الطغيان عن العدالة، وهو سليل انقلاب دموي دبّرته الـCIA والـMI6 ضد رئيس وزراء منتخب هو محمد مصدّق؟
بهلوي يبيع مشروعه تحت عنوان “إيران علمانية ديمقراطية”، ويقدمه كسلعةٍ غربية، يعِد من خلالها بالتطبيع مع “إسرائيل”، والتقارب مع الخليج، والقطيعة مع الثورة، والثأر من كل ما مثله الإمام الخميني ومحور المقاومة، من كرامة واستقلال ورفض للهيمنة.
لكن المفارقة أن الشعوب، لا النخب المخلخلة، تملك بوصلتها. فالإيرانيون لم ينسوا بعد كيف تحولت سفارة إسرائيل إلى سفارة فلسطين، ولا كيف رفرفت راية القدس فوق شوارع طهران، فيما كان بهلوي يوزع الابتسامات في المؤتمرات الغربية، متقمصاً دور “القائد المنتظر” الذي لا ينتظره أحد.
السؤال اليوم ليس عن بهلوي، بل عمن يسير على دربه في عواصمنا. أولئك الذين يهرولون إلى عواصم التطبيع، تحت مسمى “السلام” و”المصالح”، وهم يعلمون أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. هؤلاء الذين يتصورون أن الكيان الصهيوني سيمنحهم شرعيةً أو حماية، بينما الحقيقة أن من يبيع وطنه، لا يُشترى حتى بكيس أرز سياسي.
الثورة الإيرانية ليست ذكرى، بل مشروع مقاومة حيّ. وبهلوي ليس خصماً سياسياً، بل دمية مزيّفة يحركها الاحتلال لتشويش الوعي، وتطبيع الخيانة، وتحريف التاريخ.
وإن صواريخ الردع، وقبضات الأمن، وصيحات “الموت لأمريكا وإسرائيل” في الشوارع، تُذكر الجميع أن إيران التي سقطت فيها السفارة الصهيونية، لن تعود لبيت الطاعة الأمريكي، لا ببهلوي، ولا بأشباحٍ تُشبهه في منطقتنا.
فليخجل المطبعون، ولتتعلم الأجيال أن الكرامة لا تورث عبر الدماء الملوثة، بل تُنتزع من بين أنياب العدو، تماماً كما فعلتها طهران عام 1979… وكما تفعله منذ الجمعة كل يوم من صواريخها المباركة.

قد يعجبك ايضا