في عدوانه على الجمهورية الإسلامية – وهي الدولة المستقلة والعضو في الأمم المتحدة ، دون أي مسوغ قانوني- قدّم الكيان الصهيوني نموذجا آخر من أشكال التعدي والاستخفاف بكل العالم، وظهور الإدانات الدولية الكثيرة لحماقته هو دليل على رفض عدوانه غير المبرر، وأن ما قام به كان تجاوزا، وفعلا مغايرا ومنتهكا لكل الأعراف، ضف إلى ذلك ما فيه من تجاهل واستخفاف بالارتدادات التي يمكن أن يتسبب بها، وقد كان بالفعل لهذه المغامرة العدوانية تأثيرات واضحة على الاقتصاد العالمي، سواء في الحركة التجارية أو استقرار البورصة أو أسعار النفط.
تبقى هذه الشيطنة الصهيونية بحاجة إلى ردع حاسم وهو ما تقوم به اليوم الجمهورية الإسلامية، فيما المعركة يفترض أن تكون معركة الجميع ضد «شذّاذ الآفاق» المسحوبين من كل القيم والثوابت، فالعدو هنا يؤسس لسلوك غير مسؤول يتمثل بالاعتداء على الآخرين بناء على التوجس.
مع ذلك، ربما كان لهذا العدوان ميزة أنه كتب نهاية مخزية لحقبة استباحة العدو واستهدافه الشعوب ثم العودة لشرب نخب البلطجة بلا رادع وبلا حساب، إذ جاء رد الجمهورية الإسلامية موجعا ومفاجئا إلى المستوى الذي جعل من الكيان يدرك أن اليوم لم يعد كالبارحة، وأن هالته المدعومة أمريكا لم تعد أكثر من تصاريح إعلامية، والقادم – وفق ما نشهده من معطيات تراجع الكيان – يبدو أعظم، وأبسطه اقتناع الغاصبين بأن الأرض العربية المحتلة ترفضهم وانه آن لهم الأوان لكي يدركوا أنهم ربما سيكونون في أمان لو انهم عادوا إلى الأراضي التي جاؤوا منها، التي ظهروا ونشأوا فيها قبل أن تنطلي عليهم خديعة تأسيس كيان لهم من الأراضي العربية.
معركة اليوم تُقدم لهؤلاء الغاصبين نموذجا صريحا لهذه الحقيقة، فإلى جانب كونها كشفت زيف ادعاء كيانهم بالقوة التي لا تُقهر رغم امتلاكه السلاح المتطور والدعم الغربي المفتوح، فإنها أيضا واجهتهم بحقيقة أنهم لا يشبهون هذه الأرض، ولا ينتمون إليها، وحين يكون أول قرار يتخذه الغاصب عند تعرض كيانه لهجوم هو الفرار، فلا معنى أخر لهذا السلوك إلا القناعة بأن دولة «الجنسية الثانية»، التي يحملها الغاصب تنتظره لأنه ليس ابن هذه الأرض.
شواهد ما سبق، برزت خلال أسبوع من الموجات الصاروخية الإيرانية، حيث شهدت الأيام الماضية، حركات نزوح وهروباً جماعياً للغاصبين عن طريق البحر، حاولت السلطات منعها إلا أن حركة التهريب للراغبين بالفرار نشطت بصورة واضحة زادت من قلق المجلس الصهيوني الذي بات يرى أن ما أخذ يخطط له طوال قرن من الزمان يتلاشى مع أول حرب حقيقية لكيانهم غير الشرعي.
لا تاريخ ولا ذكريات ولا محطات إنسانية، تشدّ هؤلاء الغاصبين إلى أرض الفلسطينيين، لذلك لا يجدون الأمر ثقيلا عليهم أن يتخذوا قرار المغادرة خصوصا وأن كيانهم لم يفلح في تأمين حياتهم، وأن مشاهد الخراب والدمار التي صنعوها في قطاع غزة صارت اليوم جزءاً من يومياتهم.
الأهم من ذلك أن معادلة الردع التي فرضتها الجمهورية الإسلامية على قاعدة الرد بالمثل، قد ضربت عقيدة الأمن الصهيوني في مقتل، بحيث لم تتمكن القوة المزعومة للكيان من منع سقوط أكثر من (2500) قتيل وجريح، ولم تمنع تشريد أكثر من 5100 مستوطن ليصبحوا بلا مأوى، كما ولم تمنع ضرب منشآته الاستراتيجية التي تصور يوما أنها في غَيابَت السريّة.