الموازنة العامة .. الخــاســــر الأكبـــر

■ تقرير/أحمد الطيار –

فقدت أسعار النفط في السوق العالمي نحو 25% من قيمتها خلال الشهرين الماضيين وما يزال مستواها النزولي متواصلا حتى اليوم من 114دولار للبرميل في يونيو إلى 84 دولارا للبرميل هذا الأسبوع في واحدة من اخطر المجابهات التي تواجه اقتصاديات الدول المعتمدة على النفط في موازناتها وعلى رأسها دول الخليج العربية والدول النامية الأخرى ومنها اليمن.
ففي بلادنا يؤكد خبراء اقتصاد أن هناك توقعات بتراجع إيرادات الدولة من صادرات النفط بشكل كبير بسبب استمرار الاعتداءات التخريبية على أنبوب النفط الخام في محافظة مأرب خلال الفترة الماضية من جهة وتراجع الأسعار العالمية من جهة أخرى.

مشيرين إلى أن إنتاج اليمن من النفط تراجع إلى 136 ألف برميل يوميا مقارنة بنحو 300 ألف برميل في عامي 2011 و2012م, وهذا بدوره أثر سلباٍ على الإيرادات علما بأن الأسعار حينها كانت عند فوق 100 دولار, أما عند تراجع أسعار النفط فسيكون لها تأثيرات مزدوجة على موقف الموازنة العامة للدولة التي تعاني من عجز مزمن يصل إلى 10%.
مشكلة إقليمية
ويدق انخفاض أسعار النفط ناقوس الخطر على موازنات الدول العربية النفطية إذ أن خسائرها حتى تقدر 250 مليار دولار فيما يتوقع أن تحقق موازناتها عجزا يصل إلى 20% خصوصا للدول التي صممت موازناتها عند 100 دولار للبرميل على الأقل فيما بدت أسعار برميل النفط أمس تحول الصعود إلى 86 دولارا بعد أن تدخل مشترين لتغطية بعض المراكز المكشوفة.
ويبدو أن الطلب المتواضع على النفط في السوق العالمي خصوصا من الدول الكبرى المستهلكة كالصين والولايات المتحدة وارتفاع المعروض من المخزون في الولايات المتحدة هما السبب في تراجع الأسعار لكن محللين يقولون إن تزايد وتيرة المخاوف من انكماش الاقتصاد في منطقة اليورو عزز هذا الاتجاه .
ويشير محللون من بنك شتارترد إلى أن الأسعار سترتفع مع بداية الربيع الأول من العام القادم متوقعين أن يستقر البرميل عند 105 دولارات فيما يشير آخرون أن انخفاض الأسعار إلى مادون 85 دولارا للبرميل ستجعل عمليات استخراجه من الصخر في أميركا غير ذات جدوى خصوصا وان تكلفة البرميل هناك تعادل هذا المستوى.
ومن العوامل التي تحدث عنها المحللون أن أسواق النفط لا تشهد إغراقا في المعروض لكنهم يقولون إن على الدول المنتجة خفض مليون برميل يوميا لتعزيز الأسعار عام 2015م.

تهديد النمو
وجاءت التحذيرات من تراجع أسعار النفط من دول الإقليم كبيرة فقد قال وزير المالية الكويتي أنس الصالح إن الهبوط المتسارع في أسعار النفط أضحي يهدد النمو الاقتصادي في دول الخليج ويتطلب التعامل معه تغيير الأولويات.
وقال الوزير إن التوقعات تشير إلى استمرار الاتجاهات الإيجابية لمعدلات النمو الاقتصادي في دول المجلس بوجه عام حيث من المتوقع أن يبلغ متوسط معدل النمو لهذه الدول 4.5% في عامي 2014 و2015م.
لكنه أضاف : “مع ذلك يكتنف هذه التوقعات بعض المخاطر والمحاذير, لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة وخصوصا في ما يتعلق بتطورات أسعار النفط الخام التي بدأت تلقي بظلالها على أوضاع المالية العامة في دول المجلس بشكل عام وعلى برامج الإصلاح الاقتصادي والإنفاق العام الاستثماري بصفة خاصة.”
وأكد وزير المالية الكويتي ضرورة أن تمضي دول الخليج في عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل بما في ذلك الإصلاح المالي لمعالجة اختلالات المالية العامة وأن يتجسد ذلك من خلال تعزيز جهود التنويع الاقتصادي ومن ثم تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية.
وقال : “إن تجسيد هذه التطلعات والتي أصبحت ضرورة حتمية على أرض الواقع إنما يتطلب ترتيب أولويات السياسة المالية والاقتصادية كما يستلزم الشروع في تبني منظومة متكاملة من النظم والإجراءات التي تستهدف تحسين البيئة الاقتصادية العامة وأجواء الاستثمار وبيئة الأعمال.”
ويعتقد الخبير الاقتصادي عبد الله عبد المحسن الفرج في مقال نشرته صحيفة الرياض أن هناك عاملين مهمين يؤثران على أسعار النفط: الأول هو تراجع الطلب. فتقرير وكالة الطاقة الدولية كان يتوقع ارتفاعاٍ كبيراٍ في الطلب العالمي على النفط خلال الربع الرابع من عام 2014م بمقدار 1.2 مليون برميل يومياٍ ليصل إجمالي الطلب في العالم على النفط إلى 93.9 مليون برميل.
أما في الواقع فإن الاستهلاك لم يرتفع حتى الآن إلا بمقدار 990 ألف برميل. ويعود ذلك إلى تراجع النمو في البلدان المستهلكة للنفط بشكل كبير مثل الولايات المتحدة التي انخفض الإنتاج الصناعي فيها في الشهر الماضي لأول مرة منذ سبعة أشهر. ونفس الأمر ينطبق على الصين.
أما العامل الآخر فهو سعر صرف الدولار. فهذا العامل له تأثير كبير على أسعار النفط. ولذلك فمع بدء تعافي الاقتصاد الأمريكي والتحول التدريجي عن سياسة التيسير الكمي فإن سعر صرف الدولار قد أصبح مرشحاٍ لمزيد من الارتفاع خلال الفترة القادمة. ومثلما نعلم فإن النفط مقيم بالدولار ولذلك فإن سعره يتناسب تناسباٍ عكسياٍ مع سعر صرف العملة الأمريكية.

صندوق النقد
دخل صندوق النقد الدولي في خط التحذير من تأثيرات انخفاض أسعار النفط على دول الخليج العربية بالذات معلنا اهتمامه بآثار تراجع أسعار النفط عالميا وعزمه العمل في الأشهر المقبلة على قضية انخفاض أسعار النفط وأسواق النفط وتأثيراتها على اقتصادات دول المنطقة خاصة أن أسعار النفط شهدت انخفاضا بنحو 25 % خلال الشهرين الماضيين
وقالت المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد : إن انخفاض أسعار النفط 25 دولارا من مستوى 104 يكلف دول الخليج مجتمعة نحو 8 % من عائدات إجمالي الناتج المحلي.
وأوضحت أن الصندوق أجرى بعض التحديثات على توقعاته فيما يخص أسعار النفط مشيرة إلى أن انخفاض أسعار النفط 25 دولارا سيساهم في تراجع عائدات دول الخليج مجتمعة 8 % من إجمالي الناتج المحلي ما سيؤدي لعجز في ميزانياتها على المدى المتوسط في حال استمرار هذا الانخفاض.
وأكدت أن التراجع في أسعار النفط لا يستدعي إجراءات سريعة في حال بقائه على المستويات الحالية معتبرة أن دول التعاون قادرة على تمويل ماليتها العامة وعجوزاتها في حال حدوثها باللجوء إلى الفوائض المالية التي تم تحقيقها في السنوات الماضية لمواجهة هذا الانخفاض.

قد يعجبك ايضا