أكاديميون: التغيير الإيجابي يتطلب من أحزاب القرن الماضي مواكبة تطلعات شباب القرن الجديد


بما أن الشباب هم القوة الفاعلة للحراك السياسي الذي يشهده اليمن منذ بداية العقد الثاني من القرن الحالي.. فإن استقرار الأوضاع السياسية في اليمن مرهون وبشكل أساسي بتحقيق تطلعات وآمال وطموحات شباب القرن الحادي والعشرين في بناء الدولة المدنية الحديثة التي يسودها القانون وتقوم على العدل والمساواة بين أبناء الوطن, وبما أن الأحزاب والقوى السياسية هي من تدير العملية السياسية في البلد بالتوافق بحسب اتفاق السلم والشراكة المبني وفقا لمقتضيات مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. فإن السؤال الأهم الذي يطرح: هل أحزاب القرن العشرين ورؤيتها للمستقبل تتناسب وتستوعب أفكار ورؤى وآمال شباب القرن الجديد التواق إلى التغيير للأفضل¿ والإجابة في سطور الاستطلاع التالي الذي أجرته (الثورة) مع نخبة من الأكاديميين.. كما يلي :
بدايةٍ تحدث السياسي والأكاديمي في جامعة ذمار الدكتور أمين الجبر قائلا: بما أن الحياة موارة بطبعها ديناميكية في فعلها وإحداثياتها فإن كل ما فيها – حتماٍ – خاضع لمنطق التغيير والتجديد ومحكوم بناموس النسبية واللاثبوت حيث المتغير والمتجدد هو القاعدة والأساس والاستثناء هو الجمود والتخلف.. حتى القيم والأيديولوجيات وإن بدت في ظاهرها ثبوتية فهي متجددة ومتطورة وفقا لمستجدات العصر وتطورات الزمن فليس فيها مقدسات أو يقينيات إذ لا مطلق إلا الله – سبحانه وتعالى – وأن “التغيير هو صيرورة الحياة المتغيرة وسيرورتها المتجددة والتي تمنطقها حتمية تاريخية قد لا يستطيع الإنسان التحكم ببوصلتها وإن كانت لديه احتمالية في قراءة واستكناه مآلاتها ليرسم ملامح المستقبل المتوقع والممكن والمحتمل بل والمراد والمفضل”, وأنه ومن هذا المنطلق ينبغي على النخب والأحزاب السياسية أن تعي وتدرك الحتميات التي تعتمل راهناٍ في التغيير وتتشكل بفعل متراكمات معرفية ومعطيات ثقافية توجب التعاطي الإيجابي معها والتكيف مع إفرازاتها بغية بلورة مشروع واستراتيجيات قادرة على استيعاب احتياجات ومتطلبات الشباب التواق للتغيير والتجديد ما لم فإنها سوف تتجمد وتتخشب عند حدود ونظريات أيديولوجية معتقة أكل عليها الدهر وشرب ويتجاوزها منطق التجديد والتحديث.
وأشار الدكتور الجبر إلى أن بعض الأحزاب الأيديولوجية المعتقة غير قادرة على مغادرة تابوتيتها الأيديولوجية ومعايشة اللحظة ومتطلباتها حيث لا زالت مأسورة بثقافة سياسية ماضوية تتحكم في عقليتها وخطابها, الأمر الذي ينمط معها الحياة السياسية بحيث تبدو كأنها اجترار لجدل الماضي وامتداد لمطارحات الزمن الغابر.
وأكد أن المرحلة الراهنة حرجة وتضع البلد على مفترق طرق..وتتطلب من الأحزاب والقوى السياسية خاصة التاريخية منها أن تغادر الثقافة الثأرية المتكلسة في وعيها الأيديولوجية وأن تعمل جاهدةٍ على تبني هموم وطموحات الشباب من خلال انتهاج خطاب تصالحي مع اللحظة ومستجداتها والسعي نحو تجسيد علاقتها بقواعدها وجمهورها عن طريق تبني استراتيجيات من شأنها تشكيل قطيعة ابستومولوجيه (معرفية) مع تلك الثقافة الماضوية والتي تجاوزها الزمن وثقافة العصر . وأن تدرك أن عالم القرن الحادي والعشرين بتكنولوجيته وتقانته وثقافته المعرفية قد غير وجه خارطة العالم برمتها حيث غدا عالما متعولماٍ في الثقافة والتقانة وأصبح بمثابة القرية الكونية الواحدة إن لم يكن غرفة كونية واحدة فلا مندوحة إذاٍ من أمرين اثنين: إما المواكبة والتطوير والتجديد بما يتواكب مع المستجدات السياسية الإيجابية التي تضمنها اتفاق السلم والشراكة المفضي إلى تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي يصب تنفيذها في تحقيق آمال الشباب في قيام الدولة المدنية الحديثة أو التخشب والتجاوز والفناء أمام تطلعات الشباب التي لن يتخلوا عنها.
أفكار عتيقة
فيما ذهب عميد معهد اللغات بجامعة ذمار الدكتور محمد العماري إلى أن الأحزاب اليمنية حديثة النشأة, وخصوصية التكوين, وعمرها لا يتجاوز أربعة عقود, وأن معظم أنظمتها الداخلية صاغها كوكبة من الأشخاص تأثروا بأفكار مدارس عربية وغير عربية قد تمتد أفكارها لقرون, لذا فإن متطلبات شباب القرن الحادي والعشرين وسبل مخاطبتهم تختلف عما سبقها, لأن تكنولوجيا الاتصال وتغير نمط الحياة الاقتصادية والثقافية , لا تتفق بالضرورة مع الرواء التاريخية برغم أهميتها كمرجعية.
ودعا الدكتور العماري إلى ضرورة إعادة النظر في فلسفة ومضامين برامج الأحزاب السياسية اليمنية بما يتناسب مع تطلعات الشباب الذين كان لهم دور ميداني فيما حصل ويحصل من حراك سياسي منذ عام 2011م, وكذا بما يتناسب مع متطلبات التغيير الحاصل في اليمن الذي هو نتاج لعصر تقدم المعرفة بشرط أن تتضمن الحفاظ على قيم المجتمع وفلسفته وعاداته وتقاليده الأصيلة..
السرية
من جانبه يرجع الدكتور أحمد النهمي – جامعة ذمار- الأسباب في عدم مواكبة الأحزاب السياسية لتطلعات الشباب التواقة إلى التغيير للأفضل إلى ظروف النشأة وطبيعة الممارسة لأن تنظيماتها في الغالب مخضرمة بسبب أنها قضت ردحا من الزمن في العمل السري حتى تحققت الوحدة اليمنية في عام 1990م ثم انتقلت إلى طور العمل العلني وبالتالي ظلت تجتر في بنيتها التنظيمية كثيرا من مرحلة السرية وبسبب ذلك نجدها تشهد تناقضا حادا بين طروحاتها الفكرية في برامجها السياسية وأنظمتها الداخلية وبين واقع الممارسة العملية حيث نجدها من الناحية البرنامجية تؤكد على ممارسة الديمقراطية الداخلية في أطرها التنظيمية وصولا إلى انتخاب القيادة التنفيذية والرقابية للحزب ولكنها على المستوى العملي الواقعي تحتفظ بقياداتها المحنطة التي يعاد انتخابها في كل مؤتمر يشهده هذا الحزب أو ذاك في مسرحية هزيلة تمارس فيها انتخابات شكلية باهتة مع استثناء نادر.. والاستمرار بسياستها هذه يخالف طموحات الشباب في التغيير ويجعلهم يبحثون عن البديل لتحقيق أحلامهم..الأمر الذي يسهل عملية استقطاب البعض منهم من قبل الجماعات المتطرفة والقاعدة.
وتوقع الدكتور النهمي أن تشهد المرحلة القادمة ثورة حقيقية داخل الأحزاب من قبل منتسبيها من الشباب إذا لم تعمل الأحزاب على تعديل رؤاها بحيث تتناغم مع تطلعات وآمال الشباب أو أن تشهد الساحة السياسية المزيد من ظهور التكتلات السياسية الجديدة والفاعلة, حيث نجد أن عدد الأحزاب الجديدة التي تأسست بعد عام 2011م أكثر من الأحزاب التي كانت قبل, كون الشباب يسعون بمختلف السبل لتحقيق طموحاتهم في صنع الدولة اليمنية المنشودة القائمة على احترام الحريات وتحقيق مبادئ العدل والشورى وسيادة النظام والقانون..والوصول إلى ذلك يتطلب من الأحزاب والقوى السياسية تنفيذ جميع الاتفاقيات السياسية أهمها اتفاق السلم والشراكة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
التربية
ومن جهته يرى الدكتور عبد الكريم زبيية -جامعة ذمار- أن الأحزاب القائمة أصبحت لا تلبي ولا تواكب المتغيرات والأحداث المعاصرة وبالتالي لا تستوعب الرؤية المستقبلية والآمال والطموحات للشباب المعاصر, وذلك لعدد من الأسباب يكمن أهمها في طبيعة الظروف والأسباب التي تأسست عليها هذه الأحزاب, وثقافة وشخصيات المؤسسين والقيادات التاريخية لهذه الأحزاب, والآلية التي تعمل بها الأحزاب, والمغالاة والتشدد في الفكر والمنهج وعدم القدرة على التجدد ومواكبة المتغيرات المعاصرة وافتقارها للمرونة, والتربية الحزبية لأفرادها من خلال غرس مفهوم أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وليس النسبية التي تسمح بالمراجعة والتجديد.
ودعا الدكتور زبيبة الأحزاب والقوى السياسية إلى العمل على نقد الذات من خلال البحث الموضوعي والعلمي ومراجعة الإخفاقات وأسبابها وكيفية معالجتها..بحيث تعدل من مسارها السياسي لتتواكب مع تطلعات الشباب بل الشعب بالكامل في التغيير الإيجابي للمستقبل الزاهر بحسب مقتضيات اتفاق السلم والشراكة وصولا إلى تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي هي كفيلة بتحقيق آمال شباب القرن الحالي.
ملاحظة: صور الشخصيات موجودة بالإخراج باسم ملف (يتبنون أحلام الشباب بدون جدية).

قد يعجبك ايضا