سيجد إلياس رودريغيز منفذ عملية واشنطن، من يتعاطف معه، ومن يقف في الطرف الآخر منه، تماما كحال الانقسام الحاد الذي يشهده العالم اليوم بين حق وباطل وهامشي متواطئ بلا مبدأ، لكنه في الناتج، رأى في طريقته لقتل الموظفين الإسرائيليين في قلب العاصمة الأمريكية، التعبير الأفضل من وجهة نظره عن بشاعة القتل، ورفضه للجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وللتماهي والدعم الأمريكي منقطع النظير لهذه الإبادة، التي تقتل بلا سقف وبلا ثوابت.
واليوم يظهر معتوه صهيوني نازي، نائب من جوقة ترامب، ليدعو إلى استخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة، مستشهدا بما فعلته بلاده في هيروشيما وناغازاكي في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
النائب الجمهوري المدعو راندي فاين قال: «أمريكا لم تتفاوض مع النازيين أو اليابانيين بل استخدمت القنابل النووية لإجبارهم على الاستسلام، معتبرا أن ما يحدث في غزة يستوجب الأسلوب ذاته».
إلياس، الشاب البسيط، ليس قاتلا مأجورا ولا ملف سوابق له، لم يُنكر قيامه بعملية القتل بل إنه تظاهر بكونه شاهداً على الحادث منتظرا وصول الشرطة كي يقول لهم: «فعلتُ ذلك من أجل غزة، فلسطين حرة». وكان قد كتب رسالة مطولة ضمنّها ما يعبر عن إدراك شريحة في المجتمع الأمريكي لانحراف المنهج الذي تسير عليه بلادهم في تقييم وقائع القضايا الإنسانية، والانحياز السافر للصوت الصهيوني.
أراد إلياس إيصال رسالته بوضوح قبل أن يجري تشويه مقاصدها من قبل السلطات الأمريكية التي مع ذلك لم تجد حرجا وكعادتها غير الشريفة، في استثمار الحادث لإحياء ما يسمونه معاداة السامية. وربما سيدعم ترامب بهذه الحادثة توجهه للتضييق على الحريات داخل أمريكا وتحديدا تلك المتعلقة بنقد السلوك الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
فرقة مكافحة الإرهاب المشتركة التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي(FBI) ركزت من فورها في تحقيقاتها «على دوافع معاداة السامية المحتملة وراء الهجوم»، وهو الشكل الأنيق والذي تتبعه ملاحقات حمقاء، وأصله «الكراهية لإسرائيل.»
فيما رسالة الشاب إلياس رودريغيز، وعبارته للشرطة «فلسطين حرة» لم تكن غلافا لأي تعبيرات ضمنية أو مبطنة، إنه يرفض بصريح العبارة الجرائم البشعة ضد الشعب الفلسطيني، من منطلق إنساني، ويرفض ازدواجية المعايير عند تقييم حالات الانتهاك لحقوق الإنسان، وهو ضد سياسة القتل المستمرة في فلسطين بلا أفق تنتهي عنده هذه المأساة الإنسانية.
يأتي هذا فيما اتسعت مساحة الرفض العالمي لما يحدث في غزة، وهي المساحة التي زامنت تحرك ترامب وجوقته الصهيونية لإحياء خرافة السامية. وما تبدو كصحوة ضمير، وجد فيها قادة العدو الإسرائيلي فرصة لمهاجمة دول أوروبا التي تحركت بقوة ضد ممارساتهم الإجرامية في غزة ليتم اتهامها بمعاداة السامية بل وبالتحريض ضد الكيان غير القانوني.
وفي مؤتمرٍ صحافي ربط ما يُعرف بوزير الخارجية الإسرائيليّ، جدعون ساعر بـ”صلة مباشرة بين التحريض المعادي للسامية والمعادي لإسرائيل وبين جريمة القتل هذه”، حسب تعبيره وأضاف “هذا التحريض يمارس أيضًا من جانب قادة ومسؤولين في العديد من الدول والهيئات الدولية، خصوصاً في أوروبا”.
ما حدث لا يبدو بأنه سيدفع الأمريكيين لقراءة الحدث بالتحليل واستخلاص الدلالات لأنهم يعون أن الكراهية باتت تنخر في جسد اتحادهم الأمريكي وأن وقوفهم اليوم ليس أكثر من تأثير جرعات علاجية تبدأ من تحديث اللغة العنيفة في التعبير عن موقف بلادهم تجاه القضايا في العالم، من باب استعرض العضلات، وتنتهي عند تأمين مصادر دخل تقوم على الانتهازية والابتزاز.