الجريمة الأسرية أرقام تنذر بكارثة


■ مقتل 1410 بينهم 69 أنثى حصيلة جرائم واقعة بين الأسر

■ خبراء: الفقر والعنف وغياب الوازع الديني أسباب وراء أن يكون القاتل والمقتول من أسرة واحدة

تحولات خطيرة يشهدها مجتمعنا اليمني في السنوات الأخيرة كان لها تأثير كبير على ارتفاع معدلات العنف وأصبحت أساليب العنف تصل لدرجة القتل وحين تكون نسبته في تزايد وارتفاع مخيف من القاتل والمقتول ضمن الأسرة الواحدة فمن المؤكد أن هناك خللاٍ في منظومة التربية والقيم والسلوك السليم ..
واقع مخيف حين أصبحت الجرائم الأسرية تتصدر العناوين الرئيسية بشكل يومي في الصحف .. من هنا نحاول من خلال هذا التحقيق معرفة الأسباب والدوافع وكذا العقوبات المترتبة على هذه الظاهرة الخطيرة .. نتابع التفاصيل :

جرائم تقشعر لها الأبدان حينما يقدم ابن على قتل والدته فقط لأنها لم تلب طلبه وتعطيه نقوداٍ يصرفها على ” القات ” أو ذاك الوالد الذي قتل أولاده الثلاثة قبل أن يقدم على الانتحار ..
وجريمة ثالثة حين أقدم الابن على قتل والده فقط لأنه رفض تزويجه بحجة أنه لم يحن الوقت بعد .. ولا ننسى جرائم الشرف وغيرها الكثير من الجرائم في محيط الأسرة اليمنية.
وقد سجلت أجهزة الشرطة المختلفة وقوع 9375 جريمة واقعة على الأشخاص والأسرة في مختلف محافظات الجمهورية خلال النصف الأول من العام الجاري 2014م وأوضح التقرير الأمني الإحصائي النصف السنوي الصادر عن وزارة الداخلية بأن الجرائم الواقعة على الأشخاص والأسر تسببت في مقتل 1410 أشخاص من ضمنهم 69 أنثى بالإضافة إلى إصابة 7074 آخرين في عدادهم 432 أنثى مقدراٍ الخسائر المادية الناجمة عن هذه الجريمة بحوالي 732 مليون ريال استرد منها 499 مليون ريال وذكر التقرير بأن عدد المتهمين المتورطين بالجرائم الواقعة على الأشخاص والأسر بلغ 12769 متهماٍ في عدادهم 603 من الأحداث و 312 أنثى وكذا 421 من المواطنين العرب و 15 أجنبياٍ ضبط منهم 10247 متهماٍ فيما بلغ عدد المجني عليهم في هذه الجريمة 11669 شخصاٍ.

النزوع للجريمة
ولعدم وجود دراسة خاصة بالجرائم الأسرية في اليمن استعانت كاتبة التحقيق بدراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر حول الجرائم التي تقع في دائرة الأسرة الواحدة بحيث يكون الجاني والمجني عليه من داخلها حيث كشفت الدراسة عن حقيقة مهمة وهي أن الجاني غالباٍ شاب وأن الشباب في المرحلة العمرية التي تتراوح ما بين 26 و44 عاما هم الأكثر ممارسة لجرائم العنف الأسري وأن الذكور يشكلون أغلبية مرتكبي جرائم العنف الأسري بنسبة بلغت 78.7% بينما يمثل الإناث النسبة الباقية.
كما بينت دراسة للدكتورة سميحة نصر بذات المركز أن أساليب العنف تعد أولى أسباب النزوع للجريمة حيث جاء الضرب في قائمة الأساليب المستخدمة في التنشئة الاجتماعية حيث احتل القائمة بنسبة 29.5% وجاء أسلوب التوبيخ والسباب في المرتبة الثانية بنسبة 24.1% ثم أسلوب الحرمان من الأكل أو المصروف بنسبة 20.8% ثم أسلوب النصح والإرشاد بنسبة 18.2% وأسلوب الضرب باستخدام آلة بنسبة 6.3% وأسلوب التوبيخ أمام الناس بنسبة .9% وجاء أسلوب اللسع بالنار في ذيل القائمة بنسبة .2%

ثقافة مجتمعية
يقول العقيد عبدالغني الوجيه الناشط المجتمعي وقائد الشرطة الراجلة سابقاٍ: هناك أسباب متعددة قد تؤدي لارتكاب جرائم في نطاق الأسرة وأهمها العنف الأسري منها الضرب المبرح للزوجة والأبناء وتعريض الأطفال للخطر وإهمال في الواجبات ا?سرية إلى جانب حالات التحرش والاغتصاب في نطاق الأسرة ولاشك أن غياب أجهزة الدولة المختصة بإيواء المجني عليهم من النساء والأطفال سبب رئيسي في زيادة انتشارها كما أن ضعف الأجهزة القائمة يجعل كثيراٍ من هذه الجرائم تمر دون حساب أو عقاب وعلى سبيل المثال: فإن موازنة إدارة عام حماية الأسرة في وزارة الداخلية لا تكفي لتكلفة عمل دراسة ممنهجة لحل قضية من قضايا العنف ا?سري وجرائم الأسرة..
ويأسف الوجيه من أن القانون لا يطبق في حالات العنف ا?سري بسبب عدم قناعة موظفي الشرطة وموظفي النيابة والقضاء باستقبال الشكاوى ضد أولياء الأمور (كثقافة مجتمعية) ولا زال مجتمعنا بحاجة إلى الكثير من العمل في مجال التأهيل بحقوق المجني عليهم في جرائم الأسرة.

مضار خبيثة
وعن السبب الرئيسي في وقوع ” الجرائم ” في إطار الأسرة يحدثنا المحامي صقر عبد العزيز السماوي – أمين عام نقابة المحامين اليمنيين قائلاٍ : الجرائم على اختلاف أنواعها سببها الجهل وعدم التنشئة والتربية السليمة والاختلاط برفقاء السوء وكذا قلة التحصيل العلمي لدى رب وأفراد الأسرة وغياب الوازع الديني والأخلاقي ناهيك عن الفراغ وعدم الانشغال بما يفيد وعدم التوعية المجتمعية بأصول وآداب وطرق التربية الصحيحة علاوة على تقصير وتهاون أولياء الأمور في القيام بدورهم في الإشراف والرقابة على أفراد أسرهم ومتابعتهم ومعرفة أين يقضون أوقاتهم ومن يجالسون وعلى ماذا يطلعون ويشاهدون لاسيما في ظل انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة التي بقدر ما لها من منافع عند استخدامها فيما يفيد إلا أن لها مضار خبيثة في حال تم استخدامها استخداماٍ سيئاٍ وغير سوي في غفلة من الأسرة فجميع ما ذكر أسباب رئيسية لوقوع الجرائم في إطار الأسرة بمختلف أنواعها.

تقدير العقوبة
وعما إذا كانت عقوبة ذلك النوع من الجرائم تختلف عن العقوبة المقررة للجرائم التي تقع فيما بين الغير فيقول المحامي السماوي: إن المشرع في قانون العقوبات قد أورد أحكاماٍ خاصة على سبيل الاستثناء لبعض الجرائم التي قد يكون فاعلها تربطه صلة قرابة بالمجني عليه والتي كانت علة تلك القرابة سبباٍ لتخفيف العقوبة بشأن ذلك النوع من الجرائم وإيراد نصوص خاصة بها كما سنبينه تباعاٍ في حين أن المشرع نص على معظم الأفعال التي تعد جرائم معاقباٍ عليها بصورة مطلقة دون أن يفرق في ذلك بين أن تكون تلك الجرائم قد وقعت من فرد من الأسرة على فرد آخر من الأسرة أو وقعت من الغير على الغير إلا أن المشرع أورد لكل جريمة من الجرائم التعزيرية عقوبة حبس تعزيرية حدد فيها حداٍ أعلى (عقوبة مشددة) وحداٍ أدنى (عقوبة مخففة) وترك للقاضي أمر تقدير العقوبة التعزيرية المناسبة وهل تكون عقوبة مشددة بالحكم بالحد الأعلى أو عقوبة مخففة بالحكم بالحد الأدنى أو فيما بين الحدين الأعلى والأدنى بناءٍ على الظروف المرتبطة بكل جريمة سواءٍ كانت مشددة أو مخففة ..
ومضى السماوي بالقول: وأكد المشرع بنص المادة (109) من قانون العقوبات على أن من تلك الظروف التي أوجب على القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار في تشديد أو تخفيف العقوبة صلة الجاني بالمجني عليه فإن كانت الظروف مشددة وجب تشديد العقوبة وإن كانت مخففة يتم تخفيف العقوبة وفي حالة الجرائم الواقعة في إطار أفراد الأسرة فإن توفر الظروف المشددة أو المخففة يختلف باختلاف نوعية الجريمة فمثلاٍ في الجرائم الأخلاقية التي تقع فيما بين أفراد الأسرة فإن ذلك مما يستوجب تشديد العقوبة لما تمثله علاقة القرابة التي تجعل من ارتكاب تلك الجرائم بين أفراد الأسرة جرائم ذات خطورة اجتماعية بالغة وهدم لنواة وأساس المجتمع المتمثل بالأسرة وبما يوجب تشديد العقوبة في ذلك النوع من الجرائم لتكون زاجرة لمرتكبها ورادعة لغيره ممن قد تسول له نفسه اقتراف مثل تلك الأفعال الإجرامية الشنيعة ..

عقوبة الجاني
ويشير المحامي السماوي: إلى أن المشرع في المادة (269) من قانون العقوبات فيما يتعلق بجريمة الاغتصاب قد أكد كعقوبة عامة بأنه ” متى سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المقررة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنين كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص ذكراٍ كان أو أنثى” ثم أفرد المشرع بنص المادة المذكورة عقوبة مشددة “الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات” متى كان الفاعل لجريمة الاغتصاب من المتولين الإشراف على المجني عليه أو تربيته أو حمايته” . هذا من جانب ومن جانب آخر نجد أن المشرع في الأفعال الأخرى ومنها قيام الأب بضرب ابنه لم يعتبر ذلك الفعل مجرماٍ بل اعتبره مباحاٍ طالما وأنه كان في إطار حق الوالد في تأديب ولده ولم يكن ضرباٍ مبرحاٍ انطوى على اعتداء بالجرح كما أن المشرع في نوع معين من الجرائم وهي القتل والاعتداء بالجرح جعل صلة قرابة الأصل (الوالد) بالفرع (الولد) سبباٍ موجباٍ لسقوط العقوبة الأصلية وهي القصاص وتخفيف العقوبة التعزيرية البديلة وهي الحبس إذ أكد بنص المادة (233) من قانون العقوبات بأنه في ” حالة متى قام الأصل بالاعتداء على فرعه بالقتل أو الجرح فلا يحكم على الأصل بالقصاص وإنما يحكم عليه بالدية أو الأرش وأجاز المشرع تعزير الأصل الجاني في حالة القتل بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة وفي حالة الاعتداء بالجرح بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بالغرامة ما لم يحصل عفو ” بحيث اعتبر صلة الجاني وهو الأصل بالمجني عليه الفرع سبباٍ لسقوط العقوبة الأصلية وهي القصاص وسبباٍ موجباٍ تخفيف العقوبة التعزيرية البديلة وهي الحبس في حين أن الأمر يكون بخلاف ذلك فيما لو حصل الاعتداء بالقتل أو بالجرح من الفرع (الولد) على الأصل (الوالد) فإننا نكون وكما لا يخفى أمام ظرف مشدد يوجب تشديد عقوبة الجاني الولد الفرع.
ويضيف : كما نجد أن المشرع بنص المادة (232) من قانون العقوبات فيما يتعلق بقيام الزوج بقتل زوجته ومن يزني بها حال تلبسهما أو بقيام الرجل بقتل إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته ومن يزني بها حال تلبسهما فأكد المشرع بأنه لا قصاص في ذلك وإنما يعزر الفاعل في تلكم الحالة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة فالمشرع بالنصوص القانونية المذكورة راعى صراحة صلة القرابة فيما بين الجاني والمجني عليه وجعلها بحسب الأحوال إما موجبة لتشديد العقوبة أو لتخفيفها أمام الجرائم الأخرى التي تقع فيما بين أفراد الأسرة و لم يورد لها المشرع نصاٍ خاصاٍ بها باعتبار أن حكمها هو حكم الجرائم التي نص عليها وعلى عقوبتها المشرع بنصوص عامة ومطلقة فتطبق أحكامها على كافة الجرائم التي تنطبق عليها سواءٍ كانت تلك الجرائم قد وقعت من الغير على الغير أو من أحد أفراد الأسرة على غيره من أفراد الأسرة مع مراعاة أن الجرائم التي تقع فيما بين أفراد الأسرة تختلف العقوبة الواجب الحكم بها على الجاني سواءٍ من حيث التشديد أو التخفيف باختلاف نوعية الجريمة وبما يقترن بها من ظروف مشددة للعقاب أو مخففة.

البنيان الاجتماعي
الباحث في علم الاجتماع والمدير التنفيذي لمنظمة سواسية – سمير مريط يحدثنا : لا يوجد سلوك منحرف بالفطرة أو بالوراثة ولكن أفعال الآخرين “الأسرة والمجتمع ” نحو السلوك هي التي تجعل منه سلوكا إجراميا منحرفا أو سلوكاٍ سويا وعاديا فالأسرة هي البيئة الطبيعية التي تتعهد الطفل بالتربية خاصة خلال السنوات الأولى من طفولته والأسرة أول خلية في تكوين البنيان الاجتماعي وأكثرها استقراراٍ في الحياة الاجتماعية وهى مصدر للعادات والتقاليد والعرف وكافة قواعد السلوك والآداب العامة.. فحين يكون العنف أسلوباٍ من أساليب التنشئة والتربية لدى الأبوين تجاه أبنائهم ويغيب التحاور في البيت والمدرسة والشارع من المؤكد أن ينشأ الطفل غير سوي وذا ميول إجرامية تتطور مستقبلاٍ ..
الجريمة داخل الأسرة لا ترتبط بالفقر أو الحالة الاقتصادية كما أنها لا تقتصر علي طبقة معينة دون الأخرى ولكن البعد الاقتصادي إذا تفاعل وتشارك مع بعض المفاهيم وأسباب العنف الأخرى كغياب التربية وضعف التعليم والبطالة وغيرها فإنها تؤثر في التكوينة المجتمعية فنجد الأفراد الذين يعيشون في بيئة تنتشر فيها مظاهر العنف والإجرام أكثر عرضة لارتكاب الجرائم من غيرهم أي أن ثقافة العنف تتشبع لديهم على العكس من الأفراد الذين يعيشون في بيئة سوية هادئة.

قد يعجبك ايضا