في تعز90 معلما تاريخيا بارزا وعشرات الأماكن الأثرية الأخرى منها خمس مدن أثرية وأكثر من 35 حصنا وقلعة



هكذا قدر للمعالم التاريخية بمحافظة تعز أن تواصل الحياة بألم الماضي وذكرياته وتعاسة الحاضر ومرارته والقلق من المستقبل ولم يشفع لها تاريخها العريق ولا حتى الاسم العريض الذي أطلق عليها “عاصمة الثقافة” الذي عراها أكثر من أن يسترها بإنقاذها من مأساة التقلب على جمر الإهمال فحوالي 95% من تلك المعالم والتي يتجاوز عددها 90 معلما تاريخياٍ بارزاٍ وعشرات الأماكن الأثرية وكلها بحاجة ماسة للترميم كل ذلك دون ان تفعل قيادة عاصمة الثقافة شيئاٍ … “الثورة” قامت بزيارة ميدانية لبعض الأماكن الأثرية بتعز والمسئولين عليها وإليكم التفاصيل .

تعتبر محافظة تعز من أقدم المدن التاريخية باليمن إذ يرجع تاريخها إلى فترة ما قبل الإسلام وقد احتضنت هذه المحافظة خلال مراحلها التاريخية الكثير من الدول التي تعاقبت عليها أبرزها الدولة الرسولية التي اتخذتها كعاصمة لها وقد حاول كل من حكم أو سكن مدينة تعز تخليد ذكره عبر وسائل عدة كبناء المدن وتشييد الحصون والقلاع والمساجد والمدارس والأضرحة وغير ذلك حتى أن “تعز” تحولت آنذاك إلى لوحة فنية معمارية لو أنها احتفظت بنفسها إلى اليوم فستكون قطعة أثرية ساحرة خالدة ولدخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية غير أن عوامل التعرية عبر القرون قد طمست أغلب تلك المعالم ورغم ذلك فإن محافظة تعز تبقى المدينة الأكثر احتضانا للمعالم التاريخية في اليمن إذ ما تزال تحتفظ بأكثر من 90 معلما أثريا بارزا فضلا عن عشرات المعالم الأخرى ومن تلك المعالم البارزة حوالي خمس مدن أثرية وهي مدينة تعز القديمة ومدينة المخا القديمة ومدينة الجند ومدينة السواء بمديرية المواسط ومدينة جبأ بالمسراخ وأكثر من 35 حصناٍ وقلعة وحوالي 50 معلما بين مسجد ومدرسة تاريخية وضريح وكهف مما له علاقة بحوادث تاريخية وعلى سبيل المثال سنذكر بعض المعالم فمن القلاع والحصون قلعة القاهرة معقل الحكم لملوك الدولة الرسولية وقلعة حريبة بباب المندب و قلعة الدملؤة بالصلو وقلعة القحيم بشرعب الرونة وحصنا الجاهلي ومنيف بمديرية الشمايتين وحصن العك بمديرية مقبنة وحصن عزان بالوازعية وحصن شرياف والقلة ودار الكافر وعامر بجبل حبشي أما من المساجد والمدارس التاريخية فأبرزها جامع الجند والمظفر والأشرفية والمعتبية وأهل الكهف وجامع الشاذلي بالمخا وجامع أحمد بن علوان بجبل حبشي
الفاجعة
إن وجود أكثر من 90 معلما أثريا بارزا والعشرات من الأماكن الأثرية التي لم تتسلط عليها أضواء الاستكشافات كفيل بإدخال تعز كاملة في قائمة التراث العالمي كقطعة واحدة غير أن الفاجعة تحل عندما نعلم أن نسبة المعالم التي تتعرض لمخاطر الاندثار وتحتاج إلى ترميم عاجل تصل إلى حوالي 95% وأن حوالي ثلثي هذه النسبة على وشك الاندثار بل إن البعض منها قد تعرض للهدم الكلي والجزئي أما الفاجعة الأخرى هي أن المواقع التي حظيت باهتمام السلطة المحلية وقامت بترميمها ـ وهي قليلة ـ قد رممت بطريقة عشوائية ودون الالتزام بمعايير الترميم الدولية التي حددتها المنظمة الدولية للثقافة والعلوم ” اليونسكو”ومن تلك المواقع قلعة القاهرة والتي رممت بمواد بناء عصرية غير أن السيد العزي مصلح مشرف في الصندوق الاجتماعي للتنمية نفى ذلك وقال إن الترميمات التي تمت أو القائمة حاليا كان بناء على دراسات راعت كامل الأسس المتفق عليها في الترميم هذا وقد أماط ـ مصلح ـ اللثام عن حقيقة ستعمق الواقع المؤلم لعاصمة الثقافة وهي أن الادارة المكلفة بإدارة شئون عاصمة الثقافة لم توفق في الحصول على الموافقة الكاملة للخطة التي قدمتها لترميم المواقع الأثرية في المحافظة وعلل ذلك بعدم مراعاتها للواقع الاقتصادي للبلد أي انها طلبت ميزانية خيالية .
عاصمة بالأحلام!
في العام 2011م كانت أولى الخطوات الجادة للحفاظ على تاريخ وتراث تعز وتقديمها كعاصمة ثقافية حقيقة لليمن وذلك بتأسيس مركز للتراث بمجلس إدارة رفيع المستوى يرأسه المحافظ وينوبه الأمين العام للمحافظة وبعضوية مدير السياحة ومدير الثقافة غير أن الأمر لم يتغير حتى اللحظة بل إنه ازداد سوءا فالدكتورة سعاد العبسي مديرة المركز تصرح أن الحديث عن عاصمة للثقافة أمر بعيد جدا والسبب غياب الميزانية الخاصة بعاصمة الثقافة وحذرت العبسي من التباطؤ في إنقاذ محافظة تعز ومعالمها التاريخية التي تعاني من حالة إهمال منقطع النظير ــ حد وصفها ــ
كيف الحال
“الثورة” لم تكتف بما قالت العبسي وقبلها اليوسفي فقد أطلقت العنان لعدسة الكامرا ولمخيلة كاتب التحقيق لتقديم صورة أوضح عن تلك المعالم التاريخية فكانت البداية من سور مدينة تعز القديمة حاضنة التاريخ العريض خصوصا تاريخ الدولة الرسولية التي وصل امتداد حكمها مكة المكرمة هذا السور الذي كان حامي حمى مدينة تعز قبل بضعة قرون لم يعد كسابق عهده بذاك الجبروت فقد قضى التوسع المعماري على أغلبه فيما البقية الباقية منه بين حالين الأول أن غالبه قد انهدِ وسوي بالأرض وانمحت آثاره أما الثاني وهو القلة على وشك الانهيار ومن هذا الأخير بابا الكبير وموسى التاريخيان .
خلف السور المتهالك من الداخل تجثم مدينة تعز القديمة على جراحاتها وآلامها وتترنح على جدار ذكريات الزمن الجميل في زمن النسيان .. هنا في هذه المدينة لم يفكر أحد في الحفاظ على ما تبقى منها فضلا عن ترميمها ولأن الأمر كذلك فقصص معالمها الطافحة بالألم كثيرة إذ تشكو من عبث الإهمال ومن تلك المعالم مسجد المظفر البالغ من العمر حوالي 800 عام والذي يعاني من الكثير من المشاكل أبرزها انطماس مساحة كبيرة من نقوشه التاريخية وتشققات بالغة في جدرانه هذا فضلا عن المنظر المزري الذي يطغى عليه بسبب تحويل مدرسة المظفر التاريخية التي تقع وسط المسجد إلى مقلب للمخلفات وكذا تحول صالة المسجد إلى “لوكندة” ينام فيها من يسمونهم “المجانين” ومنظر دورات المياه ــ أعزكم الله ــ التي هي في الوقع أسوأ ما يمكن أن تتصوره .
في ذات المدينة يقع مسجد المعتبية ومدرستها التاريخية واللتان بنيتا على يد الأميرة جهة الطواشي زوجة الملك الأشرف سابع ملوك الدولة الرسولية هذا المعلم التاريخي لا يتفق مع سابقه في الإهمال ويختلفان في الدرجة فالأخير أكثر مأساة ومثل مسجدي المظفر والمعتبية قبة الحسينية التاريخية .
بعيدا عن حضارة الدولة الرسولية فبالاتجاه إلى تاريخ تعز ما قبل الإسلام سنجد أن معالم ذاك التاريخ هي تتقلب على جمر الإهمال ومن تلك المعالم الموقع الأسطوري لأهل الكهف والذي خلد ذكرهم القرآن الكريم إذ لم يحظ هذا الموقع الذي يذكر المؤرخون أنه معقل أهل الكهف والمسجد المبني عليه في أعالي جبل صبر ولو بالقليل من الاهتمام فقد رصد كاتب التحقيق والكامرا وضع الموقع ومخاطر اندثاره .
ختاما
إن انغماس المعالم التاريخية لعاصمة الثقافة اليمنية تعز في بركة خطايا النسيان يعرضها لمحنة الجفاف التاريخي الذي سيحل بها تدريجيا مع كل حالة اندثار لمعلم وأثر تاريخي ولذلك يتوجب على قيادة المحافظة وعلى رأسها المحافظ شوقي وأمينها العام محمد الحاج إعادة النظر في الموضوع باعتباره تاريخاٍ يفخر به ومورد اقتصادي قومي للمحافظة المقبلة على النظام الفدرالي الذي يحمل كل إقليم مسئولية نفسه .

قد يعجبك ايضا