في هذا الزمن الرديء، حيث تسقط فيه معاني الإنسانية، وتُباع القيم والمبادئ في سوق الخيانة بثمن بخس، ترتكب في غزة واحدة من أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ الحديث. هناك، تحت سماء مُلبدة بنار الحقد، وفي أزقة مدمّرة برائحة الموت، تصرخ الأرض، تبكي الجدران، وتنزف الأرواح، دون أن يتحرك للإنسانية ضمير.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة تُقصف، وليست مجرد شعب يُذبح، إنها رمز لكرامة أمة بكاملها تُسحق تحت سنابك الغزاة. أطفالها، أولئك الملائكة الصغار، يُنتزعون من أحضان الحياة قبل أن يكملوا أحلامهم البريئة، تغتالهم القنابل وتدفنهم ركام المنازل. نساؤها يودعن أحبابهن في صمت يعتصر القلوب، ورجالها يقاتلون حتى آخر قطرة دم، رافضين الخضوع أو الانحناء.
كل بيت هناك بات شاهداً على مجزرة. كل حجر يروي حكاية وجع. كل قطرة دم تُزهق تُكتب شهادة إدانة في وجه العالم المتواطئ، الذي اكتفى بالصمت العار، أو الشجب الخجول، أو الاصطفاف المخزي مع جلاد الأطفال ومدمر البيوت.
وفي وسط هذا المشهد الأسود، ينبض قلب اليمن مع غزة. هناك، من جبال صعدة إلى سهول تعز، ومن سواحل الحديدة إلى أودية إب، يشعر اليمنيون أن الجرح واحد، وأن النكبة نكبتهم، وأن دمعة الطفل الغزي هي دمعتهم، وأن كل طلقة نارية تنطلق في غزة تصيب قلوبهم أيضاً.
نحن هنا، على هذه الأرض التي ارتوت بالدم الطاهر، نعيش وجع غزة وكأنما القصف ينهمر فوق رؤوسنا، وكأن كل شهيد في غزة هو شهيد في اليمن. دموع الأمهات الثكالى هناك، تسيل في عيون أمهاتنا هنا، وألم الأيتام الذين فقدوا آباءهم، يعتصر قلوب أطفالنا.
لكن، ومع كل هذا الألم، لا تضعف عزيمتنا، ولا ينكسر صمودنا. بل نشتد قسوة على أعدائنا، وتشتعل أرواحنا بالتصميم الذي لا يعرف الوهن. لقد ثبتنا حين تراجع المتخاذلون، ووقفنا بشموخ حين انحنى الآخرون، وصحنا بملء حناجرنا: “ياغزة نحن معكم، يا أهل فلسطين لستم وحدكك، نحن معكم حتى النصر أو الشهادة.”
إن العدو الأمريكي، شريك القتل ومدبر المجازر، يظن أن آلة حربه قادرة على إخضاع الشعوب الحرة، لكنه يجهل أن الشعوب المؤمنة، التي تعلقت قلوبها بالله وحده، لا تنكسر أمام الحديد والنار. فقد علمتنا غزة أن الألم لا يكسر الأحرار، وأن الدم المسفوك ينبت ألف مقاوم وألف ثائر.
أما نحن، في اليمن الجريح، الذي تكالبت عليه قوى الطغيان، لم ولن نتخلى عن غزة، ولن نخذل فلسطين. لن نتوانى عن تقديم كل غالٍ ونفيس، سنداً وعوناً بدمنا وكلماتنا، بأرواحنا وأموالنا، لأن قضيتكم هي قضيتنا، ومصيركم هو مصيرنا.
نحن نعلم أن الطريق طويل، وأن الثمن باهظ، لكننا عاهدنا الله، وعهد الأحرار لا ينقض، أن نظل معكم حتى تطهير فلسطين، كل فلسطين، من بحرها إلى نهرها، وحتى ترفرف رايات العزة فوق أسوار القدس، ويعود الحق إلى أهله، مهما طال الزمن.
فلتعلم أمريكا وأدواتها الرخيصة أن حربهم على غزة ليست إلا بداية سقوطهم. ولتعلم إسرائيل أن غطرستها اليوم ستتحطم غدًا على صخور المقاومة، وأن فلسطين، كل فلسطين، ستعود حرةً أبية، رغم أنوفهم جميعًا.
“وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”.