لطالما كانت الولايات المتحدة تتقن فن التلاعب بالمسارات الدولية، متخفية وراء شعارات الديمقراطية والحرية، بينما تمارس في الظلام أسلوبها القمعي في فرض الهيمنة. طوال عقود، كانت أمريكا تفرض قوانينها الخاصة على الجميع، وتتجاوز حدود السيادة الوطنية للدول مستغلة قوتها العسكرية والاقتصادية لتمرير أجنداتها المظلمة، ولكن اليوم، لم يعد الأمر بحاجة إلى تلميحات أو أقنعة.. ترامب أطلق التصريح الذي هز أركان النظام الدولي: «سفننا تمر عبر قناتي السويس وبنما دون إذن، ودون دفع فلس واحد».
هذا التصريح ليس مجرد تصريح سياسي، بل هو إعلان حرب على سيادة الدول المستقلة، وبداية مرحلة جديدة من الهيمنة الأمريكية المباشرة. ترامب، في قراره الجريء، كلف وزير خارجيته ماركو روبيو بمتابعة تنفيذ هذا التوجيه، وكأن أمريكا لم تعد بحاجة إلى أي شرعية دولية أو تبريرات قانونية، أمريكا هي التي تضع القوانين، وهي التي تقرر متى وأين وكيف تمر السفن عبر ممرات العالم الحيوية، دون أن تشعر بأي حاجة للاعتراف بالحقوق السيادية للدول.
اليوم، ترامب يتحدث بلغة القوة، بلغة بلا أقنعة، السويس وبنما، اللتان تربطان قارات العالم وتجريان التجارة الدولية، الآن تحت الهيمنة المباشرة لأمريكا، وهذا ليس مجرد تجاوز مالي، بل إعلان رسمي عن كسر سيادة الدول المستقلة وفرض إرادة الأقوى، كل مبدأ من مبادئ السيادة الدولية يتحطم أمام هذه التصريحات التي لا تحمل أي احترام للحدود أو الاتفاقيات.
تصريحات ترامب هي بمثابة صفعة لجهود المجتمع الدولي في الحفاظ على موازين القوة والنظام الدولي، أمة شقت قناة السويس بدماء أبنائها، وأخرى دفعت أثمانًا باهظة لاستقلالها عبر قناة بنما، لتجد نفسها اليوم في مواجهة دول الهيمنة التي تفرض إرادتها على العالم.. أمريكا اليوم تتصرف كما لو أنها الدولة الوحيدة التي تملك الحق في اتخاذ قرارات العالم.
والسؤال الذي يطرحه الجميع الآن: هل سترضخ مصر وبنما لهذا التحدي السافر للسيادة؟ هل ستقبلان بأن تصبحا تابعتين لأمريكا في هذا المفصل الاقتصادي الحيوي؟
هل ستسمحان لأمريكا بتمرير سياستها فوق دماء شعبيهما وتاريخ كل منهما؟ أم أن هذا سيكون الفجر الجديد لمرحلة نضال جديدة ضد الهيمنة الأمريكية؟
هل ستشهد الأيام القادمة تحديات دبلوماسية تهز النظام الأحادي القطبية الذي يفرضه الغرب؟ أم أن هذه الحقبة ستؤرخ لها كـ «الفصل الأخير» لسيادة الدول المستقلة؟
اليوم، العالم يقف عند مفترق طرق.. القوة هي التي تحكم، ومن لا يمتلكها سيجد نفسه مجرد تابع ينفذ الأوامر. ترامب قد أطلق العنان لمرحلة جديدة من الهيمنة والسطوة الأمريكية، فهل سيتحمل النظام الدولي تبعات هذا التصعيد؟