تحقيق/ محمد العزيزي –
بلغ إجمالي قضايا الفساد التي أحيلت إلى نيابة الأموال الابتدائية بأمانة العاصمة العام 2011م (305 ) قضايا فساد مالي وإداري واعتداء على أراضي الدولة والوقف واختلاس واستيلاء على المال العام وتزييف وتزوير العملة والمحررات الرسمية .. ازدادت في 2012م و 2013م إلى نحو 480 قضية فساد في كل عام تقريبا و بنفس الوتيرة و نوعية الجرائم المرتكبة في الأعوام السابقة .. كل هذه الجرائم ارتكبها واتهم فيها عدد من الأشخاص اغلبهم من موظفي الجهاز العام للدولة وبالذات الجهات الاقتصادية والايرادية .. السؤال الذي يطرح نفسه وكثير من أبناء الوطن .. ما موقف الموظف المدان بجرائم فساد من الوظيفة العامة التي يشغلها في هذه الجهة أو تلك ¿! .. وهل يعلم الموظف المدان بالفساد انه في حال أدين بحكم قضائي فقد يتعرض إلى الفصل من الوظيفة ويحرم من مزاولتها في أي جهة أخرى ¿ … “قضايا و ناس” بدوره طرح هذه السؤال وغيره لمعرفة ما إذا كان الموظف وعامة المواطنين يعرفون المدى القانوني المترتب عليها …… الإجابة وتفاصيل أخرى نتابعها في ثنايا التحقيق التالي :
تحقيق/ محمد العزيزي
جاءت فكرة هذا التحقيق عندما لاحظنا أن عدد المتهمين العام 2011م فقط في قضايا فساد نيابة الأموال بالأمانة قد وصل أكثر من 438 متهم في 305 قضايا بينهم 5 نساء ..ويقدم في كل عام نفس العدد وربما أكثر خاصة وان عدد القضايا في تزايد من عام إلى أخر كما ذكرنا ذلك في مقدمة هذا التحقيق خلال العامين المنصرمين .. بهذه الأرقام وخلال عشر سنوات يمكن أن يقدم كل موظفي الأمانة إلى النيابة بتهم الفساد ºººº وما عزز فكرة هذا الموضوع قدوم احد المدانين بحكم للمراجعة وتقديم استئناف للحكم الصادر بحقه والذي اشتمل على عدم تمكن المدان من أي عمل حيوي أو إدارة فاعلة في الجهة التي يعمل بها واصفا الحكم الابتدائي بالمجحف حيث قال أن الحكم جعله بموظف ” طارود” بطالة مقنعة موظف بدون عمل حسب تعبيره..
لا أعلم
يقول الأخ يوسف سرحان موظف عام في احد الجهات الحكومية لا أعلم بأن هناك قانوناٍ أو نصاٍ قانونياٍ يحرم الموظف العام من الوظيفة العامة باعتبار أن الوظيفة حق من حقوق المواطنة بالإضافة إلى أن وزارة الشؤون القانونية والحكومة والإعلام لم يؤدون دورهم في تثقيف الناس قانونيا ليعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات .. ويجيب سرحان في حال أدانت الموظف بجرائم فساد بالقول : أظن أن أي شخص قد يدان بالفساد ويصدر بحقه حكم قضائي يعاقب بالحبس أو السجن بحسب المدة المقررة في الحكم وإعادته لما ارتكبه أو ما نهبه من مال وعند انقضاء المدة ونفاذ الحكم يعود إلى وظيفته التي كان يزاولها .. ويضيف : على مكافحة الفساد أن تثبت وجودها كهيئة معنية بمحاربة الفساد في إحالة كل المفسدين إلى القضاء خاصة اؤلئك الذين لا يقومون بواجبهم على أكمل وجه و ذلك بتشديد العقوبة .
وحول تأكيدنا له أن الموظف العام يمكن أن يفصل من وظيفته في حال إدانته بالفساد أجاب سرحان وهو موظف عام بالقول : قال لا اعلم أن هناك موظفاٍ عاماٍ تم فصله من الوظيفة أو بحكم لارتكابه فساد إداري أو مالي ººº ولكن إذا كان هناك قانون يجيز معاقبة المفسدين بالفصل من الوظيفة اتمنا تفعيله فهذا الأمر مهم للحد من الفساد ونهب المال العام والعبث بالإدارة العامة للصالح الشخصي .
التشهير والفصل
وسام علوان رجل امن يقول : لا اعلم بأن هناك قانوناٍ يجيز أو تصل عقوبته لفصل الموظف العام وإن كان ذلك حقيقي لم نعلم ولم نسمع طوال عملي أن موظفاٍ عاماٍ فصل من عمله نتيجة ممارسته فساد مالي أو إداري أو سطو على مقدرات الدولة فالفساد ينخر في هيكل وجسم الجهاز الإداري للدولة .. ويطالب عبدالحبيب الحكومة والجهات المعنية بمكافحة الفساد تطبيق القانون وأحالت الفاسدين إلى القضاء وفصلهم من العمل إذا كان يتملكون أموال الشعب ويبددون المال العام º فمثل هذه الأعمال التخريبية في أموال الشعب يجب أن يكون العقاب ليس الفصل من الوظيفة العامة فقط ولكن التشهير والتشديد بالعقوبة وذلك لحماية المال العام والحد من الفساد الذي أنهك الاقتصاد والتنمية .
حكم بالفصل
و لكي نؤكد بل و التأكيد لما نطرحه فقد قررت محكمة الأموال العامة الابتدائية بأمانة العاصمة حرمان احد رجال المرور من الوظيفة العامة بعد أن أدانته بالاستيلاء على المال العام من خلال قيامه سرقة 1092 كرت ملكية من مخازن الإدارة العامة للمرور .. وقضى منطوق الحكم في الجلسة التي ترأسها القاضي رضوان النمر رئيس المحكمة وبحضور عضو النيابة محمد الصوفي بحبس المدان مدة سنة من تاريخ القبض عليه . وألزم الحكم النيابة بإعادة الكروت المحرزة في مخازنها إلى الإدارة العامة للمرور .
قانون الخدمة ينص
الأخت | هدى مقدادـ موظفة تقول : اعتقد أني قرأت ذات مرة في قانون الخدمة المدنية أن هناك عقوبة تصل حد الفصل للموظف من الوظيفة العامة ولكن لا استحضر النص الذي يؤكد فصل الموظف وما هو الجرم الذي إذا ارتكبه يحق للدولة فصله .. وتؤكد هدى أن المدان بحكم قضائي ونص الحكم على فصله يفصل مباشرة ويسقط حقه في الوظيفة العامة .
ولفتت هدى مقداد إلى أهمية قيام وزارة الخدمة المدنية والعدل والقانونية والإعلام وهيئة الفساد بتوعية الناس قانونيا وبالذات الممارسات الإدارية والمالية التي تفضي إلى نهب أو فساد والعقوبة التي يمكن أن ينالها كل من يرتكب الفساد والعقوبات الأشد في مثل هذه الجرائم .
رادع حقيقي
لم يذهب بعيدا الأخ محمد عبده مهيوب ـموظف ـ عما ذكره المتحدثون معنا حول هذا الموضوع حيث يقول :الموطن اليمني متخلف قانونيا وثقافته القانونية ضعيفة جدا حتى في حقوقه كما أن الموظف يجهل ذلك وهمه الوحيد أن يوظف ويحصل على وظيفة ويعمل في أدائها ولا يهتم في معرفة القوانين واللوائح المنظمة للعمل إذا هذا الموظف العام .. وقال : لم اسمع يوما ما أن موظفاٍ فصل من عمله بسبب قضية فساد وما اسمعه أن فاسداٍ كان متهماٍ بالفساد تمت ترقيته فإذا وجدت مادة قانونية تعاقب المفسد عما افسد وتوجب فصله لماذا لم تطبق هذه المواد القانونية التي في اعتقادي أنها ستكون رادعاٍ حقيقياٍ لأي فاسد وناهب للمال العام ولمن تسول له نفسه القيام بذلك وسنصل إلى دولة خالية من الفساد .
معزول حكما
القاضي محمد شمس الدين عضو نيابة الأموال العامة بالأمانة فيقول القانون رقم 19 لسنة 1991م بشأن الخدمة المدنية في مادته رقم 125 تقول تنتهي خدمة الموظف العام بالفصل أو العزل بقرار تأديبي أو بقرار تكميلي بحكم قضائي نافذ من محكمة مختصة وأيضا إذا حكم على الموظف في خيانة مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والاختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة وغيرها من محكمة مختصة اعتبر معزولا من الوظيفة حكما شريطة اكتساب الحكم الصادر بحقه الدرجة القطعية .
ويؤكد القاضي شمس الدين أن المواد 116 و117 تؤكدان انه لا يجوز توقيف الموظف أثناء التحقيق إلا إذا اقتضت مصلحة التحقيق وانه في حال تم توقيف الموظف انه يتقاضى نصف الراتب أثناء فترة التحقيق على ألا يجوز أن تتعدى 4 أشهر ولا يستحق بعد ذلك نصف الراتب إذا كانت العقوبة الفصل من الخدمة وعقوبة قيد الحرية ولا يطالب بعد ذلك باسترداد ما صرف له أثناء فترة التحقيق .
وتابع القاضي محمد شمس الدين عضو نيابة الأموال قائلا : هناك من المتهمين من يوافقون على الأحكام إذا كانت صادرة بعقوبات حفيفة أو تضمنت عقوبة سالبة للحرية مع وقف التنفيذ فالمتهم لا يخشى من الحكم إلا تنفيذ العقوبة ولا يأبى لأي آثار أخرى للحكم كحرمانه من بعض الحقوق كالترشح في المجالس النيابية أو المحلية أو غير ذلك … وأضاف القاضي شمس الدين أن الموظف المدان بحكم في قضية فساد تتضمن في الحكم فصله من العمل وقد صدرت الكثير من الأحكام تتضمن عقوبة الفصل عن الوظيفة العامة º وكما قلت لك فإن أي موظف مدان بجريمة جسيمة فإنه يعد مفصولا ضمنيا بحسب قانون الخدمة المدنية .
صدرت أحكام بالفصل
من جانبه قال القاضي محمد الصوفي عضو نيابة الأموال العامة بالأمانة إن الموظف العام لا يهتم بالجانب القانوني والثقافة القانونية ويجهل بذلك حقوقه وواجباته القانونية وبالتالي يقع كثيرون في أخطاء أو يتم توريطهم في قضايا فساد مالي أو إداري يعاقب عليها القانون نتيجة جهلهم توصلهم حد الفصل أو العزل من الوظيفة العامة وأحيانا تضاف إليها الحبس لفترة في السجون .
وأكد القاضي الصوفي انه وخلال فترة عمله كعضو نيابة مترافع عن قضايا الأموال العامة قد أصدرت محكمة الأموال العامة بالأمانة أحكاماٍ كثيرة في قضايا فساد تضمن منطوق الحكم فيها إلى حرمان المتهمين بهذه القضايا من الوظيفة العامة وتم فصلهم من أعمالهم نتيجة لإدانتهم ولارتكابهم جرائم فساد .. ويقول ذلك الفصل من الوظيفة نتيجة طبيعية لأن كل المتهمين الذين يصلون إلى النيابة والمحكمة بتهم فساد إما أن يكونوا يجهلون العقوبة القانونية أو ثقافتهم عالية في القانون ويعرفون الثغرات والضعف القانوني في بعض المواد التي يستطيع من خلالها التملص من قرارات المتهم الموجهة إليه .
وعن النصوص القانونية التي يتضمنها القانون لعقوبة الفصل من الوظيفة العامة أشار القاضي الصوفي إلى أن هناك نصوصاٍ قانونية تجيز فصل الموظف العام من العمل منها ما يدخل في السيادة الوطنية والجرائم المخلة بالشرف وغير ذلك إلى جانب وجود مواد قانونية صريحة في قانون الخدمة المدنية وقانون العقوبات منحة القضاء عزل الموظف المدان بقضايا فساد ويعد كل مدان بجرائم المال العام فصول ضمنا ºº وأحيانا يتضمن الحكم الصادر قرار الفصل في بنود منطوق الحكم وهو ما أكدته لك في بداية حديثي أن المحكمة أصدرت أحكاماٍ كثيرة بفصل المتهمين بقضايا الفساد .
النصوص واضحة
أما الأخ أزل هاشم مدير عام البلاغات والشكاوى بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد فيرى ان الفصل من الخدمة تضمنتها القوانين المعمول بها بالجمهورية اليمنية فعلى سبيل المثال وبموجب المادة (11) من لائحة الجزاءات والمخالفات المالية والإدارية الصادر بقرار رئيس الوزراء رقم 27 لسنة 1998 م أن الفصل من الخدمة هي أقسى العقوبات الإدارية التي توقع على الموظف مع احتفاظه بحقوقه التقاعدية وأي مستحقات أخرى ºº وقد وضحت المادة 20 من هذه اللائحة الحالات التي تستوجب تطبيق عقوبة الفصل من الوظيفة وهو ما حددته أيضا المادة 21 في حالات الفصل من الوظيفة بسبب ارتكاب الموظف لجريمة تتعلق بالمال العام والوظيفة العامة وللتأكد العودة إلى نصوص فقرات هذه المادة والسابقة لها .
ولفت هاشم في سياق حديثه إلى أن المادة 11 من هذه اللائحة لا تعتبر مبتكرة بل مستمدة من المادة رقم 111 من القانون 19 لسنة 1991م بشان الخدمة المدنية ولائحة التنفيذية وهي ذاتها المنصوص عليها في المادة 191 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية والصادرة بالقرار الجمهوري والتي تؤكد انه في حالة مخالفة الموظف لواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في المادة 26 .. أو قيامة بالمحظورات التي وردت في المادة 29 من اللائحة التنفيذية للقانون .
ويواصل مدير عام البلاغات والشكاوى بهيئة مكافحة الفساد حديثه بالقول : أما بالنسبة لقانون مكافحة الفساد فقد أعطى القانون الحق للهيئة اتخاذ قرارات توقيف الموظف الذي يخضع للتحقيق لديها وذلك وفقا للمادة 22 من اللائحة التنفيذية للقانون وذلك بقرار من مجلس الهيئة ºº كما وضحت المادة 106 من ذات اللائحة أن من سلطة الهيئة أن تطلب من السلطات أو الجهات المختصة توقيف موظف عام من عمله متى بينت تحريات الهيئة تورطه في جريمة من جرائم الفساد المنصوص عليها في القانون .
وخلص الأخ أزل هاشم إلى انه وبالتأكيد يجب على القضاء إعمال وتنفيذ جميع الأحكام والنصوص التي أوردها القانون في هذا الشأن والتي تؤكد فصل الموظف في حال ارتكابه جرائم فساد والتي تضر بالمصلحة العامة وأطالب بضرورة التوعية لكل الجهات وموظفيها بهذه النصوص التي يجهلها في اعتقادي الكثير من موظفي الدولة .
الخلاصة
إذاٍ وخلاصة القول وما توصلنا إليه من نتائج لهذا التحقيق أن المواد القانونية موجودة وتنص صراحة على فصل الموظف الذي يرتكب جريمة فساد مالي وإداري ولم تقف هذه العقوبة عند هذا الحد ولكن زادت إلى حرمان من تورطوا بهذه الجرائم من الترشح للانتخابات البرلمانية والمحلية أو الحصول على أي وظيفة عامة أخرى … كل هذه العقوبات قد نص عليها القانون ولكن لا يعلمها اغلب موظفي الدولة بمختلف قطاعاتها وذلك بسبب الجهل بالقانون وغياب الوعي والتوعية القانونية في الجهات أو من قبل وسائل الإعلام المختلفة والوزارات المعنية بالقانون وبحقوق الإنسان و الموظف ما له و ما عليه .. كما يظل سؤالنا مطروحا إلى متى سيظل الموظف يجهل مصيره الوظيفي في حال ارتكب جريمة فساد أو يورط فيها ¿ والإجابة ستظل أيضا مرتبطة بمجموعة من التساؤلات وهي إلى متى¿ ومن المسؤول ¿ ومن المستفيد¿ ولماذا التعمد في تجهيل عموم الموظفين بحقوقهم وواجباتهم نحو الوظيفة العامة والمال العام¿