مرّت علينا قبل أيام ذكرى استشهاد الرئيس المجاهد والمناضل الكبير صالح علي الصماد «رحمه الله»، بعد أن عشنا قبلها ذكرى استشهاد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي «طيب الله ثراه»، وعندما نتذكر خالد الذكر الشهيد صالح الصماد لابُد أن نتذكر مواقفه العظيمة التي أكدت حضوره المتميز في الواقع اليمني وجعلته بالفعل أيقونة جهاد مُعزز بيقينه وإيمانه الصادق بالله سبحانه وتعالى وبقدرته على تجسيد المعاني العظيمة والصفات النبيلة كما وردت في الكتاب والسنة وحرصه الشديد على أن تُصبح سلوكاً وممارسة بين الناس وتكون هي الحاكمة في تصرفاتهم في الحياة العامة .
في هذا الجانب لا أنسى ذلك الموقف العظيم للشهيد الراحل- رحمة الله عليه- أثناء محاضرته لاجتماع حضرهُ ممثلو أجهزة الأمن في البلاد ، فلقد جعل من الهُدهُد والدور الذي قام به عندما أخبر نبي الله سليمان عليه السلام بملكة اليمن وبما تملكه فقال» إن عمل الهُدهُد الاستخباراتي تضمن أحداثاً وتقارير أمنية شملت كل شيء يُحيط بالملكة بلقيس وأدت إلى فهم النبي سليمان لواقع هذه المرأة وما يُحيط بها ، ومن ذلك وصفه لعرشها بأنه عرش عظيم ، وهو المدخل الذي جعل النبي سليمان يوظف القدرات الخارقة والمعجزات التي منحه الله سبحانه وتعالى ليمكنه من نقل عرشها من صنعاء إلى الشام كما ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) وهذا الأخير هو «آصف ابن برخيا» الذي أكد علماء التفسير أنه كان يحفظ جزءاً من اسم الله الأعظم، المهم أن هذه الخطوة مكنت سُليمان من استقطاب بلقيس وقومها والتمهيد لدخولهم الإسلام طواعية بدون إراقة الدماء، أي أن الهُدهُد بدأ بوصف ما يُحيط ببلقيس وقدم صورة عن العرش وأسلوب الحكم حينما قال (إني وجدت امرأة تملكهم) بعد ذلك عبّر عن الديانة التي يعتقدونها حينما قال(وجدتها وقومها يعبدون الشمس من دون الله) فعرض على النبي نوع الديانة التي يدينون بها وأنهم مخالفين لنهجه ، ثم أضاف في الوصف اللوجيستي بقوله (أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ) وأضاف الشهيد الصماد هذا هو أسلوب المخبر المؤمن الصادق المتمسك بقضيته .
هذه القصة العظيمة التي أوردها القرآن الكريم يجب أن تكون محوراً هاماً لرجال الأمن يتمثلونه في سلوكهم وفي حياتهم وفي أسلوبهم اليومي في التعامل مع القضايا التي توكل إليهم خاصة منها التي تتعلق بأمن الوطن واستقراره وسلامه أبنائه ، أي أن المُخبر ليس مكلفاً فقط بأن يُخبرني أين خزن المستهدف وماذا قيل في المقيل؟ هذا إذا أردنا أن نجسد المسؤولية بأفق ديني صادق بعيد عن الاستهداف المغرض والأحقاد الدفينة التي تجعل المكلف في هذا الجانب يتابع المسؤول عن مراقبته في قضايا شخصية إما نتيجة علاقة سابقة أو أشياء متراكمة في النفوس ، وكذلك أقسام الشرطة يجب أن يكون دورها إيجابياً يخدم ضمان الأمن والاستقرار ويُحقق مصالح الوطن برمته وهذا هو الشيء الذي يجب أن نستفيده من قصه الهُدهُد ونبي الله سليمان .
هكذا كان الشهيد الصماد يوظف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لخدمة القضايا الوطنية المعاصرة بأفق إيماني صادق ويُحاول أن يغرس في الموظفين حيثما كانوا أساليب الاستفادة من المنهج القرآني العظيم لكي يترجموا منهج العقيدة في حياتهم اليومية بأسلوب راقٍ يُقدم الإسلام للآخرين بما هو عليه من سماحة وصدق وقدرة على مواجهة كل الظروف والأعباء ، وفي هذا الجانب لا يمكن أن نلم بكافة المحاضرات التي سمعناها من الشهيد فلقد شملت كل جوانب الحياة ، ويكفي هنا أن نختم بتلك المقولات الشهيرة له ، حيث قال «نريد دولة للشعب لا شعب للدولة» وقال أيضاً عبارته الشهيرة «الظروف الصعبة التي نمر بها تتطلب منا أن نسهم في كافة الجوانب على قاعدة يدٍ تبني ويدٍ تحمي الوطن» رحمه الله شهيدنا العظيم والمطلوب أن نستفيد من تلك الأطروحات التي قدمها في زمن قصير ونقتدي بها في سلوكياتنا وممارساتنا الحياتية لأنها بالفعل ترجمة حقيقية لنهج الإسلام والمواطنة الصادقة ، وهذا ما نحن بحاجة ماسة إليه ، والله من وراء القصد …