مشــــروع ضـد التنميـة !!


لا يدري المهندس حكيم أين هو هيكل الغسالة التي فشل في إصلاحها – أنها تؤدي الدور الذي قام به فأر سد مأرب لكنها ليست خرافة بل حقيقة – أراد التخلص منها بإلقائها الى السائلة التي تشق مدينة تعز وقد حملها الماء الى آخر نقطة يمكن الوصول اليها – استقرت مياه أمطار الشهر الفائت على مسافة عشرة كيلو مترات من آخر نقطة في مدينة تعز وتحديدا في منطقة العامرية حاملة معها أطنان من أكياس القمامة واسم المهندس حكيم المدون على هيكل الغسالة .

يستحق هذا المشروع الدراسة من جديد ليس كنموذج للنجاح ولكن كعبرة لقيام مشاريع وخطط دون وضع الاحتمالات في الحسبان وكيف تتحول الى مشكلة يصعب حلها او الاستفادة منها وجزء منها يعود بالطبع الى غياب الكادر البشري القادر على إعداد وتصميم مثل هذه الدراسات بكفاءة تضمن نجاح مثل هذه المشاريع التنموية.
التنمية هي المرافق الأمين لكل مشروع ينطلق ولكل فكرة تنبت مالم نتعامل معها كما يفعل الآخرون فإنها تجدي الانتقام لنفسها كما حصل في العامرية وسدها الذي يعيش أيامه الأخيرة .
محو الحلم
* سرت مع خط السائلة الذي أصبح مقلب قمامة يقسم المدينة الى نصفين وفجأة وصلت الى حيث كان يقف عدد كبير من المسئولين والمواطنين ولا يكادون ان يتوقفوا عن التصفيق – لقد انتهوا من إقامة سد العامرية الذي سيغير من حياة المدينة انه المشروع الذي أعاد ذكرى اليمني المتعلق بإقامة السدود لتحميه من الجفاف كان التلفزيون الرسمي ينقل الحدث مبتهجا كالمشاهدين في منازلهم قبل عقدين أما ألآن فها أنا أقف حيث كان السد عميقاٍ دون أن اتبلل لأنه لاوجود للماء .
لم يعد هناك سد اسمه العامرية لقد دفنه أهالي المدينة دون ان يعلموا – لقد محوا الحلم الذي خيل إليهم وحولوه إلى كابوس للمناطق المجاورة له قال أحمد عبدالقادر الساكن إلى جوار السد ” الحمد لله اندفن باقي له مطرة واحدة وانتهى إلى الأبد ” .
من كان يتصور أ ن يأتي يوما يحمد الله فيه أحدهم أن سدا يحضن أساس الحياة دفن , وهو ليس وحده معظم من التقينا بهم اظهروا فرحتهم لاختفاء مشروع احتفل آبائهم بافتتاحه قبل سنوات – ما الذي حدث إذا حتى تحول مشروع تنموي إلى مشكلة.
أصوات
* يقترب النهار من الانتصاف يحيط بالمكان أصوات المضخات وهي تسحب الماء من باطن الآبار الجوفية التي لا تحتاج الى تعمق بالحفر حتى تتدفق بفضل السد الذي أصبح ظمآن –
أحاول أن أجده اقلب نظراتي في المكان الذي كان فيه ولم أر غير الوحل ومجموعة حزينة من طيور ذات لون اسود تشبه تلك المتواجدة عند البحيرات وعدد أقل لطيور بيضاء تتحرك ببطء وخيبة أمل – هناك شيء أكثر نشاطاٍ إنه البعوض الذي يشكل طنينه صوتا قريبا لصوت ارتال النحل أصبح البعوض وريثا شرعيا للمشروع يتحرك كأسراب ويحلق ويهبط حيث أراد وصفه احد جيران السد ” في الليل عندما كنت أضيئ الكشاف لم أكن أرى ضوءاٍ كان البعوض يغطي المكان ويتنقل كسحاب ” حاليا لم يعد بهذه الكثافة وأصبح الرجل يرى الضوء .
في المكان أيضا تجمعات متفرقة لنباتات قصيرة ساهمت في تصحر المكان وتحوله الى رقعة ارض .
” لا تقلق لن تغرق ” طمأنتني عبارة احد السكان القريبين من أرض السد عقب سؤالي عن العمق ثم اخذ يشرح انت ألآن تقف وسط السد تماما عندما قال هذه الكلمة ثبت نظري نحو الأرض القاسية التي أقف عليها ولم يظهر عليها أي فارق مع الأراضي الأخرى – بعد قليل سألتقي برجل يسألني ما إذا كنت أريد شراء أرضية لأقيم عليها منزل – كان سؤالي مضحكا بالنسبة للرجل الخمسيني في السد ¿
وسريعا أجاب أين هو لم يعد موجوداٍ كان هنا ثم اختفى .
لمن الأرض
* هناك روايتان أحدهما أن الأرض التي أقيم عليها السد كانت مملوكه لمواطنين وتنازلوا عنها لإقامة مشروع عملاق وهم من يريدون استردادها بعد ان تحول الى طريق – الرواية الثانية أن الأرض كانت أملاك الدولة ومن يريدون اليوم التصرف بها إنما يسعون للاستفادة من النكبة التي أصيب بها المشروع – ومهما اختلفت الروايتان هل سمعنا أن هناك من يشتري سدا- ها نحن نعيش اللحظة .
تحمل الطريق التي تخترق أرض السد علامات مرور سيارات عليها وكلما مرت ازدادت الأرض تماسكا وصلابة وأصبحت صالحة لبناء المنازل وفقدت قدرتها على الزراعة التي كانت يوما مزدهرة هنا .
يقول الأهالي الحذرين في أحاديثهم أن السائلة ظلت لسنوات تحمل القمامة والأتربة الى باطن السد حتى سوته بمستوى الأرض الأخرى ولم تقم أي جهة مختصة برفع هذه الكميات من داخلة حتى أصبحت صلبة وصارت السيول تمر فوق السد الى واد يقع على مسافة قريبة من الموقع .
يتذكر أحدهم أن المجلس المحلي قام مرة واحدة بتنظيف السد من التراب قبل سنوات طوال ولم يكرر الأمر بعدها .
تحولت الأراضي المحيطة إلى أرض بلا ماء ولا تنفع الا للإسمنت وتحول الوادي المقفر الى منطقة سكنية تتطور كل يوم بفعل الكثافة السكانية لتعز – الم يضع مخططو المشروع كل هذه الاحتمالات – الم يعرفوا أن سائلة مكشوفة السقف لن تكون الا برميل قمامة يعتاد الناس أن يلقوا فيه كل شيء وحين يهطل المطر يخرجوا لمراقبة كيف تسبح أكياس القمامة .
وحين لا تهطل الأمطار كما هو الوضع حاليا فإنهم يضلون يرقبون عجزها عن الحركة وتتجمع الكثير من الحشرات والبعوض عليها لتنقل منها الأمراض والأوبئة كحمى الضنك الى كامل المحافظة وما جاورها وأخشى أن تلجأ المحافظة الى فكرة المطر الصناعي وتقوم بشراء المياه الشحيحة وصبها الى السائلة كي تسحب القمامة المكدسة لأن المطر تأخر وقتها ستحتاج تعز الى ميزانية اربع دول لتغطية ثمن الماء وسيصبح الأمر مضحكا ومخجلا .
مجرد سؤال
* لا ندري ما هو مصير إحدى الأفكار التي كانت تتحدث عن تحويل السائلة الى مساحات خضراء وأخرى تجارية بحيث يتم تغطية السائلة بالكامل بالحديد والإسمنت ثم توضع فوقها المساحات القابلة للاستثمار وتصبح مكانا آمانا لنقل مياه الأمطار نظيفة الى السد بعد حفره مجددا.
وستغذي المياه النظيفة باطن أرض المحافظة كما ستوفر المساحات الكبيرة فرص عمل ومصدر دخل للمحافظة المسئولة عن كل هذا الإهمال للموارد وللأفكار .

قد يعجبك ايضا