تحت شعار “الشباب والصحة النفسية” احتفل الشباب عبر العالم باليوم العالمي للشباب الذي يوافق الـ 12 من أغسطس من كل عام وهو اليوم الذي تبنته الأمم المتحدة في العام 1999م ,ويعتبر هذا اليوم مناسبة لتسليط الضوء على شريحة الشباب ومناقشة مشاكلهم وملامسة تطلعاتهم والعمل قدر المستطاع على تحقيق إمكاناتهم بما يساهم في تطوير المجتمع والارتقاء به .
ومثل بقية المجتمعات تعتبر فئة الشباب في اليمن أهم شريحة في المجتمع , وهي بحاجة الى الاقتراب منها وتلمس أحلامها ومشاكلها فهناك الكثير من الشباب ما ان تجلس معهم حتى تسمعهم يشتكون من مشاكل عديدة مع النفس ومع الأهل وكذا مع المجتمع .
فهل الشباب فعلا في مشكله أم أن هناك مشاكل تواجههم وإذا كان الحال كذلك فما سبب هذه المشاكل وما هي الحلول المناسبة لها ¿
نترك الإجابة على هذه الأسئلة للشباب أنفسهم ولمختصين في علم النفس والاجتماع في هذا التحقيق:
يقول الشاب عبدالاه الروحاني: الشباب ليسوا في مشكلة فهم ليسوا مرضى حتى نقول عنهم في مشكلة لكن هناك مشاكل تواجههم وتفرض عليهم نوعا من الهموم التي تؤثر عليهم كثيرا نفسيا واجتماعيا.
وبحسب الشاب الروحاني فأبرز مشكلة يواجهها الشاب هي إكمال نصف دينه ولكنه يصطدم بغلاء المهور وتكاليف الأعراس الباهظة بالإضافة إلى عدم توفر الوظائف والأعمال التي تكفل له حياة كريمة , فهذه الأشياء – والكلام لايزال للشاب- تكون بمثابة مشكلة كبيرة جدا يواجهها الشباب الذين يرغبون في تكوين أسرة صغيرة خاصة به , ويجد نفسه يواجه ضغوطاٍ كثيرة , أولها رغبته في الزواج مثل أي شاب آخر وثانياٍ نظرة المجتمع للشاب العازب والانتقادات التي يواجهها من قبل البعض وقد تصل إلى حد الطعن في رجولته ,بالإضافة إلى الالتزامات المفروضة على الشاب لأهله وأسرته وخصوصا الأسر الفقيرة التي تنتظر تخرج ابنها من الجامعة وحصوله على وظيفة يستطيع من خلالها مساعدة أسرته وتحسين وضعها ماديا , فما بالك عندما يتخرج هذا الشاب ليجد نفسه عاطلا عن العمل وفي نفس الوقت مطالباٍ بتحقيق الكثير من الالتزامات له ولأسرته وللمجتمع”.
الفقر وقلة فرص العمل
من جهته يرى الشاب هيثم عبدالقادر الصلوي أن ” المادة” هي سبب كل المشاكل التي يتعرض لها الشباب والمجتمع بشكل عام , مستدلا على ذلك بأن أكثر الأمراض النفسية التي تصيب الشباب يعود السبب فها الى الفقر وضيق الحال وعدم القدرة على الكسب لعدم توفر فرص العمل .
ويقول الصلوي الذي يعمل في محل سباكة بحي القاع:” أنا واحد من خمسة أخوة ذكور ,منذ الصغر ونحن نكد ونتعب ونكافح مع الوالد – رحمة الله عليه- حتى نستطيع العيش , بالتأكيد مثل كل الشباب لدينا أحلام وطموحات كثيرة ولكن سيطرة هم المعيشة على كل تفكيرك يجعلك تنسى حتى اسمك”.
ويضيف الصلوي قائلا:” ابسط الطموح لدى أي شاب هو إكمال تعليمه والحصول على وظيفة ولكنني انا وإخواني الأربعة لم يستطع أي منا إكمال دراسته الجامعية فتركنا قاعات الجامعة ولازلنا في سنواتها الأولى واتجهنا للبحث عن أعمال “.
ويكمل الشاب هيثم عبدالقادر حديثه بقوله :” أسرتي تريد مني أن أكون كذا وكذا وأنا أريد أن أكون كذلك وإذا ما خرجت إلى الواقع لتكون كما تريد تجد أمامك ألف عقبة ,والمجتمع أيضا منتظر منك أن تكون عضوا فاعلا فيه , فكيف ستستطيع الإيفاء بكل تلك الالتزامات والواجبات لنفسك ولأسرتك ومجتمعك وأنت عاجز حتى عن توفير قوت يومك أو إيجار سيارة تقلك إلى القرية لتمضية العيد وسط الأهل”.
القناعة والرضا
وبخلاف الشاب هيثم , يرى نعمان المسوري – صاحب عربية في سوق القاع – انه مهما كانت المشاكل التي تواجه الشباب فيجب الرضاء بما قسمه الله وعدم تحميل النفس فوق طاقتها .
يقول نعمان :” كل شاب وكل فرد لا يخلو من المشاكل والهموم بغض النظر عن أسبابها ومسبباتها , لذلك أؤكد على مقولة ” القناعة كنز لا يفنى “, فإذا ما اقتنع الشاب بحياته التي يعيش فيها وأرادها له الخالق عز وجل سيعيش سعيدا ومهما بلغت الهموم والمشاكل التي تواجهه سيستطيع بالقناعة والجد والمثابرة والاعتماد على النفس أن يتجاوزها قدر المستطاع ولا يمكن أن يصل الأمر إلى الإصابة بحالة نفسية قد تؤدي إلى الجنون أو الانتحار).
ليس لديهم مشكلة
بعد ان استطلعنا أراء بعض الشباب وتلمسنا همومهم ومشاكلهم كان من الضرورة معرفة رأي المختصين في علم النفس فالتقينا بالأستاذ خالد الغدرة – أستاذ علم النفس- الذي قال :”الشباب بحد ذاتهم ليست لديهم مشكلة فهم ليسوا متشاكين مع أنفسهم أو عقولهم في أي أمر من الأمور ولا في أي مكان أو زمان ماداموا من صنف العقلاء ,فهم يتصرفون في شؤونهم الفكرية والنفسية تصرفا منسجما مع مقتنيات الحياة الطبيعية والنوازع الفكرية والعقلية والنفسية ,وقد يخطئون أو ينحرفون ,هذا صحيح, لكن هذا ليس ناتجا عن مشكلة خاصة بهم وتتعلق بكونهم شباب , بل أنهم يشتركون في ذلك مع بقية الناس يقودهم قاسم مشترك واحد كعامل العصبية أو الردود النفسية أو الانصياع للتقاليد والعادات).
انعكاس الحالة
إذن من أين جاء مثل هذا العنوان ” مشكلات الشباب وهمومهم¿” يقول الأستاذ خالد:”في رأيي أن هذا العنوان يعد تشخيصا سطحيا لمرض اتخذ مظهره في صنف الشباب دون غيرهم فالسطحيون اعتبروا الشباب ينبوع هذا المرض وسببه وان قصورا ما قد تسلل إلى التركيب النفسي والعقلي لهؤلاء الشباب فانطلقوا يبحثون ويعالجون ويضعون الوصفات العلاجية المختلفة , لكن الحقيقة أن الشباب ليسوا هم المرضى وإنما هم بمثابة انعكاس لحالة مريض آخر فمن هو هذا المريض¿.. انه المجتمع الذي يعيشون فيه , وما المشكلات التي تظهر في سلوكياتهم إلا اثر وانعكاس لما يعانونه من المجتمع الذي لا يرحم غضاضة عودهم وقلة خبرتهم ولكي تزداد هذه الحقيقة وضوحا ينبغي أن نعلم أن الإنسان عندما يخوض معترك الحياة بسلاح من الطاقة العقلية والنفسية بشكلها البسيط الغض الذي ليس مراسا ولا خبرة فإن هذه الطاقة تبدأ كنبتة صغيرة وتتجذر وتنمو مع الأيام وتكبر لتصبح شجرة مثمرة متفرعة الأغصان بما يكسبه صاحبها من خبرة على المدى الطويل وبما يربو بين جوانحه من عواطف مختلفة والبعض من هذه التجارب والخبرات يكون موجها ومقصودا وهو ما يطلق عليه علماء التربية العمل غير المقصود كالبيئة والوراثة وغيرهما وهكذا فإن شخصية الشباب الفكرية والنفسية إنما يتكامل ويتكون معظم نسيجها عن طريق المجتمع بواسطة عوامل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر ونصل من ذلك إلى أن الشباب هم أدق لوحة تنعكس عليها حالة المجتمع الذي يعيشون فيه إن خيرا فخير وإن شرا فشر وأي شيء نراه من مظاهر الخير والشر على هذه اللوحة إنما هو صورة لحالة المجتمع نفسه الذي يعيش فيه الشاب.
الفراغ وانشغال الأسرة
وحول أهم المشاكل التي تواجه الشباب , يقول أستاذ علم النفس :” تعتبر مشكلة الفراغ من المشاكل الأساسية التي يعاني منها الشباب وتزداد هذه المشكلة تفاقما بارتفاع مستوى المعيشة وضعف سلطان الأسرة وانشغال كل من الأب والأم بالعمل خارج المنزل اوقاتا طويلة فوجود وقت متسع من الفراغ لدى الشباب يولد المشاكل والهموم التي قد تودي بالشاب إلى هاوية الانحراف والضياع إضافة إلى أن الفراغ ينمي لدى الشباب حالة من اللامبالاة والإهمال والكسل والتراخي وعدم الشعور بالمسؤولية في هذه الفترة الهامة من حياته كما أن انعدام التوجيه الديني والروحي والخلقي والتعليمي من شأنه أن يعرض الشاب للمعاناة من مشكلة قضاء وقت الفراغ حيث لا تنمو لديه القدرات والمهارات والعادات النافعة التي تجعله يحسن استثمار وقته ليقضيه في ما ينفعه وينفع المجتمع).
إتاحة الفرص
وفيما يتعلق بحل هذه المشاكل يقول الاستاذ خالد :”يشير خبراء علم النفس إلى أن حل هذه المشكلة يكمن في ما يعرف بالتسامي أو الإعلاء بدوافع الفرد وغرائزه والسمو بها من صورتها البدائية والفجة والحيوانية الى صورة راقية وحضارية ونفاعة وذلك عن طريق إتاحة الفرصة للشاب المراهق بأن يصرف فائض طاقته وحيويته الجسمية والنفسية في أنشطة نافعة وايجابية تصقل شخصيته وتنمي قدراته ومواهبه وتنفع المجتمع الذي يعيش فيه , كما يشير علماء النفس إلى أن الشباب في كثير من المجتمعات يعانون من مشكلة ضعف الشعور بالانتماء سواء أكان هذا الانتماء إلى مجتمعاتهم المحلية أو إلى أسرهم أو إلى امة الإسلام وشريعته الغراء ,فالشباب يشعرون بالغربة وعدم الانتماء إلى أراضيهم ,بالإضافة إلى شعور الشباب أنهم مهملون وأنهم لا يلقون الرعاية والاهتمام وان حقوقهم مهدرة وحاجاتهم مهملة وسواء كان هذا الشعور حقيقيا أو وهميا فإنه يلعب دورا رئيسيا في شعور الشاب بعدم الانتماء ,كما أن أجهزة الإعلام والثقافة الجماهيرية مسئولة ولو جزئيا عن نشأة هذا الشعور وذلك بما تقدمه من مظاهر للحياة الغربية مما قد يبعث على الانبهار بها والرغبة في تقليدها أو ما قد تعرضه هذه المؤسسات من مشكلات وهموم في الحياة الاجتماعية وتبالغ في إبراز هذه المشكلات إلى حد يدفع الشاب إلى الشعور باليأس وعدم الأمان والاستقرار”.
يوم عالمي للشباب
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للشباب والذي يوافق الـ 12 من أغسطس من كل عام بإقامة العديد من الفعاليات في عدد من دول العالم .
وتشمل فعاليات اليوم العالمي للشباب والذي يقام هذا العام تحت عنوان “الشباب والصحة النفسية” إقامة مهرجانات وورش عمل وندوات للشباب والمنظمات الشبابية تركز على أهمية الصحة النفسية .
وذكرت منظمة الأمم المتحدة في بيان لها بهذه المناسبة أن اختيارها لموضوع الصحة النفسية للشباب لما لاحظته المنظمة من معاناة الشباب المصابين بالأمراض النفسية من تمييز في مجتمعاتهم.
وأضافت المنظمة أن الاحتفال لهذا العام سيركز على رفع الوعي بهذا الموضوع المهم وتسليط الضوء على التجارب الشجاعة لبعض الشباب الذين اختاروا التحدث عن هذه القضايا بغية التغلب على التمييز.
وأوضح البيان أن ذلك يهدف لضمان توفير الرعاية والظروف الصحية المناسبة لهؤلاء الشباب كي ينعموا بظروف حياة صحية ومكتملة خالية من العزلة والعار توفر لهم على نحو واسع الخدمات والدعم الذي يحتاجون إليه.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رسالة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشباب لعام 2014م إن 20 في المائة من شباب العالم يتعرضون للإصابة بأمراض نفسية كل سنة ويتزايد مخاطر تعرضهم لهذه الآفات بشكل خاص في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى سن الرشد.
وأضاف بان كي مون أن المشكلة تتفاقم في أحيان كثيرة من جراء تعرض الشباب “للوصم ولشعورهم بالعار” مما يحول دون التماسهم المساعدة التي هم في حاجة إليها.
وبين أن الشباب الذين يعتبرون عرضة للخطر أصلاٍ مثل الشباب الذين لا مأوى لهم والواقعين تحت طائلة نظام قضاء الأحداث والشباب اليتامى والذين عاشوا حالات النزاع غالباٍ ما يكونون أكثر عرضة للوصم وغيره من العقبات.
واكد ان ذلك يزيدهم ضلالاٍ في حين أنهم في أشد الحاجة إلى الدعم .. مشيراٍ الى ضرورة التذكر بأنه بالتفهم والمساعدة يمكن لهؤلاء الشباب أن يتألقوا وأن يقدموا مساهمات قيمة لمستقبلنا الجماعي.
وختم بان كي مون رسالته بهذه المناسبة قائلاٍ ” دعونا نمكن الشباب الذين يعانون من الأمراض النفسية من تحقيق كامل إمكاناتهم ودعونا نثبت أن الصحة النفسية تهمنا جميعاٍ”.
وفي مصر أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء اليوم الثلاثاء بياناٍ صحفياٍ بمناسبة اليوم العالمي للشباب ذكر فيه أن 29 % عاطلون و26% مطلقون و 25% مدخنون و27% فقراء.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أكدت العديد من منظمات الأمم المتحدة وشركاؤها على أهمية الدور المنوط بالشباب لتحقيق التنمية المستدامة وضرورة استثمار طاقات الشباب وحماسهم وإبداعاتهم.
ودعت المنظمات الى العمل على إيجاد حلول لحاجات الشباب وإزالة المعوقات والتحديات التي تواجههم ودعمهم في تحقيق آمالهم وتطلعاتهم وتطوير وتمكين قدراتهم.
كما قررت منظمة العمل الدولية المشاركة في احتفالات اليوم العالمي للشباب بالتعاون مع مجموعة من الشركاء في الحرم الجامعي اليوناني في مقر الجامعة الأمريكية في القاهرة.
وذكر بيان لمكتب العمل الدولي الإقليمي في القاهرة أن الاحتفالات تضمنت عقد العديد من ورش العمل وإجراء مقابلات مع عدد من المسئولين والخبراء في يوم تعليمي ترفيهي للشباب.