قائد الثورة : نحن في مسار عملي نستعد فيه لأي تصعيد يلجأ إليه الأمريكي والصهيوني

توجَّه بأحر التعازي لأسرة الشهيد هاشم صفي الدين ولحزب الله ولأمة المقاومة وللشعب اللبناني
راية الجهاد التي حملها شعبنا ورفعها بإيمان وثبات وشجاعة هي عالية وفي ذروة المعركة
جبهة اليمن مستمرة في إسنادها لغزة ولبنان ولن تتراجع رغم الضغوطات
العدو يتوهم  أنه باستهدافه القادة سيحقق أهدافه في السيطرة على الأمة وإنهاء المعركة
تضحيات القادة تترك أثرها الكبير فيحقق الله لهم آمالهم وينتصر لمظلوميتهم

 

 

الثورة/ سبأ

 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:23] صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.

بالأمس نعى حزب الله رئيس مجلسه التنفيذي، المجاهد الكبير، العلامة الشهيد السيد/ هاشم صفي الدين «رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ»، وهو من قادة الحزب، حيث كان دوره في حزب الله، وبالذات في إطار مسؤوليته الكبيرة في قيادة المجلس التنفيذي ومؤسساته، ومختلف الأنشطة العملية التي يقوم بها، كان دوراً عظيماً، وفاعلاً، ومؤثِّراً، وإسهامه الجهادي مميز؛ بما يمتلكه من إيمانٍ، ووعيٍ، وبصيرةٍ، وعلم، وما يتحلى به من أخلاقٍ كريمة، وما يحمله من روحيةٍ جهاديةٍ متوقدة، وعزمٍ عظيمٍ، وهمةٍ عالية، وبحضوره الدائم في ميادين العمل في سبيل الله بنشاطٍ وحيوية، وقد نال الشهادة في سبيل الله تعالى على طريق القدس، مع مجموعةٍ من رفاق دربه المجاهدين «رَحْمَةُ اللهِ تَغْشَاهُم».

وفي هذا المقام، نتقدم بأحرِّ التعازي وخالص المواساة لأسرته الكريمة، ولحزب الله، ولأمة المقاومة والجهاد، وللشعب اللبناني، ولأُمَّتنا الإسلامية كافَّة، ونتقدم كذلك بالتعازي لأسر رفاقه الشهداء، نسأل الله أن يُعَظِّمَ لهم الأجر، ويُلْهِمَهُم الصبْر، وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمُ السكِينَة، ويُؤيدهم بالنَّصْر، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظَيْم.

من أهداف العدو الإسرائيلي الصهيوني المجرم، في استهدافه للقادة المجاهدين، إضافةً إلى التخلص منهم، وحقده عليهم، وسعيه أيضاً لتغيير دورهم الفاعل والمؤثِّر في الواقع، هو: كسر الروح المعنوية لأمتهم، للمجاهدين معهم، لحاضنتهم الشعبية، هذا واضحٌ في تصريحات الأعداء، وفي توجهاتهم، كما حدث في فلسطين ولبنان.

العدو الإسرائيلي لا هو يفهم من التاريخ، حتى التاريخ المعاصر القريب، ولا من الحاضر، والمعركة قائمةٌ في ذروتها، فعُقدة الحقْد تُعميه، والآمال التي يؤمِّلها، والتي يخيِّبه الله فيها، كذلك تدفعه إلى الاستمرار في المسلك الإجرامي والعدواني لاستهداف القادة.

فقدان قادة الجهاد، وبالذات في الظروف الحساسة، مؤلمٌ للمجاهدين، للمؤمنين، لكل الأمة، لكل الأحرار في العالم، نحن نحزن عليهم، ونتألم أشد الألم على فراقهم، كما أن فقدانهم في مثل هذه الظروف الحساسة، والمصيرية، والمهمة، خسارةٌ جسيمةٌ على الأمة بلا شكٍ في ذلك، ولكن ما يؤمِّله العدو ويسعى له، من أن ذلك سيحقق له أهدافه في السيطرة على الأمة، وإنهاء المعركة، وأنَّ أمة الجهاد والمقاومة ستترك الراية جانباً، وترفع بدلاً عنها راية الاستسلام، هي آمالٌ سرابيةٌ وخائبة؛ لأنَّ مسيرة الإيمان والجهاد في سبيل الله تعالى لها ميزةٌ مهمةٌ جداً.

في هذه الميزة المهمة في المسيرة الإيمانية الجهادية، لمن يتحركون في سبيل الله من منطلقٍ إيمانيٍ وجهادي، يؤمنون بالله تعالى، يؤمنون بكتابه ورسله وأنبيائه، يؤمنون بهديه وتعليماته، يؤمنون بقضيتهم العادلة، يؤمنون بموقفهم الحق، يؤمنون بخيارهم، بخيارهم الراشد، والصائب، والحكيم، والضروري الذي لا بديل عنه، من المميزات المهمة لانطلاقةٍ على هذه الأسس المهمة: أنَّ الأمة التي تتحرك وفق ذلك تحظى برعايةٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

فتضحية الشهداء القادة، هي تضحياتٌ تمثِّل قرباناً إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهو «جَلَّ شَأنُهُ» من ينتصر لهم، من يتقبَّل منهم جهدهم، وجهادهم، وعطائهم، وما اسهموا به في وجودهم، من جهدٍ وعملٍ وسعيٍ لنصرة الحق، للموقف الحق، للقضية العادلة، للعمل في سبيل الله، للتَّقرُّب إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يقبل منهم ذلك السعي، والجهد الكبير، الذي ارتبط بأهدافٍ مقدسة، أهدافٍ مشروعة، أهدافٍ رسمها الله تعالى، أهدافٍ وجَّه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هديه وتعليماته عباده المؤمنين، إلى السعي لتحقيقها، وإلى العمل من أجلها، فالله يقبل منهم جهدهم، وعملهم، وسعيهم، ويتقبلهم بتضحياتهم، عندما جادوا في سبيله بأنفسهم وأرواحهم، وقدَّموا حياتهم في سبيله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يتقبل منهم كل ذلك، ويترك «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الأثر العظيم في الواقع لذلك السعي، ولذلك الجهد، ولذلك العمل، ولتلك التضحية، يبارك آثارها ونتائجها، لتحقيق نفس الأهداف المقدسة، التي عملوا ابتغاء مرضات الله تعالى من أجل تحقيقها؛ ولــذلك لا تضيع أعمالهم، ومساعيهم العظيمة، وأعمالهم الصالحة، ولا تضيع تضحياتهم أبداً؛ لأنَّ الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو من يتولى رعايتها، ومباركة أثرها في الواقع نفسه؛ حتى تثمر الثمرة العظيمة، وتترك أثرها الكبير، فيحقق لهم آمالهم، ويرعى جهودهم، وفي نفس الوقت ينتصر «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لمظلوميتهم؛ لأنَّهم شهداء، وكل شهيدٍ مظلوم، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر:51]، فاللهُ وَعدَ بِالنَّصْرِ لرسله، وأيضًا للذين آمنوا، نصراً في هذه الحياة الدنيا، نصراً لقضيتهم، لموقفهم، لمنهجهم، ونصراً في الآخرة، هو النصر العظيم، النصر الكبير، النصر الأبدي، حيث يحكم الله بين عباده حكماً نهائياً، يترتب عليه مستقبلهم الأبدي.

ثم إن التَّوجُّه الإيماني للمؤمنين، كمسيرة وكأمة يتحركون في سبيل الله تعالى، يجعلهم على صلةٍ إيمانيةٍ بالله «تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، وثقةٍ به، وتوكلٍ عليه، حتى في أحلك الظروف وأصعب المراحل، وهذه من المميزات المهمة، التي تجعل بنيان الأمة المجاهدة بُنياناً متماسكًا، وبُنياناً مرصوصًا، وبنياناً صُلباً لا ينهد، مهما كانت الصعوبات، ومهما كانت التحديات والأحداث، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يرعى الأمة المجاهدة حتى لو قدمت من عظمائها وقادتها وأخيارها الشهداء، يرعاها «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لتواصل مشوارها برعايته العظيمة، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح:4]، يُمِدُّهم بالسكينة، يربط على القلوب، {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا}، كما في قصة أصحاب الكهف، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يَمُنُّ بالعون، وبالتأييد، وبالتسديد، ويلهم الرشد والصواب للأمة المجاهدة، لتواصل مشوارها في دربها.

وهذا ما هو واضحٌ في واقع المؤمنين، مهما كان الحزن، ومهما كان حجم المظلومية، إلى درجة أن الحزن على القادة وعلى الأخيار، وكذلك الأسى لفراقهم، يكون أيضاً من العوامل، مع مظلوميتهم الكبيرة، مع التذكر لجهودهم وإسهامهم، مع الوفاء لهم، يتحول هو بنفسه إلى عاملٍ من عوامل الصمود، من عوامل الثبات، من عوامل التماسك، من عوامل التفاني، يكونون هم قدوةً حتى في التفاني، وفي الاستبسال، وهذا ما هو واضحٌ في موقف إخوتنا المجاهدين في لبنان، في ثباتهم، وتماسكهم، الذي فاجأ الأعداء بشكلٍ كبير، وفاجأ المتربصين أيضاً، الذين كانوا يتصورون أن حجم هذه الضربات سيسبب لانهيارهم، وكذلك هو الحال بالنسبة لإخوتنا المجاهدين في قطاع غزة، مع كل ما قدموا من الشهداء القادة، ومن الأخيار، ها هو ثباتهم، وصمودهم، وتماسكهم، أذهل الأعداء وفاجأهم، وفاجأ المتربصين؛ ولــذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عن السائرين من المؤمنين في درب الأنبياء، وصفوة الخُلَّص والأنصار للأنبياء: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، يعني: مهما كان حجم ما أصابهم، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146].

في تاريخنا الإسلامي، في غزوة أحد، انتشرت شائعةٌ آنذاك، والمعركةُ في ذروتها وعلى أشدها، وفي ظل تراجعٍ في واقع المسلمين؛ نتيجةً لما حصل من اختلال في ترتيبات المعركة، التي كان النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم» قد رتَّبها وأعدَّها قبل بداية المعركة، فحصل مخالفة في قصة الرماة؛ نتج عن ذلك تراجعٌ في واقع المسلمين، حينها سَرَت شائعةٌ عن مقتل رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وأحدثت تلك الشائعة اهتزازاً كبيراً في صفوف المسلمين، وتأثيراً سلبياً على البعض، على البعض ممن كانوا موجودين في نطاق المعركة، فنزل بعد ذلك قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:144].

فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قدَّم درساً عظيماً عن أعظم قائدٍ للبشرية، وعن سيِّد الرسل وخاتم النبيين، أن فقدانه بالشهادة، أو بالموت، لا ينبغي أن يكون تأثيره في نفوس أتباعه، والمسلمين معه، أن يكون تأثيره تراجعاً في الموقف، أو وَهَناً في العزم، أو انكساراً على مستوى الأداء في المواجهة والمعركة، يُذَكِّرهم بقوله: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، يعني: وهو سيمضي عليه ما مضى عليهم، لابدَّ في يومٍ ما أن يرحل من هذه الدنيا، وهذا هو حال البشر جميعاً، الكل سيرحلون من هذه الحياة، المؤمنون والكافرون، الصالحون والفاسدون، مسيرة البشرية بكلها محتومٌ فيها الرحيل، كل جيلٍ يرحل من هذه الحياة.

الارتباط بالقادة في مسيرة الإيمان والجهاد في سبيل الله تعالى، هو ارتباطٌ بهم في إطار ذلك النهج الإيماني، والموقف الإيماني، بالانشداد إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ ولـــذلك ليس عبارةً عن ارتباطٍ شخصيٍ بحت، فإذا فقدوا انتهى كل شيء، هو ارتباطٌ بهم في إطار ذلك الموقف المُقَدَّس، في إطار تلك المسؤولية الإيمانية الجهادية؛ ولـذلك الانشداد إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، الكل متوجهٌ إلى الله، في سبيله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فمتى حدث أن استشهد قائدٌ، لا ينبغي أن يؤثِّر ذلك في نفوس رفاقه، الذين جمعته بهم، وجمعتهم به مسيرةٌ هي تقودهم إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ابتغاء مرضات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ لأن الله حيٌ قيوم، يُمِدُّهم برعايته، وهدفهم مرتبطٌ به، وغايتهم: ابتغاء مرضاته؛ ولـذلك ينبغي الاستمرار، ينبغي المواصلة من أجل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ولا تراجع، ولا انكسار للإرادة، ولا مجال للوهن، مهما كانت الأحداث، فالتوجه نحو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والصلة الإيمانية به تُمِدُّ الإنسان المؤمن من مدد الله سُبْحَانَهُ، مدداً بالسكينة، بالربط على القلوب، بالعون.

هذا الوعي، وهذا الإيمان، هو الذي أثمر الصمود والتماسك، في مسيرة الإيمان والجهاد، في فلسطين وفي لبنان، هذا التماسك العظيم الذي أذهل الأعداء، وخَيَّب آمالهم، وأغاب أيضاً حتى عملاؤهم.

وماذا عن الأعداء؟ وماذا عن المتربصين أيضاً؟ هل سيبقون في هذه الحياة؟ هل هم خالدون في هذه الحياة الدنيا، لا يموتون، ولا يُقتلون، ولا تنالهم المصائب والأحداث؟ الكل راحلون؛ ولهذا قال الله لنبيه «صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:34]، لو رحلت أنت من هذه الحياة، هل هم سيبقون في هذه الحياة للأبد؟! ما جعلنا لأحدٍ من قبلك الخلد، حتى يخلدوا هم لو رحلت أنت، فيشمتوا برحيلك، أو يتربصوا بك لرحيلك من هذه الحياة.

في واقع العداء كذلك، يموتون، ويُقتلون، وهم يتحملون الأوزار الرهيبة، والآثام الكبيرة. شارون، بإجرامه، وجبروته، وطغيانه، ورصيده الإجرامي الفظيع جداً، رحل آنذاك من هذه الحياة الدنيا، قبل رحيله بقي في مرحلة معينة في وضعية سيئة للغاية، لا هو حيٌ ولا هو ميِّت، ثم رحل من هذه الدنيا، ولكن رحل محملاً بأوزاره، وذنوبه، وآثامه، وجرائمه الفظيعة جداً، وسجله الإجرامي الأسود، بقي له الذنب، العذاب، العقاب، والمصير الجهنمي المحتوم. وهذا حال نتنياهو وغيره من المجرمين، حالهم جميعاً هو الهلاك، هو الرحيل الحتمي من هذه الدنيا: إمَّا قتلاً، وإمَّا موتاً، ويبوؤون بأوزارهم، وآثامهم، وذنوبهم.

كذلك بالنسبة للمتربصين، الذين قد يشمتون من موقع التَّربُّص، والاستخفاف، ويتصورون أن خياراتهم بالتنصل عن المسؤولية هي خيارات السلامة والبقاء، لكنهم سيرحلون رغماً عنهم، البعض منهم قد تستغله أمريكا وإسرائيل، ويخسر حياته وهو يخدمها، البعض موتاً، إمَّا بأي مرضٍ، أو بأي سقمٍ، أو بأي مصيبةٍ أو بَلِيَّة، الرحيل من هذه الحياة هو محتوم.

في واقع المجاهدين، وفي واقع جبهات الإسناد وجبهات الجهاد، هم يواصلون حمل الراية، والتَّحرُّك في سبيل الله بوعي، وفهم، وبصيرة، وثبات، وإيمان، وهذه الجولة الساخنة من المواجهة مع الأعداء، التي تُقَدِّم فيها كل الجبهات شهداء في سبيل الله، لكن مع ثبات، مع اليقين، مع قوة موقف، مع تماسكٍ مستمر، مع أنَّها ساخنةٌ جداً، ولم يسبق في الصراع في هذه المرحلة من التاريخ، منذ بداية نشوء الكيان المحتل الغاصب الإجرامي على أرض فلسطين، الكيان الصهيوني، وإلى اليوم في هذه المرحلة من التاريخ، لم يحدث أن كان هناك جولة اشتباك مستمر، ومواجهة ساخنة مع العدو الإسرائيلي تستمر لأكثر من عام، بمثل ما هو حاصل في هذه المرحلة، منذ (عملية طوفان الأقصى)، يعني: المعركة مستمرة (معركة طوفان الأقصى)، لكن منذ يوم العملية في السابع من أكتوبر.

هذه المرحلة، التي هي في ذروة المواجهة، وساخنةٌ إلى هذا المستوى من المواجهة، الميزة التي ساعدت على هذا الثبات، وهذا التماسك، وهذا الصمود، في جبهة غزة، في جبهة لبنان، في جبهات الإسناد من اليمن ومن العراق، والدعم المستمر، والمساندة المستمرة من الجمهورية الإسلامية في إيران؛ لأن المنطلق منطلقٌ إيمانيٌ، جهاديٌ؛ ولهذا اختلفت هذه المرحلة، وهذه المعركة، عن ما سبقها من جولات كانت مع جيوش عربية، العدو الإسرائيلي اعتاد أن يحسم معاركه مع جيوش عربية امتلكت من العدة والعتاد، ما لا تمتلكه جبهة غزة، بلا مقارنة على المستوى المادي، وما لا تمتلكه جبهة لبنان بلا مقارنة على المستوى المادي، وما لا تمتلكه أي جبهة من جبهات الإسناد في معظم الأمور، من اليمن، ومن العراق، لكنَّ تلك الجيوش كان العدو الإسرائيلي يهزمها في غضون أيام، ويهزمها هزيمةً ساحقة، وينهي المعركة معها بهزيمتها، وأحياناً جيوش مجتمعة، تجتمع خمسة جيوش عربية، أربعة جيوش عربية، أكثر، أقل، وتُهزم هزيمةً ساحقة في غضون أيام؛ لكنَّ جبهة غزة بقيت ثابتة، متماسكة، مواجهةً بفاعلية لأكثر من عام، من ظروف صعبة جداً على مستوى الإمكانات.

جبهة لبنان تواجه أشد المواجهة، ولم يتمكن العدو الإسرائيلي حتى الآن من السيطرة على بعضٍ من القرى، في الحافّة الأمامية لحدود لبنان مع فلسطين المحتلة، وواجهوا هناك من الثبات، من ثبات المجاهدين وصمودهم واستبسالهم، بما هو أكثر حتى من 2006 في حرب تموز، هذا التماسك والصمود بالرغم أيضاً من الضغط على جبهات الإسناد.

عدوان أمريكي وإسرائيلي وبريطاني على جبهة اليمن، لكنَّها مستمرة في إسنادها، ثابتة على موقفها، لم تتراجع، ولم تخضع لأي ضغوط: ضغوط سياسية هائلة ومكثفة، ضغوط اقتصادية كبيرة، ضغوط عسكرية، وعدوان عسكري، ومع ذلك، جبهة ثابتة، صامدة، تُطَوِّر فعلها، وتزيد في موقفها، وتسعى لما هو أكبر؛ جبهة العراق، اسناد مستمر كذلك.

هذا المنطلق الإيماني، هذا النموذج في هذه الجبهات، هذا الصمود العظيم لأكثر من عام، هو نموذج كان ينبغي لكل الأمة أن تستفيد منه، وأن تحتفي به، وأن تحتضنه، وأن تَلتَف من حوله، وأن تقدِّم له كل الدعم، كان من واجب الأمة كل الأمة، وفي المقدِّمة: العرب، أن يدعموا غزة بكل أشكال الدعم، أن يدعموا المجاهدين في قطاع غزة بكل أنواع وأشكال الدعم، وكذلك أن يدعموا لبنان، أن يكون موقفهم تجاه اليمن، تجاه العراق، وتجاه الإسناد الإيراني، والدعم الإيراني لفلسطين، وقضية فلسطين ولبنان، أن يكون موقفاً إيجابياً تكاملياً، قائماً على التعاون؛ لأنَّ أمامهم نموذج ثابت، متماسك، كانت جيوشهم تنهزم في غضون أيام، وها هي جبهات تقف بكل فاعلية وثبات واستبسال لأكثر من عام، بصمود وتفانٍ كبير، بدلاً من أن يتعاملوا: البعض بالخذلان، والبعض بالطعن في الظهر، والتربص، والشماتة.

ما يفعله العدو الإسرائيلي، وما يرتكبه من جرائم إبادة جماعية، واستهداف للأطفال، والنساء، والسكان بشكلٍ عام، ليس إنجازاً عسكرياً، ولا نصراً عسكرياً، هو جرائم، جرائم بكل ما تعنيه الكلمة؛ أمَّا على مستوى الموقف العسكري، على مستوى الإنجاز العسكري، فهو فاشل، وفشله واضح، فاشلٌ في غزة، وفاشلٌ في جبهة شمال فلسطين في مواجهة لبنان، فاشلٌ في كل الجبهات، والأمريكي معه، شريكٌ معه في الإجرام، شريكٌ معه في الفعل والموقف، وشريكٌ معه أيضاً في الفشل، وهو فشلٌ واضحٌ جداً.

المسؤولية على مستوى المسؤولية الدينية والإسلامية، والمسؤولية أيضاً بمنطق مصلحة العرب، مصلحة المسلمين، كانت أن يقفوا بكل جد، وأن يقدِّموا كل أشكال الدعم لهذه الجبهات الصامدة، الثابتة، التي لم يسبق أن كان هناك في الواقع العربي، حتى لدى الأنظمة والجيوش، ثباتٌ كثباتها، ولا صمودٌ كصمودها، ولا نكايةٌ بالعدو كنكايتها، من واقعٍ صعبٍ جداً، من ظروفٍ صعبةٍ جداً، في مقابل الدعم الأمريكي، والدعم الغربي للعدو الإسرائيلي، الأمريكي فتح كل مخازن سلاحه للعدو الإسرائيلي، أنشأ جسراً جوياً، يُكثِّف نقل الشُّحَن العسكرية، والمُؤَن العسكرية، من قنابل وصواريخ لقتل المدنيين، وقتل الأطفال والنساء، وتقديم كل أنواع الذخائر والسلاح للعدو الإسرائيلي، وتقديم الدعم المالي، والدعم السياسي، والدعم الإعلامي… كل أشكال الدعم، ألمانيا كذلك، فرنسا، بريطانيا قبلهما، وأكثر منهما، كلهم بادروا ويبادرون لتقديم الدعم المفتوح للعدو الإسرائيلي، في الموقف الباطل، في الظلم والإجرام؛ بينما يتخاذل العرب عن أداء الواجب المقدَّس، العظيم، المشرِّف، الذي هو قربةٌ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وشرفٌ وفضلٌ، وفي نفس الوقت هو مسؤولية دينية وإنسانية، ومصلحةٌ حقيقيةٌ لهم؛ فهذا تفريطٌ كبير، أو كان في الحد الأدنى أن يُقَدِّموا الدعم على المستوى المادي والسياسي للإخوة المجاهدين، أو الدعم الإنساني في الحد الأدنى؛ ليخففوا من المأساة الإنسانية.

هناك جانبان أساسيان، كلٌّ منهما تتعلق به مسؤوليةٌ على أمتنا الإسلامية تجاه ما يجري في فلسطين، وتجاه العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان، وجرائمه في غزة، جانبان أساسيان كلٌّ منهما تتعلق به مسؤوليةٌ على أبناء أمتنا الإسلامية، وفي المقدِّمة العرب:

  • أولهما: القضية الحق، والمظلومية في مأساتها المستمرة على مدى أكثر من قرنٍ من الزمان:

خمسة وسبعين سنة منها في ظل الاحتلال الصهيوني الإجرامي لفلسطين، والعدوان الصهيوني المتواصل على مدى كل هذه العقود من الزمن، وصولاً إلى ما يعمله الأعداء الصهاينة في هذه المرحلة.

الإجرام الصهيوني اليهودي هو فظيعٌ جداً، وفي غاية الوحشية، ومنتهى الإجرام، يستهدف سكان غزة بكل أنواع الإبادة الجماعية، ويستهدف أيضاً شمال غزة بأكثر من بقية القطاع، المأساة كبيرة، المظلومية كبيرة في كل قطاع غزة، ولكنه في شمالها أكثر، حيث يمارس العدو الإسرائيلي المجرم جريمة التهجير القسري، والإبادة الجماعية، وفي هذا السياق يمارس أنواع الجرائم الفظيعة جداً:

  • يقتحم مراكز الإيواء المُكْتَظَّة بالنازحين والأهالي، وهي مُكْتَظَّة بالآلاف من الأطفال والنساء، والأهالي، يقتحمها عليهم، بعد أن كانت مراكز إيواء لها تأمينها، وهي في إطار الأمم المتحدة، وفي إطار الأونروا، يقتحمها جنوده مدججين بالأسلحة، ويقومون بالاعتداء على النازحين بأعقاب البنادق، يفصلون الرجال عن النساء، ويعتقلون الكثير من الرجال، ثم يخرجون الأطفال والنساء بالقوة، وهم يطلقون عليهم النار، ويضربونهم بأعقاب البنادق، يحددون لهم شوارع معينة ليسلكوا منها، فعندما يخرجون إليها، ويسلكون منها، يقومون بقصفهم بأنواع السلاح المختلفة، حتى بالدبابات، ويستهدفونهم أيضاً بالقناصة، يقنصون الأطفال بشكلٍ متعمَّد، ويقنصون أيضاً النساء.

المشهد الدموي الإجرامي الوحشي لتلك الجرائم فظيعٌ للغاية، يستثير كل إنسانٍ بقي فيه ذرةٌ من الإنسانية، ذرةٌ من الإباء، ذرةٌ من القيم، ذرةٌ من النخوة والشهامة، المشهد مؤثرٌ جداً، وتنتشر هذه المشاهد، المشاهد الدامية جداً، المؤلمة للغاية، تنتشر في وسائل الإعلام؛ ليكون انتشارها حجةً على كل الناس، لا يمكن للإنسان أن يتجاهل ما أصبح حديث العالم بكله، وملء سمع الدنيا وبصرها.

  • يقومون أيضاً بالتدمير الشامل، تدمير المساكن على من بقي فيها من أهلها، وحتى تدمير ما بقي من المساكن، بعد القصف الجوي يقومون بنسفه بالبراميل.
  • يمنعون عن الأهالي الغذاء، ويمنعون عنهم الماء، ويمنعون عنهم الدواء.
  • ويقومون بإنهاء المستشفيات، يطردون منها الكادر الطبي، يطردون منها من فيها من الجرحى والمرضى، من الأطفال والنساء وغيرهم، يقومون بنسفها وتدميرها.

هذه الوحشية، وهذا الإجرام الرهيب جداً جداً، مع تفنن العدو في جرائم القتل للأطفال والنساء، يجري كله في قطاع غزة، يعني أين؟ هل وراء المحيطات؟ هل في منطقة بعيدة لا تستطيع الأمة أن تقدِّم لها شيئاً، ولا أن تصنع لها شيئاً؛ لبعدها عنها، وعدم تمكنها من الوصول إليها؟! يجري بكله في محيطٍ عربي، في محيطٍ عربيٍ مسلم، ويحدث في وسط العالم الإسلامي! هذا عار بكل ما تعنيه الكلمة، هذا ذنبٌ كبيرٌ جداً!

ما يحصل في فلسطين استفز الضمير الإنساني في شعوبٍ غير مسلمة، في أمريكا اللاتينية، في بلدانٍ منها على المستوى الشعبي، وعلى المستوى الرسمي، الزعماء فيها والحكومات اتخذت قرارات وإجراءات ضد العدو الإسرائيلي، إجراءات بالمقاطعة السياسية، والمقاطعة الاقتصادية، وإلى اليوم لم تتخذ كثيرٌ من الدول العربية مثل هذا الإجراء، بالرغم من كل ما يحصل، ومع أنه يزداد، يزداد الإجرام الصهيوني، العدوان الصهيوني، مثلما هو الحال في شمال قطاع غزة، تصعيد إلى أسوأ مستوى، وأقصى مستوى، ومع ذلك لا توجُّه لإجراءات إضافية، ومواقف بحجم هذا الإجرام، تقابل هذا الإجرام من قِبَل العدو الصهيوني.

شعوب تخرج مظاهرات، حتى مظاهرات في أوروبا، وحتى مظاهرات في أمريكا، مظاهرات في أستراليا، مظاهرات في أنحاء كثيرة من العالم، ومع ذلك لا يزال الكثير من أبناء شعوب أُمَّتنا في حالة وكأنهم خارج نطاق الحياة، كأنهم لا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يفهمون، ولا يعقلون، ولا يعرفون عمَّا يحدث نهائياً! هذا تقصير كبير جداً، البعض يندهشون في تلك البلدان، يعبِّرون عن اندهاشهم مما عليه العرب والمسلمون، البعض يتحدثون ولهم فيديوهات منتشرة: [لماذا يتفرَّج المسلمون على هؤلاء الذين هم جزءٌ منهم، وفي أوساطهم، وداخل محيطهم أو بلدانهم، في وسط العالم الإسلامي، في محيطٍ كله عربي؟ لماذا يتفرَّجون؟! لماذا لا يتحركون؟!]، ينتقدونهم هناك، وهم مُسْتَفَزُون ويستغربون من هذه الحالة في واقع العرب.

وفعلاً أنا أقول بكل يقين: أنَّ التخاذل العربي له تأثير سلبي في تخاذل كثيرٍ من البلدان الإسلامية غير العربية، غير العربية؛ لأن الواجب على العرب المسلمين قبل غيرهم، الواجب عليهم قبل غيرهم، الواجب أن يكونوا هم في الطليعة، وهم يعتبرون القضية الفلسطينية أنها قضية عربية، وليس فقط إسلامية، هي قضية إسلامية، ومع ذلك يقولون أيضاً عربية، يعني: العرب يتحمَّلون فيها مسؤولية قبل غيرهم، هم المحيط، هم الجوار، هم المستهدفون أصلاً من العدو الإسرائيلي قبل غيرهم.

في واقع الحال المسؤولية كبيرة، والفرز الذي يجري حالياً هو فرز خطير جداً، في سنَّة الله تَعَالَى، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران:179]، وَسُبْحَان الله! فرز عجيب: {الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، وليس فقط المؤمن الصادق، من المنتسب للإيمان وهو غير الصادق، بل على هذا المستوى: (الطيِّب، والخبيث(، لماذا؟!

من يعرف بما يجري في قطاع غزة، من يعرف بما يجري أيضاً في شمال قطاع غزة من إجرام صهيوني، من يشاهد مثل تلك المشاهد الدامية المأساوية، من يشاهد تلك المظلومية الرهيبة جداً للأطفال والنساء، والكبار والصغار في قطاع غزة، ثم لا يتأثر وجدانه، لا تتحرك مشاعره، لا يتفاعل، لا يحس بمسؤولية، هل نفسيته ووضعه النفسي سليمٌ على المستوى الأخلاقي والإنساني؟! بالتأكيد لا، بالتأكيد وقطعاً لم يعد سليماً، نفسه خبيثة، النفس التي لا تتأثر، ولا يثيرها، ولا يشعرها بالمسؤولية، ما يجري من مأساة للشعب الفلسطيني، وهي بذلك الحجم الكبير جداً، المأساوي للغاية، المؤلم جداً، المحزن جداً، المغضب جداً، إذا وصل الإنسان إلى درجة ألَّا يستثيره ذلك، ألَّا يحرِّك مشاعره، ألَّا يُحِسّ بمسؤولية تجاه ذلك؛ فنفسه خبيثة بلا شك، هكذا هو الفرز إلى هذه الدرجة: بين الطيِّب والخبيث، المسألة خطيرة جداً، خبث النفوس هو الذي قد يصل بالإنسان إلى تلك الحالة.

فلذلك هناك مسؤولية علينا كمسلمين- وفي المقدِّمة: العرب أكثر من غيرهم- لنصرة الشعب الفلسطيني، للوقفة الجادة على كل المستويات معه، وكلما صعَّد العدو الإسرائيلي من جانبه؛ كلما تضاعفت المسؤولية أكثر.

  • الجانب الآخر من المسؤولية: هو أنَّ الأمة بكلها مستهدفة، وبالذات العرب أكثر من غيرهم:

يعني: حتى لو كنت لم تعد تفكر بالفلسطينيين وما يجري عليهم، مع أنه إذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى، فبالتأكيد فَقَدَ إنسانيته، وضميره الإنساني، وأخلاقه، وقيمه، وانتمائه… وكل شيء، لكن حتى لو فرضنا أنك وصلت إلى هذه الدرجة، فأنت أنت مستهدف، فعلاً بالذات العرب أكثر من غيرهم، وفي الوسط العربي: المحيط المجاور لفلسطين مستهدفٌ كذلك بالدرجة الأولى، وهذا شيءٌ واضحٌ ومؤكدٌ مهما تجاهله البعض، مهما تعامى عنه البعض، التجاهل والتعامي لا يغيِّر من الواقع شيئاً، من الحقائق الثابتة، فهذه المسألة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

الإسرائيلي والأمريكي كلٌّ منهما مرتبطٌ بمشروع، هذا المشروع هو الصهيونية. الصهيونية: مشروعٌ عدوانيٌ تدميريٌ يستهدف أمتنا الإسلامية، وفي المقدِّمة: العرب، المشروع الصهيوني يهدف إلى تمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على ما يسمونه بالشرق الأوسط، على البلاد العربية بالدرجة الأولى، ومن بعد البلاد العربية: المحيط المجاور لها، هم يختارون أن يعبِّروا عنه بالشرق الأوسط، وحتى حديث المجرم [نتنياهو]، تحدث عن الشرق الأوسط، وتغيير واقع الشرق الأوسط.

المشروع الصهيوني هو تمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على البلاد العربية، رقعة جغرافية واسعة منها، ما يسمونه بإسرائيل الكبرى، والتي رسموا خريطتها من النيل إلى الفرات، وتشمل مجموعة بلدان عربية، منها لبنان، ومنها سوريا، ومنها الأردن، مع فلسطين، يعني: بلاد الشام بكلها، منها العراق ومصر، أو أجزاء- بالحد الأدنى- من العراق ومصر، وكما يقولون هم: وثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، ومنها مكة والمدينة.

المشروع الصهيوني هو يستهدف هذه الرقعة الجغرافية بالاحتلال المباشر، ويستهدف بقية البلاد العربية بالسيطرة، وإن لم يكن بالاحتلال المباشر؛ نتيجةً لما يعانيه اليهود من عجزٍ في العديد والزخم البشري، يعني: هم لا يمتلكون من الزخم البشري ما يتمكنون به من التغطية المباشرة، والاحتلال الكامل، والانتشار في بقية البلدان العربية، لكن قد يعالجون المسألة، ويوفدون من شعوب وأمم أخرى من يغطّون هذا الفراغ إلى حدٍ ما في ظل سيطرتهم المباشرة.

وكذلك يريدون أن يخضعوا البقيَّة إخضاعًا تامًا لهم، وأن يسوموهم سوء العذاب، وأن يكونوا مستغلين، مستعبدين، مقهورين، مستسلمين، في حالةٍ من الهوان، والاستسلام، والعذاب، والعبودية، والقهر، تحت سيطرتهم، ومن خلال تلك السيطرة التي يرومونها، ويسعون لها، في معتقدهم أنهم سيتمكنون من فرض نفوذٍ عالمي، بحيث يكون مركز الحكم للعالم بكله في يد الصهيونية اليهودية من فلسطين، وأكثر من فلسطين: من البلاد العربية بعد احتلالها، مما يسمونه هم بإسرائيل الكبرى، ليكون لهم من خلاله سيطرة عالمية.

الأمريكي مرتبط بهذا المشروع، والإسرائيلي مرتبط بهذا المشروع، هذا المشروع له صياغة عقائدية، يعني: هم حوَّلوه إلى معتقد ديني، باسم الدين، هو موجودٌ عندهم من خلال نصوص معيَّنة، وأدبيات معيَّنة، ومنهج معيَّن، ويحوِّلونه إلى معتقد ديني، وهو أيضاً يمثل بالنسبة لهم سياسة واستراتيجية ينطلقون من خلالها، استراتيجية ينطلقون من خلالها لرسم سياساتهم، لتحديد أولوياتهم، وبرامجهم، وأنشطتهم، ومواقفهم، هم مرتبطون بهذا المشروع بكل ما تعنيه الكلمة، وكل خطواتهم: في المجال السياسي، في المجال الاقتصادي، في المجال الرياضي… في أي مجال من المجالات، في المجال الفكري والتثقيفي، كل أنشطتهم التي يستهدفون أمتنا بها في كل المجالات، هي لخدمة ذلك المشروع، لخدمة ذلك المشروع، ولمصلحة ذلك المشروع.

ذلك المشروع هو عدواني، هو يستهدف أمتنا بشكلٍ أساسي، يستهدف شعوبنا بطمس هويتها، واحتلال الأوطان، ونهب الثروات، ومصادرة الحُرِّيَّة والاستقلال والكرامة، هو يستهدف أمتنا بالإذلال، والاستعباد، والقتل، والدم، وهتك الأعراض، وانتهاك الحرمات، والسيطرة على المقدَّسات، هو يستهدف أمتنا في دينها ودنياها.

والمسألة واقعية، واقعية، يعني: هناك منهج يدرِّسونه في المدارس الإسرائيلية، يحتوي كل هذا، من أهمِّ ما يسعى إليه هو ترسيخ هذا المشروع، وربط حتى أجيالهم، حتى أطفالهم بهذا المشروع؛ حتى ينشؤوا عليه.

وهو أيضاً على المستوى السياسي، يتحركون بناءً على ذلك، بناءً على ذلك؛ لأنَّه اجتمع مع ذلك المشروع أطماع، وأحقاد، ونزعة سلطوية، استئثارية، استعمارية، عدوانية، إجرامية، نزعة الطغيان، هم طغاة، ولديهم طموح أن يسيطروا، ويرون العائق الأكبر أمامهم بالنسبة في هذه الشعوب، هو: الإسلام، الإسلام بنقائه، الإسلام بحقيقته، الإسلام بمبادئه الحقيقية الصحيحة، ويحاولون أن يبعدوا الأمة عنه؛ لكي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم.

مشروعهم- في نهاية المطاف- هو مشروع فاشل؛ لأنَّه عدواني، إجرامي، يُشكِّل خطراً على البشرية، ولكن المسألة المهمة التي تعنينا أننا:

  • إمَّا أن نتحرك كما ينبغي، وبذلك نختصر الوقت والكلفة، الكلفة على مستوى المعاناة، على مستوى التضحيات، على مستوى ما تقدِّمه الأمة.
  • أو إذا حصل تخاذل؛ تكون الكلفة كبيرة، يضطر الناس- في نهاية- المطاف إلى التحرك بالشكل الصحيح، لكن بعد أن يكونوا قد وصلوا إلى مستويات رهيبة جداً، من الإذلال، من القهر، من الخسائر الرهيبة على كل المستويات: خسائر بشرية رهيبة، خسائر في كل المجالات.

ولذلك فالتحرك الواعي، المستبصر، المتيقن، الراشد، الحكيم، هو في المسار الجهادي المُبَكِّر، المُبَكِّر، وهو الأكثر سلامةً، والأكثر نجاةً لأمتنا، وهو أيضاً مسؤولية أمام الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

عندما يفكِّر البعض أن يتنصَّلوا عن المسؤولية، حتى يصل اليهود والصهاينة بشكلٍ عام- الصهيونية الأمريكية، والصهيونية الإسرائيلية- إلى نهاية المطاف، فيصلوا بأمتنا إلى أسوأ الأحوال، البعض قد يكون لديه مثل هذا التفكير: أن ينتظر حتى يحتلوا تلك الرقع الجغرافية، وأن يسيطروا على مكة والمدينة، وأن يسيطروا على مناطق شاسعة، وأن يكونوا قد أسقطوا كل هذه البلدان تحت قبضتهم وسيطرتهم المباشرة، وأذلوا شعوبها، يقتلون الناس، يستبيحونهم، يهتكون الأعراض، ينهبون كل شيء، يسيطرون على كل شيء، يفعلون ما يشاؤون ويريدون؛ لكي يصبح عنده قناعة بأهمية التحرك.

مثل هذا التفكير هو تفكير خارج حتى عن اللياقة الإنسانية، يعني: لم يعد الانسان طبيعياً، إذا فكَّر بتلك الطريقة، يعتبر- فعلاً- إنساناً غبياً بكل ما تعنيه الكلمة، فاقداً للرشد تماماً.

التحرُّك الصحيح هو المبادرة، هو الاستجابة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، علينا مسؤولية، نحن أمة مستهدفة، المواجهة مع العدو الإسرائيلي بيننا وبين العدو الإسرائيلي هي حتميةٌ لا مناص منها؛ لأنَّه هو يستهدفك، عنده مشروع هو يتحرك على أساسه، مشروع صهيوني مشترك (أمريكي إسرائيلي)، لتمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على البلاد العربية؛ وبالتالي على ما يسمونه بالشرق الأوسط بشكلٍ كامل، وتعزيز النفوذ العالمي من خلال ذلك، والحكم للعالم، وما وراء ذلك من خرافاتهم وأباطيلهم التي يتحدثون عنها، لديهم طمع بذلك، لديهم أحقاد على أمتنا، لديهم عداء شديد لأمتنا، وما بعد جرائمهم تلك من شواهد تشهد لكتاب الله، لآيات الله، في أنهم الأشد عداوةً لأمتنا! ماذا يريد الإنسان بأكثر مما يفعلونه في فلسطين وفي لبنان من الإجرام، من القتل لكل الناس: أطفالاً، نساءً، صغاراً، كباراً، مسلحين، وغير مسلحين، مدنيين، مسالمين… غير ذلك؟! يُعبِّرون عن عدائهم بكل الوسائل.

لاحظوا، عندما صرَّح من يسمونه بوزير، مما يسمونها بالحكومة الإسرائيلية، يُصرِّح بكل جرأة، وبكل وقاحة، عن ذلك المشروع الصهيوني، وأنهم سيعملون على السيطرة على لبنان، على بلاد الشام، على أجزاء من العراق، من مصر، على ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، هل كان ذلك مستفزاً- وهو تصريح رسمي- مستفزاً للأنظمة العربية في بعض هذه البلدان، ليكون لهم موقف قوي، وإجراءات وخطوات عملية ضد هذا الموقف الإسرائيلي؟! لم تجرؤ بعض الأنظمة العربية حتى على الرد بأي تصريح رسمي، ولا بأي خطوة عملية: قطع علاقات دبلوماسية، اقتصادية… غير ذلك، لم تجرؤ حتى إلى هذا المستوى، ماذا لو كانت هذه التصريحات من وزيرٍ في حكومةٍ عربية، في بلدٍ عربيٍ هنا أو هناك؟! هل كانت المملكة العربية السعودية ستسكت؟ كيف سيكون موقفها؟ بأكثر مما فعلته مع قطر في مرحلة ماضية، في السنوات الماضية، على لا شيء، فهم كانوا سيردون بتصريحات قوية جداً، خطوات دبلوماسية، خطوات اقتصادية، الإعلام كان سيتَّجه من جانبهم بكل قوة، وسيسخِّرونه للهجوم على ذلك الشخص، وذلك البلد، بل قد لا يَنفَكُّون عن ذلك حتى يصدر اعتذار رسمي، أو تراجع رسمي عن الموقف، أو غير ذلك، لكن لأنه الإسرائيلي، لا السعودي، ولا الأردني، ولا المصري، ولا كثيرٌ من الأنظمة، يكون لهم موقف حازم قوي بكل ما تعنيه الكلمة، إجراءات عملية، مع أنه يعبِّر عن توجهات فعلية للعدو الإسرائيلي، توجهات فعلية، هي بالنسبة لهم معتقد، مشروع شامل ارتبطوا به عقائدياً، وسياسياً، وارتبطوا به في كل مخططاتهم، في كل برامجهم، في كل خطواتهم العملية، قائمةٌ على أساسه.

لاحظوا، هذا شيءٌ مؤسف، يُقدِّمون الخرائط التي يشطبون فيها فلسطين، يُقدِّمون فيها بلداناً يعتبرونها صارت بحوزتهم وفي قبضتهم! فلا يستفز ذلك الناس، الكثير من الأنظمة الرسمية، الشعوب، ولا نرى صدى لموقف قوي، لا في إعلامهم، ولا في سياساتهم، العدو يسعى لتنفيذ مخططه وفق مراحل، يتحرك بعملٍ واسع، يهيئ الأمة ويروِّضها للاستسلام، والحالة التي عليها الأمة تجاه ما يجري في فلسطين، هي تكشف مدى ما قد قطعه العدو من شوطٍ في عملية تخدير الأمة، وضرب روحيَّتها، وضرب أخلاقها، والسيطرة على قرارها السياسي.

ولــذلك ينبغي أن نعي أنَّ المواجهة حتمية، وليست مما يمكن تجنبه، فالأمة مستهدفة، والذين يتحدثون عن النأي بالنفس، مثل ما يفعله بعض المسؤولين في بعض البلدان العربية، أو يلجؤون إلى التطبيع والخيانة، وإظهار الولاء لإسرائيل وأمريكا، هم خاسرون، لن ينفعهم ذلك بشيء، فالعدو لو قد تجاوز ما يعتبره هو عائقاً، وهم المجاهدون وجبهات الجهاد في فلسطين ولبنان، وجبهات الإسناد؛ لسحق البقية، ولم يقدِّر لهم لا نأيهم بالنفس، ولا تطبيعهم وخيانتهم.

الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قد قدَّم لنا الحقائق الكافية في القرآن الكريم، عن خطورة أولئك الأعداء، وأعلمنا أنهم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، أعلمنا كذلك أنهم الأشد عداءً لأمتنا، والواقع يشهد، وجرائمهم تشهد.

في لبنان، بعدما كان العدو يتوقع أنه باستهدافه للقادة في حزب الله، قد تهيأت له الفرصة للسيطرة على لبنان، اصطدم بجبهة حزب الله الصلبة، الثابتة، الصامدة، والتي كانت أكثر ثباتاً من أيِّ وقتٍ مضى، حتى أكثر من عام 2006، في حرب تموز؛ ولـذلك لجأ العدو- وهو سلوكٌ بالنسبة له- إلى سلوكه الإجرامي في الاستهداف الشامل للمدنيين، وتدمير الأحياء السكنية، والقرى، والتهجير للناس، والقتل، ويحاول مع الأمريكي الضغط لتغيير الوضع السياسي والموقف السياسي للحكومة اللبنانية، والمكونات اللبنانية، ويحرِّض الجميع ضد حزب الله، ويصوِّر للجميع وكأن حزب الله هو المشكلة في لبنان، وأنَّ على الشعب اللبناني أن يتخلَّص من هذه المشكلة.

المشكلة الحقيقية التي تهدد لبنان، وأمن لبنان، وسلامة لبنان، واستقلال لبنان، وَحُرِّيَّة الشعب اللبناني، هي العدو الإسرائيلي، الذي كان ولا يزال مستهدفاً للبنان، بل منذ وقتٍ مبكر، منذ إنشاء العصابات الصهيونية في الحضن البريطاني أيام استيلائه على فلسطين، ومنذ الولادة غير الشرعية للكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وهو يشكل تهديداً للبنان، وقام باجتياح لبنان سابقاً، سعى لاحتلالها، بقي يخترق أجواءها كل يوم، أين هو من القرار (1701)؟!

من الواضح أنَّ ما يريده العدو الإسرائيلي بالحد الأدنى، وفقط بشكلٍ مؤقت إلى حين تتهيأ له الفرصة، ويتمكن من الاحتلال الكامل للبنان، لكن حتى يتمكَّن من الاحتلال الكامل، هو يريد ما قبل ذلك في الحد الأدنى: أن يكون تحت سيطرته جزء من لبنان، تحت عنوان حزام أمني كما في السابق، وأن يسيطر على منابع الأنهار، كما هو في تركيزه على الليطاني، وهذا واضح بالنسبة للعدو الإسرائيلي، ويسعى للسيطرة على الأنهار ومنابع المياه، فعل هذا بالنسبة للأردن، وفعل هذا بالنسبة لبحيرة طبريا، وهو يطمع في الليطاني وغيره.

ويسعى لتغيير الواقع السياسي، للمجيء بحكومة عميلة في لبنان، ولتوطين الفلسطينيين، ولإنهاء المقاومة، ولاستباحة الشعب اللبناني، والأرض اللبنانية، بأن يعطى المجال للاستهداف لمن يشاء داخل لبنان في أي وقتٍ يشاء، دون أي عائق، وأن ينفِّذ أي عملية في أي مكان، متى ما أراد، وضد من أراد، يعني: يريد أن يصادر الشعب اللبناني حُرِّيَّته واستقلاله، وأن يخضعه للهيمنة والنفوذ الإسرائيلي؛ ولذلك لا مجال للنأي بالنفس.

الذي يردع العدو كما في الماضي، وكما في التجربة الحيَّة، هو: التفاف الشعب اللبناني حول المقاومة الإسلامية لتحقيق الانتصار، ودحر العدو الإسرائيلي، هذا هو الحل المتاح، الصحيح، الثابت، وها هي المقاومة، ها هم المجاهدون في حزب الله في موقف الثبات، والعِزَّة، والقوة، وهم يتصدون للعدو بكل بسالة.

حديث الأمريكي كذلك عن اليوم الثاني في غزة، حديث يتكرر بين الحين والآخر، هو يسعى إلى فرض خيارات تخدم العدو الإسرائيلي بتأييد أنظمة عربية، ومصادرة الحق الفلسطيني في تقرير المصير، ولكن الفصائل الفلسطينية تعي ذلك، والشعب الفلسطيني لن يقبل بذلك.

الأمريكي يستخدم الخداع، منذ بداية هذه الجولة من المعركة، منذ (عملية طوفان الأقصى) والأمريكي يستخدم الخداع، ففي الوقت الذي فتح مخازنه بشكلٍ كامل، ليأخذ منها العدو الإسرائيلي ما يريد، وفي الوقت الذي حرَّك الجسر الجوي، لنقل شحنات القنابل والصواريخ بشكلٍ مكثف، للمزيد من التدمير والقتل للشعبين الفلسطيني واللبناني، وللتحضير لعملية عدوانية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، أرسل وزير خارجيته ليتحدث عن السَّلام، وعن المساعي لإيقاف التصعيد، كما في كل مرة، ليست هذه هي المرة الأولى.

الأسلوب الأمريكي هو جزء من التكتيك لخدمة الموقف الإسرائيلي، ولكن هناك مسؤولية على جميع أبناء أمتنا، على الأنظمة العربية والإسلامية أن تتحرك بشكلٍ واعٍ، وألَّا تُخدع أبداً بالموقف الأمريكي.

جبهات الجهاد بكلها في فلسطين ولبنان هي في ذروة المواجهة:

  • كتائب القسام تُنَكِّل بالعدو الإسرائيلي، وشهادة الشهيد السنوار لم تزدهم إلَّا عزماً، وإلهاماً، واستبسالاً، وثباتاً، وأثرُ شهادة السنوار «رَحِمَهُ الله» على المستوى الفلسطيني والعالمي، بل وللأجيال القادمة، لن تمحوه محاولات العدو الإسرائيلي لتزييف مشهد الموقف، فالموقف المشرِّف، البطولي، العظيم، الملهم، في شهادة الشهيد السنوار، قد ظهر على رغم أنف العدو الإسرائيلي، وجعل من شهادة السنوار انتصاراً خالداً، في موقفه الملهم البطولي العظيم.
  • سرايا القدس وبقية الفصائل الفلسطينية تقف بكل بسالة جنباً إلى جنب مع كتائب القسام، وتنفِّذ العمليات البطولية اليومية.
  • الجبهة اللبنانية أرست معادلة يافا [تل أبيب]، وحوَّلت حيفا إلى مدينة مهجورة، يعيش المحتلون فيها معظم وقتهم في الملاجئ، والعملية الجهادية النوعية التي نفَّذها حزب الله، واستهدف من خلالها بمسيرةٍ اخترقت كل منظومات الدفاع الجوي التي بحوزة العدو الصهيوني، ووصلت إلى غرفة النوم، في المسكن الذي يسكن فيه المجرم [نتنياهو]، أثارت الرعب في قلوب كل قادة الإجرام الصهاينة.
  • جبهة الإسناد في العراق مستمرة في تصعيدها، بكل ثبات، دون اكتراث بالهجمات والتهويلات الإعلامية، والضغط السياسي من أمريكا وعملائها.
  • جبهتنا في يمن الإيمان والحكمة مستمرة بكل صمودٍ وثبات، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، عمليات البحار مستمرة، والقصف للعدو الإسرائيلي بالصواريخ والمسيرات إلى فلسطين المحتلة، والأنشطة الشعبية المكثَّفة، التي لا مثيل لها في كل العالم.

نحن أيضاً في مسار عملي، نستعد فيه لأيِّ مستوى من التصعيد يلجأ إليه الأمريكي والإسرائيلي، راية الجهاد في سبيل الله تعالى، التي حملها شعبنا اليمني، يمن الإيمان والحكمة، حملها ورفعها بإيمانٍ وثبات، ووفاءٍ وصدقٍ وشجاعة؛ ولـذلك هي عالية، وهي ثابتة، وهي راسخة، وفي ذروة المعركة، ومع ما نشاهده من الإجرام الصهيوني الرهيب، فجبهتنا حاضرة، ومستمرة، وفاعلة، لا وهن، ولا ملل، ولا انكسار، بل ثباتٌ وصمود، عبَّر عنه الشعب اليمني، وعبَّرت مواقفه، وعبَّر جهاده، وعبَّر عنه في خروجه المليوني الأسبوعي.

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني يوم غد الجمعة- إن شاء الله تعالى- في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، حسب الترتيبات المعتمدة، استجابةً لله تعالى، وجهاداً في سبيله، ووفاءً للشعب الفلسطيني، ونصرةً له، وللشعب اللبناني، وللمجاهدين الأعزاء في غزة العِزَّة وفي لبنان.

أَسْأَلُ اللهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرنَا بِنَصْرِهِ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلشَّعبِين الفِلَسْطِينِيّ وَاللُبْنَانِيّ، ولِلمُجَاهِدِينَ الأَعِزَّاء فِي فِلَسْطِينَ وَلُبْنَان، وفِي كُلِّ جَبَهَاتِ الجِهَاد، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قد يعجبك ايضا