“لقاء الاربعاء”

مصطفى عامر

 

بالطبع ليس العدو غبيًّا حتى يركز في استهدافك على الطرق المباشرة فقط، أو على القنوات والشخصيات المحروقة، فحسب.

وبالتأكيد فإنّه حريصٌ على سحبك إلى عناوينه وحبائله، لوهلةٍ أن تثق، بأبواقه، وبالموازاة أن “تتشكّك” بسردياتك.

قناةٌ مثل الجزيرة، مثلًا! قضت سنواتٍ عديدةٍ منذ نشأتها، لاستجلاب ثقة المشاهد العربي. حتى تشكّل عنها- مع الوقت- عدة انطباعات مبدئية؛ فهي تقول الحقيقة، من ناحية، وهي عربيّة اللغة، وبشكلٍ ما فثمّة إيحاءٌ حرصت على توصيله إليك:

إنها تنحاز بعاطفتها إلى قضاياك، وتتبناها، وإن كانت في كل الأوقات “تقول الحقيقة”!

هي أيضًا- وفق ما حاولت بإصرارٍ ترسيخه- لا تتبع قطر، وإن كانت بالطبع تبث برامجها منها.

بناء الثقة هذا يستغرق سنواتٍ بالطبع، لكنها الثقة التي تجعلك- في لحظةٍ ما- فريسةً سهلة، ولقمةً سائغة، لتصبح الجزيرة بالنسبة لك عنوانًا للحقيقة، وعلى نحوٍ لا تصدق معه أي خبر، ما لم يُنشر فيها.

وبالطبع فلا تكذّب أي خبرٍ تقوم بنشره! حتى لو قامت بنقله على هيئة اقتباس، من هيئة البث الصهيونية مثلًا، فلن يتعامل عقلك معه كشائعةٍ من عدو، بقدر ما تتعامل معه كوجهٍ للحقيقة!

في مستوى أبعد فالتحليل لديك، ما دام منقولًا على الجزيرة، سيصبح في وعيك حقيقة! رغم أنه محض استشرافٍ لمستقبلٍ لم يحدث.

لكنها الثقة، والعاطفة التي تكوّنت بينكما، وشعورك الداخليّ بأنها لا تكذب!

وبالفعل، بعد دقائق فقط، قد يصادفك على القناة ذاتها خبرٌ منقولٌ عن هيئة البث الصهيونية أيضًا، ويناقض ذاته، وبدورك فسوف تتعامل مع النفي الجديد باعتباره الحقيقة!

وعن الجزيرة، فسوف يخبرك عقلك الباطن بأنها محض ناقلٍ للخبر!

أنت كعربي، مساندٌ للمقاومة، وتنتمي للمحور، وتقف مع غزة ولبنان واليمن والعراق، مقاطعٌ بالتأكيد لكلّ وسائل الإعلام الصهيونية، وأنت بالطبع مقاطعٌ لقنواتها الناطقة بالعربية، كقناة الحدث والعربية وسكاي نيوز.. إلخ!

لكنك منذ بداية الطوفان، على الأقل، كوّنت انطباعًا بأن عاطفة الجزيرة تقف إلى جوارك، ولا بأس باستجلاب عاطفتك، أكثر، بمحلّلٍ تستشعر أن قلبه معك! فوق هذا فأنت تثق بأنها تقول الحقيقة.

وهكذا فأنت مهيأ تمامًا لابتلاع أي طُعم، وأيّ عنوان، وأي سرديةٍ تنفثها فيك الجزيرة، وبالطبع: في اللحظة المفصلية الحرجة!

قناةٌ مثل العربية محض بوقٍ رخيص، بزيارة بثها المباشر على اليوتيوب فإنك ستعرف- بالإحصائيات- كيف أنه لا يتابعها إلّا مئات!

لكنها الجزيرة البوق الأغلى، وفي الحروب النفسية فإن الأسلحة كثيرة، متباينة المهام والفتك والفاعليّة، والجزيرة لا تُستخدم إلا في ساعة الذروة..

كما هو الآن مثلًا!

ولو أمعنت، فكلّ شريط الجزيرة الآن محض عواجل منقولة..

عن الجيش الصهيوني مثلًا، هيئة البث الصهيونية، رويترز، القناة 12 الصهيونية.. إلخ!

وهكذا فيتم غسل دماغك المسكين في هذه اللحظة المفصلية بهدوء، ومن حيث لا تشعر، يستفزّك الضيق لأن الحقائق التي تشاهدها تستجلب الفزع!

تخبرني: إن أخبار اليوم لا تسرّ!

– وكيف عرفت هذا؟

– لقد بثتها قناة الجزيرة، وفي شريطها العاجل أيضًا!

على أن الحقيقي، أيها الصديق الطيب، أنك لا تشاهد من الجزيرة الآن إلا علامتها، وتصميم الخط، ولون الخلفية!

وأما الخبر، والمحتوى، والصياغة، والحدث!

فتنقله إليك القناة ١٤ الصهيونية، والقناة ١٢ الصهيونية، وهيئة البث الصهيونية، ورويترز.. أشهر وكالة خبرية تملكها آلة الدعاية الصهيونية.

بعد هذا، وكما ترى، تقفل القناة وتنتقل إلى هنا، لتقرأ ما يكتبه فلان المذيع المتصهين، وفيصل القاسم الصهيوني، ولعلك ستقابل جمعًا من الفرائس الذين ابتلعوا الطعم، حتى وإن كانوا ينتمون إلى حاضنة المقاومة.

على أية حال، وما ينبغي بالفعل أن تفهمه، أننا بالفعل نواجه حربًا ضروس أيضًا، وممنهجة، ميدانها أنت! وأرضها معنوياتنا! فانتبه!

وهذا أمر طبيعيٌّ للغاية!

إنها الحرب يا صديقي، على أن كلّ ما عليك أن تفعله.. أن تثق بالله أوّلًا وبنصره القريب! بالمقاومة أيضًا! كما ينبغي أن تكون حصيفًا، بالطبع، وتعرف الآتي:

حزب الله هو حزب الله، ينبغي عليك تذكر هذا الأمر جيّدًا، وبشأن ما يتداوله إعلام العدو عن حرب برية، فكما قال سماحة السيد – سلام الله عليه – تمامًا، وفي آخر خطاباته:

أهلًا وسهلًا،

عزّ الطلب!

خوفك بهذا الشأن ينمّ عن نقصٍ في الثقة، وعن استشهاد سماحة السيد حسن – سلام الله عليه – ومشاعرنا جميعًا بهذا الشأن، فتذكر:

لقد فقدنا أبًا روحيًّا، أيقونةً ورمزيّة!

فسلام الله عليه يوم ولد ويوم ارتقى، ويوم يبعث حيًّا، لكن الميدان هو الميدان، بذاته وعلى نحو ما تركه- سلام الله عليه- يوم استشهاده.

بنفس القوة، والثبات، والقيادة والسيطرة، والمخزون، قوة الرضوان هي قوة الرضوان، وما أعده حزب الله لهذا اليوم أكبر من أن يرقى إليه حتى خيالك!

سواءً كنت صديقًا محبًّا، أم عدواً!

وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.

يبقى لنا حديث.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا