بين سلام الشجعان وسلام الإجرام

طاهر محمد الجنيد

 

 

القوة والطغيان والبطش والإجرام لا يفهم من معاني الكلمات سوى ما يريده ويسعى إليه، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والقيم والأخلاق وهي ظاهرة تتكرر في مسارات التاريخ القديم والحديث ولا تتغير سوى الصور والأشكال والأسماء والأماكن، فمثلا فرعون وهامان وأبو جهل وأبو لهب ونابليون وريتشارد قلب الأسد، وروزفلت، وتشرشل وستالين وغيرهم- هتلر وموسليني، وصولا إلى أباطرة الإجرام من بني صهيون، والحلف الصليبي الداعم والموجد له، والإسناد الهندوسي في الهند ونيبال وكمبوديا الذين يتعاونون مع الصهاينة على محاربة الإسلام والمسلمين.
محكمة العدل الدولية في قرارها الأخير، طالبت كل دول العالم بالتعاون مع الأمم المتحدة، لتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم وأكدت أن لا شرعية لتواجد الكيان الصهيوني المحتل في الأراضي الفلسطينية وهي الأراضي التي احتلها الصهاينة بعد قرار التقسيم لعام 1948م وفقا للمفهوم والمعلوم لدى الأمم المتحدة ذاتها، ووفقا للجامعة العربية، والمبادرة الأراضي المحتلة بعد عدوان 1967م، وهو ما يعني ضمناً وصراحة شرعية المقاومة ضد الاحتلال، وعدم الاعتراف بأي إجراء من شأنه السيطرة والاستيلاء على تلك الأراضي، فما بالك بشن الحرب وقتل الأبرياء تحت أي مبرر أو عذر كالدفاع عن النفس أو مواجهة المقاومين على أنهم إرهاب يجب تصفيته.
حينما أراد الرئيس الراحل ياسر عرفات أن يقدم على سلام الشجعان مع اليهود تم تأجيل المحادثات عن أهم القضايا كتقرير المصير، وعودة اللاجئين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية وعم التركيز على الاتفاقيات الأمنية التي تمكن الاحتلال من السيطرة والتوسع وتحويل السلطة الفلسطينية إلى شرطي يخدم توجهات الاحتلال، وفي الأخير تمت محاصرته واغتياله بواسطة السم إلى داخل مقر السلطة وتحت رعاية وأنظا ر الجميع.
وحينما قررت المقاومة الفلسطينية توجيه ضربة استباقية للجيش الصهيوني على جرائمه المستمرة في حق الشعب الفلسطيني، حضر زعماء العالم مواسين بالمال والرجال والسلاح والمواقف السياسية، منددين بما فعلته ضد عدو محتل يمارس أبشع وأفظع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، الشهداء ترتفع أرقام إبادتهم من قبل قوات مسلحة بأحدث وأفتك الأسلحة المحرمة دوليا لمواجهة شعب أعزل ومقاومة محدودة الإمكانيات محاصرة منذ أكثر من عشرين سنة، ومحاصرة اليوم مع شعب غزة من كل مقومات الحياة والعيش والصمود، فما بالك بالتصدي والمواجهة لترسانة مدعومة من دول الحلف الصليبي الصهيوني الذي يدير العالم ويتحكم في كل الشؤون.
تحركت الشعوب الديمقراطية منددة بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، ودمر الإجرام الصهيوني كل ما يمكن تدميره بالصواريخ والقنابل، والعبوات الناسفة، واستخدم أحدث الوسائل والإمكانيات ليقتل ويبيد الأطفال والنساء، والمبرر لتحرير (المختطفين)، وبدأت المفاوضات من التسليم بلا شروط، إلى قبول بعض المطالب، في أسلوب يهودي يتكرر مع كل فساد وإجرام لهم على الأرض وفي كل زمان، وفود أمريكا التي تأتي إلى إسرائيل تحت يافطة المفاوضات تحمل طائراتها أحدث الأسلحة إمدادا للصهاينة، وأمام الرأي العام لممارسة الضغط على اليهود وفي الحقيقة إمدادهم بالمال والسلاح وكل أشكال الدعم، حتى أن بلينكن الذي وصل بعد العدوان معلنا صراحته باليهودة، تحول إلى ناصح ومؤيد لحل الدولتين باعتبارها (الطريقة الوحيدة لدفع السلام قدما، ويعتقد أنه يصب في صالح إسرائيل) وهو أسلوب الناصح المشفق ظاهرا، المؤيد الداعم لكل الإجرام باطنا أولا وأخيرا، ومع ذلك فإن الرد لم يتأخر كثيرا، فوزير الدفاع المشرف على كل تلك الجرائم “جالانت” يدرك ويعي أن تصريحات الأمريكان شيء آخر، فالتصريحات وإن كانت توحي بالتوجه نحو حل الدولتين، لكن ذلك لن يكون (دعونا من التصريحات الأمريكية، هم يفهمون ويعرفون جيدا أننا لن نسمح بإقامة دولة فلسطينية) .
التصريحات هي عبارة عن أقوال للاستهلاك السياسي ولإرضاء الرأي العام إن لم تكن للضحك عليه، وممارسة الخداع والتضليل وهي سياسية تحسنها أنظمة الغرب، والأنظمة العربية العميلة والمطبعة مع الصهاينة.
في استطلاع للرأي العام الصهيوني 70 % من المشاركين يريدون أن تستقيل حكومة نتنياهو- بعد الحرب، ولذلك فإن توجه الحكومة مع استمرار الحرب حتى لا يخسر مكانه في رئاسة الوزراء، وهو الجواب الأكيد والعمل الذي يعمل عليه الصهاينة وصهاينة العرب والحلف الصليبي الصهيوني، خاصة أنه لا توجد عوائق سياسية ولا عسكرية يواجهها.
وهو ذات الاتجاه الذي يلبي رغبات وزير الأمن القومي بن غفير الذي يريد عودة الأسرى بقوة، وقد ذهب إلى الأقصى ليصلي من أجل عودتهم إلى ديارهم، ليس بصفقة غير مشروعة، ولكن من خلال زيادة الضغط العسكري على حماس والاستمرار في سحقها، فالتفاوض صفقة غير مشروعة حتى ولو كانت ستؤدي إلى عودتهم سالمين، والحل الأكيد من وجهة نظره (زيادة الضغط العسكري على حماس والاستمرار في سحقها)، حماس ليست الفصيل المقاوم على أرض غزة، وغزة ليست كلها حماس، لكنه يريد أن يستمر الجيش الصهيوني في ممارسة الجرائم والمجازر، أما الأسرى فهم الورقة الرابحة التي يستثمرها اليهود لإبادة شعب غزة، وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وممارسة الحصار والتجويع حتى الموت.
وحسب تقارير طبية، أكدت أن الجيش الإسرائيلي استخدم أسلحة وصواريخ تحدث جروحاً غريبة على أجسام الشهداء، وتشوهات وبتر قطعي في الأطراف، وحينما تم فحص المياه من قبل منظمة اليونيسف وجد أن هناك فيروساً يسبب شلل الأطفال.
فالصهاينة يستغلون كل شيء لإبادة الأبرياء في سبيل تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يضمن تفوق إسرائيل وهيمنتها وتحكمها ببقية الشعوب العربية والإسلامية، ولذلك فعندما يتحدث اليهود وساسة الغرب بشكل عام عن السلام فمعنى ذلك الاستسلام لهم والقبول بسيطرتهم دون معارضة أو امتناع، لأن من سياستهم أنه من ليس معنا فهو ضدنا، قالها بوش ومارسها كلينتون، وباراك أوباما، وبايدن وترامب، وهنا تكمن الفوارق الجوهرية بين سلام الشجعان وسلام الإجرام، الفيتناميون حققوا سلام، الشجعان حينما هزموا أمريكا وأخرجوها من بلادهم، والأفغان أيضا حينما أخرجوا الروس والأمريكان، ولازال المشوار لتحقيق سلام الشجعان في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والسودان، غزة ببطولاتها تسطر اليوم ملحمة البطولة والتحرر والصمود، وها هي قد كسرت أسطورته التي صنعها الإعلام والخيانة والعمالة، صحيح أن كيان العدو الصهيوني يستطيع أن يدمر ويقتل لكنه لا يستطيع أن يستقر في أرض غزة، أما المناطق الخاضعة لسلطة الحكم الذاتي فإنه يستطيع أن يهدم البيوت ويمنع البناء، وهي مناطق تخلى عنها، لكنه عاد ليسيطر عليها، كما جاء في قرار قائد المنطقة الوسطى بجيش الاحتلال، وذلك هو ثمن الحرية التي يجب أن يدفع، وضريبتها التي يجب أن تؤدى وإلا فلا فرق بين الحرية والعبودية.
وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.

قد يعجبك ايضا