عندما توجه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قبل ما يزيد عن عقد من الزمن لمقاتلي المقاومة الإسلامية، قال لهم ما حرفيته: استعدوا ليوم، إذا فرضت فيه الحرب على لبنان، قد تطلب منكم قيادة المقاومة السيطرة على الجليل. يومها لم يتحدث السيد نصر الله عن اقتحام مفاجئ، وهو في أصل الإعلان أسقط عنصر المفاجأة، وفي مضمون تقديمه لخطة الجليل تحدث عن السيطرة خلال الحرب، وهو ما يعني الاستعداد لعملية توغل داخل الأراضي المحتلة في ظل اشتعال الجبهة.
منذ السابع من أكتوبر 2023م، ومع مشهد العبور من قطاع غزّة اتّجاه مستوطنات الغلاف، حضر مشهد الجليل لدى الإسرائيليين. سريعًا أجروا عملية إخلاء للمستوطنات الحدودية ونفذوا تموضعات عسكرية وفق خطط تدربوا عليها مسبقًا، لصد هجوم مفترض لمقاتلي حزب الله أو الحد من اندفاعته، وهو أمر كانت تراقبه المقاومة، ولا زالت، عن كثب.
في تلك الأيام، لم يكن في اعتبار المقاومة تنفيذ خطط العبور، هي أصلًا لم تعلن حربًا، بل كان مبدأ فتح الجبهة إسناديًا لغزّة، قتال حزب الله، بدوره، أخد طابعًا جديدًا مختلفًا عن أي قتال في الماضي، وما وضع من أهداف له تحقق معظمها.
من هنا، يمكن الاستنتاج أنه لم تكن هناك حاجة لتنفيذ حتّى عمليات تسلل، أو اقتحام مواقع حدودية، مع وجود القدرة على تنفيذ ذلك.
بالعودة إلى خطة اقتحام الجليل، أو العبور نحو الجليل. صراحة، ما زالت المقاومة تحتفظ بأسرار ما أعدّته على مدى سنوات، وهو لم يسقط من حساباتها، فهي أعدّت خططًا قد توضع على الطاولة في حالة الحرب، أي في أصعب الظروف القتالية.
رغم ما أبرزه جيش الاحتلال الإسرائيلي، من قدرات استخبارية، واستطلاع جوي، وتكنولوجيا متطورة، وما تقدمه واشنطن من معونة استخبارية واستكشافية وتوفير أقمار صناعية لمساعدة جيش الاحتلال، فإن احتمال الدخول إلى الجليل لم يسقط، ولعل ما أعلنه السيد نصر الله أمس لم يكن مجرد إشارة بقدر ما هو تمريرة، كي لا يبني العدوّ حسابات وفق المعركة الحالية ويظن أنه حقق هدف منع الدخول إلى الجليل.
بوضوح قالها السيد نصر الله عندما تطرّق إلى بعض الإجراءات الإسرائيلية عند الخطوط الأمامية الخلفية للحدود: “إن اقتحام الجليل احتمال يبقى قائمًا في حال شن العدوّ أي حرب على لبنان”.
ما قاله السيد نصر الله يتضمن الكثير من الإشارات حول الجهوزية، ووضع الخطط وملاءمتها مع القوّة الإسرائيلية الجوية بعدما اضطرّ العدوّ لكشف الأعم الأغلب من القدرات لديه.
إن ما أعلنه السيد سوف يؤثر على أي قرار إسرائيلي اتّجاه لبنان، تمامًا كما ستؤثر واقعة الهدهد وأمور أخرى يعلمها العدوّ ويفهمها.