الثورة / عبدالباسط النوعة
لازال التراث اليمني حافلاً بالكثير من التميز والثراء ، الذي يفاجئنا بأصالته وعراقته وتنوعه ، وشموليته فما بين معالم التاريخ وآثار الحضارات الغابرة ، مورثات شعبية ذات قيمةٍ وحضورٍ ومكانة بعضها ما هو مرتبطٌ كعادات وتقاليد متوارثة منذ عقود من الزمن ، في مجالات حياتية وأنشطة تجارية أو زراعية وأهمها وأبرزها ما هو مقترنٌ بإحياء مناسباتٍ دينية ، وإن كانت الافكار والاعتقادات المندسة وفي مقدمتها الفكر الوهابي ، قد دأب وعلى مدى عقود من الزمن في تشويه ومحاربة تلك العادات، التي حرص الكثير من الناس على الالتزام بها في إحياء مناسباتهم الدينية كونها عادات لا تخلو من ذكر وتلاوة وتسبيح ، وتحت وطأة الحروب الوهابية تأثرت الكثير من العادات المناسباتية، بيد أن شريحة من الناس ظلت متمسكة ومداومة على تلك العادات متحملةً في سبيلها الكثير من الصعاب والمتاعب ..
الشعبانية، هي إحدى المناسبات التي كان يحرص الكثير من الناس على إحيائها والاحتفاء بها بطقوسٍ عباداتية وفلكلور ديني فريد ..
«الثورة» كانت حاضرة في أحد الأماكن التي اعتادت على إحياء الشعبانية بطقوسٍ صوفية متوارثة وعادات جسدت أهمية هذه المناسبة وفرادة الاحتفاء بها خاصةً لدى التيار الصوفي في اليمن ..
الشعبانية مناسبة باتت حاضرة
وكما احتفل أحمد محمد هزاع باعلوي الذي تجاوز العقد السادس من العمر، بالرجبية ها هو يحتفي بالشعبانية ويدعو الكثير من الناس سواءً كانوا متصوفين أو غيرهم للمشاركة ، يقول : الشعابية وهي ليلة المنتصف من شعبان، مناسبة اكثر أهمية ومكانة من الرجبية ويزداد فيها الاحتفاء من حيث المدة والفقرات، حيث تقام الولائم ويكثر فيها من تلاوة القرآن الكريم والتسبيح والتركبير والتحميد والاستغفار والموالد الممزوجة بموشحات يمنية أصيلية فيها من الذكر والسيرة النبوية والقصص والحكم ما يعمق بالنفس الارتباط بالله ورسوله ..
وأشار إلى أن إحياء مناسبة الشعبانية تحررت بفضل المسيرة القرآنية من قيودٍ ظلت ولسنوات تمارس جاثمة على صدور الناس، وإن كان إحياء هذه المناسبة يختلف من مكان إلى آخر، خاصةً في أوساط المتصوفين، إلا أن الناس باتوا أكثر حرية في إحياء هذه المناسبة مهما اختلفت الطرق والأساليب ..
افكار وهابية متطرفة
اما الوالد علي المغربي الذي يعيش في العقد الثامن من عمره، فقد ابدع مسامع الحاضرين بصوته الهادئ والجميل واتقن بفرادة منقطعة النظير موشحات ذات ايقاعات وألحان متعددة بصحبة الدف (الطار)، يؤكد انه وطوال سنوات عمره المديد لم يتخلف عن مناسبة ولم يترك مجلساً تقام فيه الموالد ويدعى إليه وهي عادته مذ كان في طفولته وصولا لريعان صباه وكهولة شيخوخته، وهذا عهده وميراثه من والده وأجداده، وبصحبة والد باعلوي وابنه من بعده ..
وفي حديثه لـ “الثورة” هاجم ( المغربي) بشدة تلك الأفكار المتطرفة المستندة على فكر محمد عبدالوهاب والتي سعت ولعقود من الزمن على محاربة مثل هذه الموالد وملاحقة اتباعها وبث سموم التحريض والتكفير والبدعة بين أوساط الناس، مؤكدا ان المضايقات استمرت ومعها واصل أصحاب الموالد صمودهم وتحملهم حتى بزغ فجر جديد، أفل فيه نجم تلك الجماعات المتطرفة والتكفيرية، ليبدأ عهد جديد تنفس فيه الناس الصعداء سيما المتصوفيين والمحافظين على إحياء هذه المناسبات مع المسيرة القرآنية بقيادة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ، لتبدأ هذه الموالد في العودة والظهور وبشكل قوي وواسع ..
مناسبات وموالد
وبدوره عدد عبدالله مؤنس البالغ من العمر قرابة 70 عاما ، أهم وابرز المناسبات الدينية التي يتم إحياؤها وعلى رأسها بل وأفضلها ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله افضل الصلاة وأتم التسليم، وأيضا الشعبانية ليل النصف من شعبان ، والرجبية ليلة السابع والعشرين من رجب ، اما رمضان فكل لياليه موالد من بدايته وحتى نهايته ..
وأوضح ان الشعبانية تتفرد بثراء فقراتها ومضامين أنشطتها وتنوع أنشطتها، التي تتشابه إلى حد كبير مع الموالد الأخرى ولكنها تختلف في بعض موشحاتها التي عادةً ما يتم اختيارها وفق الكلمات التي تتناسب مع الشعبانية ، وفيها أيضا طريقة فريدة للدخول الجماعي مع الاهازيج التي يرددها الجميع وبصحبة الدفوف وبصفوفٍ متساوية ومتماسكة ..
عشنا ساعات من السعادة وحاولنا ان نوثق كثيرا من جوانب ومظاهر الاحتفاء بالشعبانية التي بدأت من صباح الرابع عشر من شعبان واستمرت حتى ساعات الصباح الباكر من يوم الخامس عشر من شعبان، وتنوعت مجالاتها بين تلاوة القرآن والأذكار المتنوعة والدعاء وفروض الصلاة الجماعية في أوقاتها والموشحات والتراتيل التعبدية بألحان تلامس الروح من افواهٍ يزين معظم أصحابها بياض لحاهم وتجاعيد الزمن المديد الذي عاشوه، وهم على هذا النحو يجتمعون وفي هذه الموالد حاضرون وحافظون.