11فبراير 2011 ثورة سلمية ناجحة أم انقلاب عسكري فاشل؟!
يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي
لا يمكن أن نبدأ ببناء دولة لليمن الموحد تعبر عن تطلعات كل اليمنيين بدون التسليم بضرورة وأهمية أن تكون دولة المواطنة المتساوية وأن يدرك من يديرها أهمية الأسئلة الجريئة التي تضع الجميع- وبالذات من هم في موقع المسؤولية المباشرة- في المواقع الأولى في كل سلطات الأمر الواقع، والمسؤول الحقيقي هو من يملك القدر الكافي من الإحساس بالمسؤولية وأن السلطة بالفعل لا بالكلام مغرم لا مغنم !.
ومن المعلوم والبديهي في الفكر الدستوري والسياسي المعاصر أن الشعب- أي شعب- هو صاحب الحق في السلطة والثروة ، وأن السلطة هي الركن المتحرك من أركان الدولة : (الإقليم – الشعب – السلطة ) أي القابل للتغيير وأنها أداة بيد الشعب يستخدمها في إدارة مصالحه وفق قواعد ولاية شغل الوظيفة العامة ، وأبرز وظائفها : الحفاظ على سيادة الدولة الموحدة وتنظيم مواردها وتنميتها والحفاظ عليها وفقاً للدستور الذي يضم القواعد والمبادئ التي تبين شكل الدولة وسلطاتها وينظم العلاقة بينها وأوجه الارتباط والتنسيق والفصل بينها ، وبديهي أن الشعب هو مالكها وصاحب الحق في تغييرها إما بصورة أصلية عن طريق الانتخابات، حسب مقتضيات الدستور ، أو بصورة استثنائية عن طريق ما يسمى بالشرعية الثورية ، وأي ثورة لكي تكون مشروعة لا بد أن يتوفر فيها شرطان رئيسيان :
الشرط الأول: أن تكون تعبيراً عن إجماع أو ما يشبه الإجماع الشعبي بأن الظلم قد استفحل والسلطة قد زاد جورها وأن النظام السياسي يعيق بالفعل التداول السلمي للسلطة ويسعى إلى توريثها والانقلاب على أسس الشرعية الدستورية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة.
الشرط الثاني : أن يكون التغيير نحو الأفضل عن طريق الشرعية الثورية سريعاً وحاسماً ويؤدي إلى استقرار الأوضاع وكسب التأييد الشعبي الأكيد والواضح لمسار الثورة ، وأن يتبين سعي السلطة الثورية إلى إعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي ، وإلى الحياة الدستورية واحترام مبدأ سيادة القانون والترتيب السريع لإجراء انتخابات حرة ونزيهة على مستوى كامل الوطن، لأن التكامل بين أركان الدولة جوهر شرعية ومشروعية النظام السياسي، ولا جدوى من أي ثورة لا تؤدي للتغيير نحو الأفضل فهذا معيار التفرقة بين الثورة والانقلاب، بالإضافة إلى ارتباطها بشكل واضح وصادق بإرادة الشعب ومصالحه.
الانقلاب يعتمد فقط على تغيير النظام السياسي باستعمال القوة والعنف والاستيلاء على السلطة دون اكتراث بما يؤدي إليه هذا العمل من نتائج سلبية على وحدة البلاد أو يصيب مصالح المواطنين الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية وغيرها من أضرار ويمس حياتهم ، وما تتعرض له البلاد من مخاطر ، وبمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لماعرف بثورة الشباب 11فبراير 2011م، أعتقد أن من واجب كل من شارك فيها مراجعة ما حدث بشجاعة ومسؤولية وتقييم مسار الحلم بالثورة وما رافقها من أخطاء ومخاطر ومؤآمرات مستمرة حتى اللحظة أدت إلى سرعة احتوائها من قبل دول لا تطيق مسمى الثورة ، ولا تؤمن بالنظام الجمهوري من الأساس، أبرزها السعودية التي سارعت إلى تبني إنتاج المبادرة التي أطلق عليها الخليجية وعملت على تفخيخ البلد من الداخل والعدوان عليه باسم دعم الشرعية ، وكيف تحولت الثورة التي رفعت السلمية شعاراً لها بسرعة من أحلام عريضة ذات آفاق رحبة متعددة المعالم والألوان ، إلى انقلاب أو انقلابات متداخلة أشبه بالكوابيس نتج عنها ما نشهده من تشظٍ وانفلات جعل التجربة الثورية اليمنية ضمن التجارب الأكثر بؤساً بين مثيلاتها في الأقطار التي تشمل ما عرف بثورات الربيع العربي.
ينبغي تقييم ما تم ونقده بصدق وموضوعية فنقد التجارب السياسية والثورية تستفيد منها الشعوب والسلطات الدستورية والثورية المعبرة عن إرادة الشعوب في التحرك لتجاوز الأخطاء وتجنبها مستقبلاً وانتقاء الأسس السليمة لبناء الدولة وسلطاتها بحيث تكون دائماً معبرة عن إرادة الشعب ومصالحه المشروعة.
ويعتقد البعض أن التغيير عن طريق الشرعية الثورية يستوجب بالضرورة استخدام القوة لإحداثه وهو اعتقاد خاطئ بالتأكيد لأن استخدام القوة سواء بقصد تغيير النظام أو بهدف تطبيق القانون لا يكون إلا في حدود الضرورة القصوى وبالحد اللازم لتحقيق القصد والهدف الذي استخدمت من أجله ، ومن يتجاوز ذلك يتحمل المسؤولية المدنية والجنائية عن فعله، ولهذا نجحت كثير من الثورات عن طريق التحركات السلمية المعبرة عن قوة الضغط الشعبي (الاعتصامات – والإضرابات ، والعصيان المدني، في جنوب أفريقيا والهند وغيرهما من البلدان واستقرت الأوضاع فيها بفضل الوعي بأهمية الثورات المدنية السلمية ، أما الحركات والتحركات المسلحة لتغيير الأنظمة بالقوة فغالباً ما تكون نكأً لجراح لا تندمل وحروباً وأحقاداً لا تنتهي، ولو تغير النظام لفترة قصيرة فإنها ليست سوى انقلابات لا علاقة لها بمعنى الثورة مهما أطلقنا عليها من أوصاف.
حين تكون الثورة أنشودة تعشق الأزهار ترديدها
حين تصبح ترنيمة تهدهد بها الأمهات أطفالهن في ليالٍ مقمرة
حينها فقط يكون للثورة معنىً يعشقه الجميع
وتحتضنه القلوب قبل العيون والعقول.