حارس الازدهار.. بين الاستعمار الجديد والتدليس اللغوي

جميل احمد راوح

 

 

يدرك المراقب للشؤون الدولية أن الأوربيين، الاتحاد الأوروبي ارتضى أن ينزوي تحت العباءة الأمريكية ويكون تابعاً لها حاله حال بريطانيا التي لم تعد عظمى بل أصبحت تابعاً صغيراً مربوطاً بسياسات الولايات المتحدة الأمريكية يلهث ساستها وراء السياسات الأمريكية، صارت تبعيتها للولايات المتحدة هي العظمى ارتضت هي الأخرى أن تلحق مصالحها باجندات وألاعيب سيدها الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يختلف اثنان على أن الاتحاد الأوروبي عملاق اقتصاديا ولكنه مع ذلك قزم سياسيا في الساحة الدوليةأ حيث ارتضى أن يكون قراره ملحقاً بقرارات وسياسات الولايات المتحدة بالرغم من أن هناك دولا بقدرات اقتصادية اقل بل في بعض الأحيان أضعف استطاعت امتلاك قرارها والاستقلال بسيادتها أمام محاولات منظومة الهيمنة للولايات المتحدة الأمريكية سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا، يبدو أن القوى العظمى في قارة أوروبا العجوز قد تبخرت.
تستغل الولايات المتحدة ببراعة الأزمات التي تنتجها، لقد استغلت الولايات المتحدة الحرب الروسية الأوكرانية في إعادة هندسة اقتصاد الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا وإعادة هندسة هيكل إمدادات الطاقة فيها، وهندسة هيكلها الأمني بشكل يناسب مصالحها ومصالح شركاتها خصوصا شركات إنتاج السلاح (المجمع الصناعي العسكري)وشركات الطاقة، حيث قامت بنقل وتوزيع قدراتها ومواردها العسكرية بشكل كثيف جدا، وتجديد مخزونات ما يطلق علية “العتاد الحربي الاحتياطي المتموضع مسبقا” وتوسيعه في أوروبا ما يكسبها القدرة على إحكام مزيد من السيطرة وإجهاض أي محاولة للاستقلال والسيطرة أكثر فأكثر على القرار السياسي والاقتصادي والخيارات الاستراتيجية لدول الاتحاد والدول الأوروبية من خارج الاتحاد، وضرب وإجهاض أي قوة صاعدة تحاول الاستقلال بخياراتها الاستراتيجية وبهذا الانتشار العسكري من خلال منظمة الناتو هذا الهيكل العسكري العابر للجيوش الوطنية وإعادة تشكيل القوى السياسية والاقتصادية داخل دول القارة الأوروبية خلقت توازنات جديدة تعمل لمصالحها أتاحت لها مزيدا من التحكم في قرارات دول الاتحاد الأوروبي والدول من خارج الاتحاد وهذا ما نشهده بشكل واضح في محطات عدة آخرها ما أنشأته الولايات المتحدة وسمي *”بتحالف حارس الازدهار”* الذي ولد ميتا، و ما هو في حقيقة الأمر إلا إبداع لغوي للتدليس والتضليل. وفي أحيانا كثيرة تكون هذه القرارات لا تصب في مصلحة تلك الدول بل تورطها.
ولكننا لو عدنا في مراجعة سريعة للمسار التاريخي للسياسات الأمريكية والأوروبية سنكتشف أن التمايز الأمريكي الأوروبي في السياسات لا يكاد يتجاوز حد الخلافات أو التباينات الهامشية والشكلية فقط وليس في الجوهر ويعود ذلك إلى المشتركات فيما بينهم فهي ذات العقلية التي تتمثل في الأبعاد السياسية المتعلقة بشبكة المصالح السياسية المشتركة، والأبعاد الفكرية المتأصلة بالجذور الاستعمارية، والأبعاد الاقتصادية المتعلقة بالشبكة العنكبوتية للشركات والمصارف متعددة الجنسيات ومركزية وهيمنة الدولار الأمريكي.
وهذه المشتركات أنتجت لنا ما عرف في العلوم السياسية “العالم الغربي” وما ترتب عليه من مصالح لهذا الغرب في دولنا العربية والإسلامية ودول عالم الجنوب الذي ننتمي اليه.

قد يعجبك ايضا