مثّلت ردود الأفعال العربية والمسلمة المتنوعة بخصوص عملية طوفان الأقصى فرصةً لجميع أبناء الأمة للتمييز بين الصادقين في دعمهم للقضية الفلسطينية والكاذبين، إذ وفّرت ميزاناً دقيقاً يساعدهم على التفريق بين المؤمنين المجاهدين والمنافقين المتحايلين.
كما وفّرت فرصةً مهمة للمساهمة في بناء جسور التفاهم والتضامن الحقيقي بين الشعوب العربية والمسلمة، كان يجب أن يبادر إلى الظفر بها أحرار الأمة ذوو الخلفيات والمنطلقات الإسلامية، مستلهمين من ذلك التعاضد القوي الذي ظهر عليه محور الجهاد والمقاومة بحركاته الشيعية والسُنية.
لكننا نلاحظ – للأسف – بعض ذوي تلك الخلفيات – وهم من المناصرين للشعب الفلسطيني المظلوم – يجدون صعوبةً في الظفر بهذه الفرصة، لأنهم قد يكونون ممتلئين بالتحيزات الطائفية المذهبية التي تجعلهم غير قادرين على أن يكونوا موضوعيين ومنصفين في الحديث عن دول وشعوب وحركات وجماعات أخرى ذات خلفيات مذهبية مختلفة عن خلفيتهم، رغم أنها تناصر الشعب الفلسطيني قولاً وفعلاً وبشجاعة كبيرة وتضحيات عديدة، إذ يظل أولئك يشككون في دورها أو يسخرون من تحركها أو يتجاهلونه تماماً.
إن هذا يكشف عن خطأ يتمثل بعدم التقدير الكافي لتلك الدول والشعوب والجماعات ولدورها المهم في دعم وتأييد الشعب الفلسطيني، فهي قامت دون غيرها بأفعال قوية وجريئة للتعبير عن التضامن والدعم للقضية الفلسطينية، وهذا يستحق الاعتراف بالإنصاف، ولا يعرف الفضلَ لأهل الفضل إلا ذووه، كما يقال.
لذا وددت اليوم أن أكتب إليهم بصدق وصراحة..
فأقول بدايةً، إن نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم لا تتطلّب الانشداد إلى التصورات المسبقة الضيقة والانكفاء على الذوات المتحيزة، فقد أثبت الواقع – طوال عقود – أن ذلك لم يكن مثمراً على الإطلاق، وقد تجاوزه المحور عملياً كما أسلفت.
إن النصرة لفلسطين تتطلب وعياً حقيقياً بضرورة الاعتصام بحبل الله الواحد ابتداءً، باعتباره المنهجية الإلهية التي لا سبيل للانتصار على أعداء الأمة بدونه. وهو ما يوجب على الجميع التخلص من كل التأطيرات الطائفية والمذهبية الموروثة، التي أفقدت غالبية أبناء الأمة هدفهم المشترك في الانتصار على الكيان الإسرائيلي الغاصب واستعادة الأراضي المحتلة في فلسطين وغيرها.
الأمة إزاء فرصةٍ حقيقية، فقد سمحت ردود الأفعال العملية – عقب عملية طوفان الأقصى – بأن تكون القضية الفلسطينية عاملاً مهماً للتفاهم بين العرب والمسلمين، وأن يبنوا تحالفات وشراكات عابرة للحدود من أجل التصدي للاحتلال الإسرائيلي ورفض الظلم الأمريكي. وهي فرصة سانحة ليعملوا معاً لبناء جسور التفاهم والتضامن، ويتحِدوا في خدمة الأمة واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
إن نصرة فلسطين اليوم تدعونا بإلحاح لأن نَكْفُرَ بالثقافات المغلوطة التي جعلتنا ممزقين مفرقين وخصوماً لبعضنا البعض. وتدعونا لأن نكتشف خدعة اليهود التي جعلتنا نشجع الاختلافات والتباينات من باب احترام التنوع الفكري، فأصبحت فريضة الجهاد بالنسبة لنا وجهات نظر مقبولٌ أن نختلف بشأنها.
على الجميع إدراك أن الوقت الحالي يعتبر فرصة للتخلص من جميع النزعات والتحيزات الموروثة وفتح صفحة جديدة من التفكير العربي والإسلامي المستنير، بناءً على أفقٍ قرآني واسع يتجاوز الأطر المذهبية والفكرية الضيقة التي حدّت من فهمنا الشامل للقضية ولطبيعة الصراع مع أعداء الأمة.
أفق قرآني يمكّننا من استثمار هذه الفرصة لتحقيق تحولٍ فعلي في تفكيرنا ونهجنا المتعلق بالقضية الفلسطينية والوحدة العربية والإسلامية، فنتحد جميعا لمقاتلة أعدائنا كافة كما يتحدون ضدنا ويقاتلوننا كافة.
إنني أدعوهم وأدعو جميع أحرار الأمة إلى مراجعة الذات وتصحيح النظرة نحو المتحركين عمليا لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم. فنحن بحاجة إلى أن نراجع أيَّ تحاملٍ أو تحيز قد يمنع من رؤية العطاءات والتضحيات التي تبذلها الدول والشعوب والجماعات المتحركة عمليا، فهي من أثبتت بتحركها أن لديها إمكانية لتحقيق النصر وتحفيز أبناء الأمة، وأثبتت أن لها دورا كبيرا في تعزيز الوعي والتعريف بالقضية الفلسطينية المُحِقّة على نطاق أوسع.
أتمنى أن يأخذ جميعُ أحرار الأمة – وعلى وجه الخصوص مَن خاطبتهم هنا – هذه الرسالةَ بعين الاعتبار، وأن يتأملوا فيها، وأن يكونوا من الذين يسعون لوعيٍ أكبر وفهمٍ أكثر عمقا، فتنال الجهود المبذولة من قبل المناصرين للشعب الفلسطيني بالأفعال لا الأقوال تقديرهم، وينطلق الجميع إلى دعوة جميع أبناء الأمة إلى تأييدهم في نصرة الشعب الفلسطيني، لا التقليل من أدوارهم أو تجاهلها.. والله من وراء القصد..