من تابع مشاهد عمليات تبادل الأسرى والرهائن بين حركة المقاومة الفلسطينية وبين العدو الصهيوني وطريقة كل طرف في التعامل مع أسراه، سيجد أن هذه المشاهد تعكس أخلاقيات أطرافها وقيمهم ومشاعرهم وانتماءهم الإنساني، وهذا ما كشفته عملية التبادل وكيف تعاملت حركة المقاومة مع رهائنها وهي حركة مقاومة يصفها العالم المنافق بخطابه الإعلامي والسياسي بأنها حركة ( إرهابية) غير أن طريقة تعاملها مع رهائنها من المستوطنين الصهاينة تقول غير هذا، ليس من خلال مقارنة تعاطي المقاومة وحسب، بل هذا ما أكده الرهائن الصهاينة الذين تحدثوا بكل صراحة ومصداقية عن التعامل الحضاري والإنساني والأخلاقي الذي تعاملت به المقاومة معهم، فيما الكيان الصهيوني جسد كعادته همجيته ووقاحته وعنصريته في مشاهد تعاطيه مع الأسرى العرب الفلسطينيين، لدرجة أن قام هذا العدو ومن خلال أجهزته الأمنية القمعية وقبل الإفراج عن الأسرى باقتحام منازل الأسري واعتقال الآباء والأمهات أو الإخوة أو من يجد في منازل الأسرى من أفراد أسرهم واقتيادهم إلى المقرات الأمنية لكيان الاحتلال، والهدف تحذير وتهديد أفراد أسر الأسرى المفرج عنهم من القيام بأي أفعال احتفالية أو السماح لأقاربهم بزيارتهم ابتهاجا بتحررهم من سجون الاحتلال..
الأمر لم يتوقف هنا بل ذهبت أجهزة العدو إلى منع وسائل الإعلام العربية والأجنبية من تغطية عملية الإفراج عن الأسرى من سجون الاحتلال، كما تم منع وسائل الإعلام من زيارة منازل الأسرى المفرج عنهم..
وفيما شاهد العالم كوادر ( القسام) وهي تقوم بتسليم الرهائن وتتبادل معهم التحيات والتلويح بالأيادي مودعين بعضهم وابتسامات الرضا تزين محياهم، فيما الكيان مارس ضغوطات جسدية ونفسية بحق الأسرى المفرج عنهم وتهديدهم بإعادة اعتقالهم إن هم شاركوا أسرهم وأقاربهم لحظات الفرح، لدرجة أن الاحتلال منع أهالي وأقارب الأسرى من الاقتراب من سجون الاعتقال بأكثر من سبعة كيلو مترات فيما من اقترب على مسافة خمسة كيلو من السجون تم مواجهته بالقنابل الغازية والرصاص المطاطي والرصاص الحي.
وفيما خرج الرهائن يشيدون بأخلاق المقاومة وانسانيتهم ومشاعرهم النبيلة وتعاملهم الراقي معهم طيلة فترات احتجازهم وقدموا لهم كل احتياجاتهم من المواد الغذائية ومن الأدوية رغم ظروف الحرب ووحشية الآلة العسكرية الصهيونية التي دمرت كل شيء في القطاع، فيما خرج الأسرى يتحدثون عن بشاعة السلوكيات الصهيونية وهمجية تعاملهم مع الأسرى وحرمانهم من أبسط متطلبات الحياة وحرمانهم من كل الحقوق التي كفلتها لهم كل القوانين والتشريعات الدولية وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، غير أن الصهاينة أكدوا للمرة المليون أنهم لا يحترمون قوانين دولية ولا تشريعات أرضية أو سماوية، وأنهم يتعاملون مع العالم وليس مع الشعب العربي في فلسطين بغطرسة فوقية وكأنهم سادة والعالم بأسره مجرد قطعان من العبيد في إسطبلاتهم..
إن هذا التميز في عملية التبادل بين المقاومة التي أشاد بها وبأخلاقياتها ونبل مشاعرها وإنسانيتها، وبين انحطاط كيان وتجرده من كل القيم والاخلاقيات الحضارية والإنسانية، وهذا الفرق يعكس نفسه ومشاهده على أخلاقيات الحرب في الميدان بين مقاومة تدافع عن وطنها ومحتل يرتكب أبشع الجرائم ويصف المقاومة وأهل الأرض بأنهم إرهابيون فيما يصف نفسه بالكيان الديمقراطي والمتحضر في تزوير فاضح لحقائق المشهد وأطيافه وتداعياته..
إن على العالم أن يقيس تحضر وإنسانية المقاومة وهمجية وانحطاط المحتل من خلال عملية التبادل التي تابعها العالم بأسره وتابع صورها ومشاهدها والمفترض أن يدرك هذا العالم من هم البشر ومنهم ( الحيوانات البشرية).
إن هذا الكيان الذي كان وكان الغرب وأمريكا يضربون به الأمثال باعتباره الكيان الديمقراطي والحضاري والراقي في المنطقة والمطوق بأنظمة همجية ومتخلفة، وإنه الحمل الوديع التي تحيط به غابة من الذئاب، أثبتت معركة ( طوفان الأقصي) أن هذا الكيان هو كيان إجرامي قاتل وعنصري وسادي ومجرد من كل القيم والاخلاقيات البشرية، بل هو مجرد كيان تقوده مجاميع من الذئاب المفترسة التي لا تمت للبشرية بصلة، وبالتالي كل الأوصاف التي يصف بها قادة هذا الكيان وحلفاؤه المقاومة بأنها ( إرهابية) وهي صفة تنطبق على الكيان وقادته ورموزه وكل التهم التي تطلق على المقاومة هي في واقع الأمر تنطبق على قادة الكيان الأكثر والأشد إجراما في التاريخ، ويكفي أن هذا الكيان حول منازل الأطفال والنساء المحررات من سجونه إلى ثكنات عسكرية وأمنية واستخبارية، يمنعون كل قريب قادم لزيارة أسير محرر ويمنعون كل أسرة أو أم أو أب، من أن يبتهج ويفرح بتحرر أبنائهم، إنهم يمنعون فرحة العربي الفلسطيني، فيما هم أستقبلوا أسراهم بالولائم والموائد الممتدة لأمتار وبكل متطلبات الاحتفال.. إنها العنصرية قطعاً، لكن الشعور بالهزيمة يبقى الأكثر صعوبة والأشد مرارة، وتعامل الصهاينة مع الأسرى العرب المفرج عنهم من سجونها، ورغم أنهم أطفال ونساء وليس قادة كبار، إلا أن مرارة الهزيمة التي تستوطن ذاكرة الكيان ورموزه الذين يصعب بل يستحيل أن ينسوا يوم 7 أكتوبر الماضي التي حفرت في ذاكرة العالم بأسره عن كيان هو ( أوهن من بيت العنكبوت) كما وصفه ذات يوم أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، غير أن ثمة مقاوم آخر له أيضا رؤيته لهذا الكيان هو القائد الثائر سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي تتشكل وتتبلور رؤيته لهذا الكيان وقد تكون أدنى مرتبة من تلك التي وصفها أمين عام حزب الله ذات يوم..
لقد منع الكيان الصحفيين من رؤية الأسرى، ومنع تصويرهم أو الالتقاء بهم وضرب طوقا أمنيا حول كل منزل أسير محرر، بذات الوقت جعل أجهزة مخابراته هي من تلتقي بالرهائن المفرج عنهم من قبل المقاومة وتحت ذريعة الفحوصات الطبية تم توزيعهم على المشافي اسميا لكن بالواقع هو فتح في كل مشفى قسم للتحقيق مع مواطنيه الرهائن ليعرف منهم، أماكن المقاومة وأين عاشوا طيلة أيام احتجازهم يعني ما فشلت فيه الأجهزة الأمنية والاستخبارية من ( الموساد) إلى ( الشاباك) إلى (الشين بيت) وأجهزة أخرى متفرعة عنهم، ما عجزت عن معرفته أجهزته سيئة الصيت والسمعة يريد قادة الكيان أن يعرفوه من رهاىنهم العائدين..
وهذا تدليل حاسم على هزيمة يعيشها الكيان وأجهزته، ويقتات مرارتها التي ستبقى عالقة تذكره وتذكر أجياله القادمة عن بداية نهاية الكيان حسب زعيمهم المجرم ( بن جوريون) الذي أكد في ( وصيته لقادة كيانه والأجيال المتعاقبة، بأن نهاية الكيان ستبدأ حين يتلقى جيش الدفاع هزيمته الأولى) وهذه ليست مجرد وصية بل قاعدة راسخة في عقول الصهاينة الذين يؤمنون بهذه المقولة لـ(بن جوريون) الذي يعد بنظرهم مثلهم الأعلى.