«غزة مارين» يُشعل حرباً في شرق المتوسط
العدوان على غزة.. فصلٌ أخيرٌ لمؤامرة صهيونية تستهدف سرقة الغاز الفلسطيني
الثورة/ عادل عبدالإله
تزعم حكومة الكيان الصهيوني أن عدوانها على قطاع غزة يستهدف القضاء على حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتهمها بالإرهاب وتزعم أن وجودها في القطاع يمثل تهديداً لأمن الدولة العبرية، وتحت هذا العنوان اتجهت لإقناع العالم بوجهة نظرها مستغلة غرق أسطورة جيشها في طوفان الأقصى لتبرير حرب الإبادة التي تشنها على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
لكن ورغم أن الكثير من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا شاركوا تل أبيب في التسويق لمثل هذه المزاعم وسارعوا في إعلان دعمهم ومساندتهم لإسرائيل، تؤكد الكثير من المعطيات أن العدوان وحرب الإبادة التي تستهدف سكان قطاع غزة، تم التخطيط لها مسبقاً وأن عملية طوفان الأقصى لم تكن سوى خطوة استباقية استهدفت جيش الاحتلال الذي كان يستعد لشن عدوان شامل على قطاع غزة.
أهداف إسرائيل في غزة
ماذا تريد إسرائيل، وما الأهداف الحقيقية التي تسعى لتحقيقها من وراء عدوانها على قطاع غزة..؟!
ظاهرياً واستناداً على فرضية حكومة الكيان الصهيوني التي تتناقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية، قد يبدو السؤال مستهلكاً وبإمكان أي إنسان الإجابة عليه، لكن عندما نتعرف على الأسباب والأهداف الحقيقية للحرب نجد أن ما يتم ترديده مجرد زيف يتم التسويق له بعناية لإخفاء الحقيقة التي تؤكد وجود الكثير من الأطماع السياسية والاقتصادية وأن لدى إسرائيل وشركاء إقليميين ودوليين مشاريع عملاقة يرون أن وجود كيان سياسي فلسطيني في قطاع غزة يمثل عائقاً يحول دون تنفيذها، ولذلك يسعون منذ سنوات لتهجير سكان قطاع غزة إلى وطنٍ بديل.
«غزة مارين» يشعل شرق المتوسط
يعتبر حقل «غزة مارين» الفلسطيني أول حقل غاز تم اكتشافه في السواحل الفلسطينية قبالة قطاع غزة في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وكان دافعا لمصر وإسرائيل ودول حوض البحر المتوسط الشرقية لتكثيف عمليات التنقيب عن الغاز في مياه شرق المتوسط.
اكتشاف الغاز بكميات هائلة في سواحل قطاع غزة بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو وخروج المحتل الصهيوني من القطاع، مثل صدمة لتل أبيب التي اعتبرت توقيعها على الاتفاقية وخروجها من قطاع غزة أكبر خسارة منيت بها في تاريخها، الأمر الذي دفعها للتلكؤ في تنفيذ الاتفاق والإخلال بالكثير من بنوده والاتجاه نحو إلغائه من خلال افتعالها للكثير من العراقيل التي تعيق تنفيذ رخصة التنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية في قطاع غزة التي منحتها السلطة الفلسطينية لمجموعة بي جي British Gas))، وشركائها شركة اتحاد المقاولين(CCC) في عام 1999.
معركة الغاز
اكتشاف حقل الغاز الفلسطيني «غزة مارين» على بعد 36 كيلومترا غرب غزة في مياه المتوسط، دفع إسرائيل ومصر للتنقيب عن الغاز في المنطقة والذي انتهى بحصول كل منهما على حصة من غاز شرق المتوسط، لكن ورغم التطور الذي شهده حقل الغاز الفلسطيني عام 2000 من قبل شركة الغاز البريطانية «بريتيش غاز» التي خرجت منه لمصلحة شركة «رويال داتش شل» التي غادرت أيضا في 2018، إلا أن إسرائيل صنعت الكثير من العراقيل التي تحول دون استثمار الحقل الذي يقدر الاحتياطي فيه بـ1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب، بما يعادل طاقة إنتاجية قدرها 1.5 مليار متر مكعب سنويا لمدة 20 سنة.
ومنذ اكتشاف حقل «غزة مارين» قبل 22 عاما وحتى منتصف شهر يونيو 2023 وإسرائيل ترفض أي توجه فلسطيني لاستغلال الغاز معتبرة أن عائداته الكبيرة ستغير واقع الشعب الفلسطيني وستمنح السلطة الفلسطينية دفعة قوية لإقامة دولة تنافس إسرائيل، التي كشف افتعالها للعراقيل نيتها في سرقة الغاز الفلسطيني، الأمر الذي دفع حركة «حماس» لخوض «معركة الغاز» والتي بدأتها بحراك دبلوماسي إقليمي أعلنت من خلاله رفضها لأي تدخل إسرائيلي في هذا الملف وأنها لن تسمح بسرقة الغاز حتى لو أدى ذلك إلى المواجهة العسكرية.
اتفاق ثلاثي
أفشل الفلسطينيون كل المؤامرات التي سعت من خلالها للاستيلاء على الغاز الفلسطيني ودفعها تصلب موقف حركة «حماس» إلى القبول بأحقية الفلسطينيين في استثمار الحقل، وفي شهر يونيو الماضي أعطت موافقتها المبدئية على تطوير حقل الغاز قبالة قطاع غزة، مؤكدة في الوقت ذاته أن «الأمر سيتطلب تنسيقا أمنيا مع السلطة الفلسطينية ومصر»، مستبعدة حركة حماس.
وبناءً على ما تم التوصل إليه في اللقاءات التي جمعت مسؤولين إسرائيليين ومصريين قال رئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني الإرهابي بنيامين نتنياهو -في تصريحات منتصف شهر يونيو الماضي، نقلها موقع «سبوتنيك» الروسي عن صحف عبرية- إنه «في إطار الجهود القائمة بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، ومع التركيز على التنمية الاقتصادية الفلسطينية والحفاظ على الاستقرار الأمني الإقليمي، تقرر تطوير حقل غزة مارين للغاز قبالة غزة».
مشيرا إلى أن «تنفيذ المشروع سيخضع للتنسيق بين الأجهزة الأمنية والحوار المباشر مع مصر، وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، واستكمال عمل طاقم وزاري بقيادة مجلس الأمن القومي من أجل الحفاظ على المصالح الأمنية والدبلوماسية لإسرائيل».
وصاية مصرية
أوائل شهر يوليو الماضي -أي قبل عملية طوفان الأقصى بشهرين- قالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، ناقش في العاصمة المصرية القاهرة، سبل تطوير واستخراج الغاز من حقل غاز «غزة مارين» قبالة سواحل قطاع غزة.
وذكرت الصحيفة أن «عائدات حقل الغاز قبالة سواحل قطاع غزة ستعود إلى خزينة السلطة الفلسطينية»، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل أو الحصة التي تشترط إسرائيل الحصول عليها مقابل السماح بتشغيل حقل الغاز.
وأشارت الصحيفة إلى أن «السلطات المصرية ستكون هي المسؤولة عن تطوير حقل الغاز وتشغيله واستخراج الغاز لصالح السلطة الفلسطينية، وذلك بموجب قرار صادر عن مكتب رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية تدعم خطوات وإجراءات تشغيل حقل الغاز قبالة سواحل غزة».
العرب يحققون أحلام إسرائيل
مثل الحلم الإسرائيلي الذي ولد في مخيلة أول قائد للاستيطان الصهيوني في فلسطين وأول رئيس وزراء في إسرائيل «ديفيد بن غوريون» والمتمثل في شق قناة بحرية تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط هاجسا وهدفا ومشروعا قائما لكل الحكومات الصهيونية المتعاقبة.
لكن ورغم ما يحظى به مشروع الحلم الصهيوني من اهتمام، إلا أن حكومات الاحتلال المتعاقبة أدركت أن تنفيذها لهذا المشروع سواءً منفردة أو مع شركاء دوليين لن يحقق الجدوى الاقتصادية والسياسية وسينتهي بالفشل لأن العرب سينظرون إليه كمشروع إسرائيلي معادٍ للمنطقة، الأمر الذي دفعها خلال العقدين الماضيين للعمل من أجل إيجاد شركاء من المنطقة العربية وخاصة الدول المنتجة للنفط.
شركاء إسرائيل
اجتهدت إسرائيل وبذلت كل ما في وسعها من أجل تحقيق حلم «بن غوريون» وسعت من خلال هذا المشروع لإيجاد شركاء من المنطقة العربية وخاصة الدول المنتجة للنفط وبحصولها على هذا النوع من الشركاء ستتمكن من انتزاع اعتراف عربي بوجودها في المنطقة ككيان سياسي وشريك اقتصادي وجار جغرافي لا يمكن الاستغناء عنه، وهنا يمكننا القول أن إسرائيل نجحت فيما أرادته وتمكنت من تأسيس علاقات اقتصادية في ما بينها وبين بعض الدول العربية المنتجة للنفط وحققت ما لم تستطع تحقيقه سواءً من خلال الحرب أو على طاولة المفاوضات السياسية.
نجحت إسرائيل في جر الأنظمة العربية إلى تل أبيب وتأسيس علاقات اقتصادية فيما بينها وبين العديد من الدول العربية وخاصة الدول المنتجة للنفط، وبمثل هذه النجاحات السياسية التي حققتها إسرائيل لم تحقق إسرائيل حلمها في شق قناة واحدة فحسب بل نجحت في توسيع فكرة المشروع الذي تحول إلى ثلاثة مشاريع لشق ثلاث قنوات وأصبحت سيناريوهاتها ومخططاتها لاستهداف فلسطين ومصر والأمة العربية -بشكل عام- واقعا تتقاسم تفاصيل تنفيذه اليوم مع دول عربية، تتشارك معها الكثير من المصالح بما في ذلك مشروع الحلم الإسرائيلي في شق قنوات إسرائيل البديلة لقناة السويس.
قنوات البحار تدخل حيز التنفيذ
أواخر شهر فبراير 2015 أعلنت إسرائيل والأردن تدشين المرحلة الأولى لقناة البحرين المتمثلة بشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت بتكلفة تبلغ 10 مليارات دولار، زاعمتان أن شق القناة يهدف لتغذية البحر الميت بالمياه المالحة وإنقاذه من خطر الجفاف، وهو المبرر الذي يشير إلى أن إسرائيل وشركاؤها العرب يجتهدون في إخفاء النوايا الحقيقية من المشروع، بل ويجعل الكثير يتساءلون حول كيفية تمكن بلد يعاني من أوضاع اقتصادية متعددة مثل الأردن من توفير التزاماته تجاه المشروع والتي تبلغ 5 مليارات دولار..؟! وهو التساؤل الذي لن يجدوا له غير إجابة واحدة تؤكد أن الأردن ليست سوى مندوب وشريك صوري يمثل اقتصاديات كبيرة هي الشريك الحقيقي لإسرائيل في المشروع بل والممول الأبرز، إن لم نقل أنها هي الممول الكلي للمشروع والذي تسعى من خلاله لتحقيق الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية، وهذه الاقتصاديات هي الاقتصاديات الخليجية.
مراحل الحلم مستمرة
المرحلة الثانية من مشروع الحلم الصهيوني أو بالأصح «الصهيوخليجي» تتمثل في شق قناة تربط البحر الميت بالبحر الأبيض عبر صحراء النقب وقطاع غزة الذي تعتبره إسرائيل عائقاً أمام المشروع وتتجه لإخلائه من الفلسطينيين وتهجيرهم إلى أرضٍ بديلة في سيناء من خلال صفقةٍ أبرمتها مع الإخوان المسلمين في مصر بعد استيلائهم على السلطة عام 2011 تنص على أن تتنازل مصر (تبيع لإسرائيل) مساحة في سيناء يتم توطين سكان قطاع فيها وتكفل الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي بإقناع حماس وفصائل المقاومة ليس بالقبول بإخلاء قطاع غزة فحسب بل وإقناعها بالاعتراف بإسرائيل، لكن ثورة الشعب المصري وإسقاط الإخوان بدد الصفقة وأفشلت المؤامرة أو بالأصح أجلتها.
المرحلة الثالثة من المشروع تتمثل في شق قناة ثالثة لربط البحر الميت بالبحر الأبيض عبر (الضفة الغربية) والأراضي الفلسطينية المحتلة والتي سيترافق مع شقها بناء موانئ لتصدير النفط والغاز الخليجي في البحر الميت بعد أن يتم ربطه مع آبار الإنتاج بأنابيب عبر الأراضي السعودية والأردنية وهو ما يتم تنفيذه اليوم، ومن كل ما سبق يبين لنا أن حرب الإبادة التي ينفذها الكيان الصهيوني في قطاع غزة ومساعيه لتهجير سكانه يتم بمشاركة ودعم وتمويل دول عربية.