معركة الوعي.. الإعلام الصهيوني.. والإعلام العربي المتصهين “الحلقة الثالثة”

صادق صالح الهمداني

 

كنا قد تناولنا في الحلقتين الأولى والثانية الدور البريطاني الأمريكي في توطين وحماية ودعم الكيان الصهيوني وتهيئة الظروف المحيطة وتأمين بقاء ذلك الكيان البغيض وفقاً لخطط مدروسة.
وفي هذا الصدد سنركز على دور الإعلام الصهيوني العالمي والإعلام العربي المتصهين بدءاً بوكالات الأنباء العالمية التي يسيطر عليها اليهود الصهاينة.
وحسب تصنيف بعض الباحثين لوكالات الأنباء الدولية إلى أربع فقط “رويترز، الاسوشيتد برس ، الفرنسية ، واليونايتيد بريس ثم أصبحت ثلاثاً بعد إفلاس الأخيرة، وكذلك خروج تاس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي”.
واستمر هذا الإعلام في تحيُّزه السافر بالترويج للكيان الصهيوني وتلميع وجهه القبيح في المجتمعات الغربية وبالذات في أوروبا وأمريكا بدءاً بمحرقة هتلر إلى وطن بديل يضم يهود الشتات…
ولأن الإعلام يحتاج إلى تمويل فاليهود- كما أسلفنا في الحلقة السابقة- يسيطرون على 95 % من إجمالي الثروة القومية في امريكا و 55 منها في فرنسا وكذلك في بريطانيا وبقية دول العالم وبنسب متفاوتة..
ومن هذا المنطلق فإن تمويل الإعلام يعني السيطرة عليه وتوجيهه وتسخيره لتنفيذ تلك الأجندات، وهنا تسقط مصطلحات أخلاقيات المهنة الإعلامية المتمثلة في الموضوعية، والدقة، والمصداقية، والحقيقة، والعدالة، لتنحصر في الآنية والتفاعلية وفن صناعة الأحداث، حيث يعتمد الإعلام الصهيوني على التضليل وصناعة الرأي العام، وصناعة الخبر والحبكة الصحفية المتجردة من المهنة ومواثيق الشرف الصحفي.

وتضمنت تلك المسميات نشر الأكاذيب والترويج للأباطيل والأحداث التي يتم صناعتها في مطابخ الاستخبارات التابعة للدوائر الصهيونية .
إذ لا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وزارة للإعلام وفقًا للسياسات الماسونية والصهيونية، حيث تديرها غرف ومطابخ استخباراتية.
ومن خلال السيطرة على وكالات الإعلام العالمية استطاعت الدوائر الصهيوأمريكية أن تشكل رأياً عامًا، وترسم صورة نمطية مشوهة وغير حقيقية لكل ما هو عربي وإسلامي، ومن ثم ربط الإرهاب بالفلسطينيين والعرب والمسلمين بشكل عام وتحويلهم إلى قصص للتندر من خلال التقليل من شأنهم في نظر المجتمعات الغربية وتصويرهم بأنهم دول نامية أو متخلفة، وعندما يدافعون عن أنفسهم فإنهم بنظرهم قتلة وإرهابيون ومجرمون، وبمجرد ظهور ما يعبر عنهم من حيث الشكل واللبس والشماغ العربي أو العمامة الإسلامية والازياء المعروفة..
اصبح الأطفال في المجتمعات الغربية لديهم إيحاءات مسبقة عندما يشاهدون تلك المظاهر في الشوارع أو على شاشات التلفزة يرددون -اوووو ارهابي- وخير مثال على ذلك قضية الحجاب، وكيف خلقوا منها قضية.
وتتعمد وسائل الإعلام الصهيونية تشويه صورة العرب والمسلمين في تلك الوسائل من خلال الأفلام والمسلسلات التي يتم صناعتها في هوليود الغرب أو بوليود الشرق أو حتى المسلسلات التركية والغربية المدبلجة والمسلسلات العربية الموجهة للنيل من الهوية والشخصية العربية والإسلامية، ومن خلال تلك المحتويات والمضامين الهابطة التي لا تتقيد بالأعراف والتقاليد والتعاليم السماوية بل تنال منها..
وذلك بهدف إذابة المجتمعات المحافظة وإيجاد جيل محجوب عن ماضيه وغافل عن حاضره ومستقبله غير مستعد لما هو آت ..
أما الإعلام العربي والإسلامي فحدث ولا حرج فهو يعتمد في مصادره وأخباره في معظم الأحيان على تلك الوكالات العالمية والجهات التي تقف خلفها وعلى رأسها الدوائر الصهيوأمريكية..
ومع امتلاك الدول العربية والإسلامية لوسائل إعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية بدأت تتعاطى مع الأحداث بعفوية وفقاً للسياسات المرسومة لكل دولة على حدة، وقد انقسمت لمرحلتين ما قبل التطبيع كانت لها خصوصيتها وكان هناك شبه إجماع واتفاق بين الدول العربية والإسلامية في الموقف تجاه القضية الفلسطينية…
فقد كانت تلك الوسائل تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية “الكيان الصهيوني الكيان الإسرائيلي الاحتلال الغاصب”…
وكان حينها الكيان الصهيوني يعيش في عزلة، حتى أسماء المناطق والقرى الفلسطينية كان يذكرها بأسمائها العربية.. بمعنى أن الإعلام العربي في السابق كان ملتزما إلى حد ما بالحقيقة…
ولكسر حاجز العزلة عن كيان بني صهيون، عمد اللوبي الصهيوني لإنشاء قنوات فضائية لهذا الغرض… بعد أن كانت محصورة على هيئة الإذاعة البريطانية وبي بي سي واذاعة مونت كارلو الفرنسية وغيرهما من الإذاعات والتلفزيونات التي لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة …
وسنكتفي بالتطرق لإنشاء قناه الجزيرة التي تم تطعيمها بكادر إعلامي وخبراء من تلك الإذاعات ومن ثم تزويد تلك القناة بأرشيف وثائقي مخابراتي وصولاً لتحديد خطوط ومسارات وأهداف نشاط قناة الجزيرة ومنها: – إخراج الكيان الإسرائيلي من عزلته بحيث تكون أخباره في متناول الجميع وبالذات دول الطوق والمحيط العربي فأصبحت تغطي ما يجري في الداخل الإسرائيلي من انتخابات وديمقراطية شكلية إضافة لتغطية أخبار الوزراء وأخبار المواجهات مع الفلسطينيين وفي كافة الأراضي العربية المحتلة فضلاً عن متابعة مسار مجريات الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط..
وقد تحقق الهدف الأول وخرج الكيان الإسرائيلي من عزلته بشكله الجديد بصيغة الإعلام العربي المتصهين مرددا.. دولة إسرائيل وحكومة إسرائيل ورئيس وزراء ….وغيرها من المصطلحات، فضلاً عن تناول أسماء لاماكن وقرى فلسطينية تعمد الكيان الصهيوني تغيير أسمائها في اطار حرب المصطلحات بهدف طمس المعالم وأسماء المدن والمناطق العربية.. وتقديم هذا الكيان على أنه وجود قابل للتعايش، كما خطط لهذا الإعلام المتصهين أن يتظاهر بنوع من الشفافية والتناول في الطرح لجذب المشاهدين والمحافظة على الحد الأدنى من المصداقية في التعاطي مع الأحداث والمظلوميات العربية والإسلامية مع نوع من التضليل والخداع، والجميع يعرف أن قناة الجزيرة ممولة من دولة قطر وهي دولة مطبعة مع الكيان الصهيوني وتلعب دورًا محوريُا لصالح دول الاستكبار، أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا..
كما أسند لهذه القناة دور بارز في التسويق وتبني قضايا ما يعرف بجماعة الإخوان والإسلام السياسي المنطوي تحت إطار الاستغلال الصهيوني والماسوني العالمي لهذا التيار لتمرير بعض المخططات ضد الأمة ومنها تخلي التنظيم عن دعم المقاومة في غزة استجابة لتوجهات صهيو أمريكية بتجفيف منابع دعم فصائل المقاومة في فلسطين بما فيها تلك الفصائل التي كانت محسوبة على تنظيم الإخوان، ومن أبرز أدوار تلك القناه التحريش وتعميق الانقسامات العربية من جهة والعربية الإسلامية من جهة أخرى، وتغذية الصراعات وخلط الأوراق والمفاهيم لينحصر دورها في اتجاهات محددة ومن تلك البرامج على سبيل المثال لا الحصر “الاتجاه المعاكس” الذي كان مخصصا لهذه المهمة وغيره من البرامج التي تصب في ذلك الاتجاه …
ثم أتى الدور المكمل لبقية الجوانب المختلفة فتم إنشاء قناة أخرى أطلق عليها اسم العربية وهذه المرة ستكون ممولة من دولة خليجية أخرى تلعب أدوارا معينة كونها تتمتع بثقل ووزن اقتصادي ومالي وسياسي في المنطقة العربية وهي المملكة العربية السعودية، فكان مخطط إنشاء قناة العربية وأخواتها لكن هذه القناة ستكون موجهة ضد الإخوان وفي خدمة أنظمة التطبيع بكل أشكاله وصوره والنيل من دول محور المقاومة وتعميق سياسة التفريط والتخاذل العربي وتبعتها في ذلك جوقة القنوات والإعلام الممول من دولة الإمارات .
وبعد حرب الخليج واحتلال العراق توسع المخطط ليشمل تأسيس قناة ثالثة اطلق عليها قناة الحرة ..
وقد تحددت المهام وتوزعت الأدوار بين تلك القنوات الثلاث.. ولكن هذه القنوات ظهرت بوجوه متعددة لعملة واحدة …
وإذا تأملنا في تلك المسميات فإننا سنصل إلى مدلول ومغزى واضح لتلك المخططات التي تم الإعداد والتخطيط لها مسبقا وهي قناة الجزيرة تلتها قناة العربية ثم قناة الحرة …
وعند جمعها حسب إنشائها تتكون لنا جملة مفادها الجزيرة العربية الحرة …
وهي رسالة ومدلول يوضح مدى السخرية والاستحمار للعقل الخليجي الذي اصبح مطية وعبئاً على آمال وتطلعات الأمة ونهب ثرواتها وان اللوبي الصهيو امريكي قد أحكم قبضته وسيطرته على الجزيرة العربية ولم تعد حرة وأصبحت أنظمتها وإعلامها موالية للكيان الصهيوني ولا خوف عليه بعد اليوم، بل وأصبحت أنظمتها معنية بحماية كيان بني صهيون، ولا يخشى على هذا الكيان الإسرائيلي بعد اليوم ولهذا لم تتحرك الجماهير في دول الخليج ولم تنتفض تضامناً مع الشعب الفلسطيني ومقاومته ولا ينتظر منها أن تقف ضد حرب الإبادة التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وقد شاهد وتابع الجميع كيف ظهرت أنظمة التطبيع بكل قوتها وراء التخادل العربي ولم تخرج بموقف يحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه.. بل اصبح كل هم تلك الأنظمة وإعلامها المتصهين ليس إسناد فلسطين وغزة وإنهاء العدوان، وكسر الحصار، بل همهم الأكبر هو تنفيذ المخطط الأمريكي الحريص على عدم توسع دائرة المواجهة فأسندت لها مهمة مهاجمة دول محور المقاومة.
وقد لاحظ المشاهد العربي غمز ولمز تلك القنوات للنيل من دول محور المقاومة وما تتعرض له اليمن و لبنان وسوريا وايران أكبر شاهد ودليل ..
وهي رسائل ومؤشرات مخزية مفادها أنهم يقفون في الطرف المعادي لآمال وتطلعات الأمة العربية والإسلامية ..
أما الإعلاميون الذين يخرجون عن الخطوط الحمر المرسومة لهم فإنه يتم أما فصلهم أو إقصاؤهم عن تلك القنوات ووظائفهم في المجال الإعلامي أو السياسي أو استهدافهم بشكل مباشر، كما حصل لوزير الإعلام اللبناني الأسبق جورج قرداحي، وكما حصل لمراسلي قناة الجزيرة ومنهم شيرين أبو عاقلة، وعائلة وائل الدحدوح، وهو ما أكده بقوله “تنتقمون من مواقفنا باستهداف أولادنا وأسرنا، حسبنا الله العظيم فيكم”..

قد يعجبك ايضا