بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، بين مصر وكيان العدو، سُئل رئيس وزراء العدو الأسبق “مناحم بيجن”: لماذا تنسحب من سيناء ؟ أجاب : سيناء منطقة مترامية الأطراف “60 ألف كيلومتر مربع” وهي تحتاج إلى ثلاثة ملايين يهودي يستوطنوها ويدافعون عنها.. وأضاف: عندما يهاجر إلينا 3 ملايين من «الاتحاد السوفيتي “ودول أخرى، سنعود إليها وستكون بحوزتنا”.
إجابة بيجن لا تخرج عن إطار الاستراتيجية الصهيونية التي كانت ولا تزال تعتمد بشكل رئيسي على استثمار العنصر البشري، ولذلك نرى تأثيرهم الفاعل في توجيه السياسة الدولية، مع أنهم يشكلون “اثنان من عشرة في المائة” من سكان العالم، 7 ملايين منهم يستوطنون فلسطين المحتلة، وتكاد أعداد الفلسطينيين تساوي أعداد اليهود 15 مليونا، منهم 7 ملايين يعيشون داخل حدود فلسطين التاريخية : 3,3 مليون في الضفة، و 2,2 مليون في غزة، و 1,7 مليون في الداخل الفلسطيني “عرب 48”.
يشعر كيان العدو بقلق بالغ مما يسموه خطر الفلسطينيين وتزايدهم على مستقبل كيانهم، وقد عمل ساسة الكيان وقادتهم بشتى السبل لإضعاف تأثير هذه القوة البشرية، ونجحوا إلى حد ما في إضعاف تأثير فلسطينيي الداخل بالترغيب والترهيب وعمليات “كي الوعي”. وبنسبة أقل نجحوا في الضفة الغربية بوسائل عديدة أهمها صناعة سلطة فلسطينية شكلية في رام الله، يستخدمها الإسرائيليون كعصا وجزرة.
لكن الحال يختلف في قطاع غزة، حيث تمكنت حركة حماس – التي تسيطر على القطاع – من استغلال طاقات الفلسطينيين في غزة وتوظيفها في المعركة مع الاحتلال. ولعل معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر هي التجسيد لقدرة الإنسان على قهر المستحيل إذا أحسن استغلال قدراته.
لا يختلف فلسطينيو غزة عن إخوانهم في الضفة أو الداخل، أو عن اللاجئين في الشتات، من حيث وطنيتهم وحماسهم ورغبتهم في دحر الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لكن الفرق يكمن في كيفية التعامل مع “الموارد البشرية” واستثمار طاقاتها لتحقيق أهداف محددة، وهذا ما فعلته حركة حماس من خلال إدارتها للقطاع وحشد طاقات الناس التي تفجرت طوفانا في وجه الاحتلال.
صحيح أن الاحتلال لم ينته، بفعل الدعم الغربي والتخاذل العربي، لكنه أصيب بعاهة مستديمة لن يتعافى منها.
هذا ما لا تستطيع ولا تريد فعله سلطة رام الله، هذا الفشل لسلطة أوسلو، لم يؤد إلى تحييد 3,3 مليون فلسطيني من معركة مواجهة الاحتلال فحسب، بل تركتهم وأملاكهم رهائن لابتزاز المستوطنين وجيش الاحتلال.
ماذا عن اللاجئين ؟
ملايين الفلسطينيين يعيشون في الشتات، محرومون من العودة إلى وطنهم حتى لمجرد الزيارة، معظمهم لاجئون يعيشون ظروفا قاهرة في مخيمات اللجوء، 400 ألف في مخيمات سوريا، ونحو 1,5 مليون في الأردن، و 200 ألف في لبنان. ما هو دور هذه الملايين في المعركة مع الاحتلال؟. من يدير هذه المخيمات؟ وأسئلة أخرى حائرة عن سبب إهدار طاقات هذه الملايين، أو الاستفادة منها وتوظيفها سياسيا وإعلاميا في المعركة الحالية مع كيان الاحتلال.!!.
يسعى الإسرائيليون بدعم غربي إلى تهجير سكان غزة، وهم لا ينكرون هذه الغاية كواحدة من أهداف الحرب على القطاع، في المقابل، لماذا يتم تحييد هؤلاء الملايين، لماذا لا يتحرك عشرات ومئات الآلاف منهم في مسيرات عودة إلى الحدود مع فلسطين المحتلة.. مسيرات سلمية لا يحملون فيها سلاحا، فقط يحملون معهم مفاتيح بيوتهم التي أخرجتهم منها العصابات الصهيونية.؟!.
هل يمكن لدمشق وعمان وبيروت، أن تدعم مثل هذه المسيرات، بوسائل مواصلات، مش بالسلاح ؟!
يتمنى بيجن أن يتوفر لكيانه 3 ملايين يهودي إضافي، ليحتل سيناء بمساحتها البالغة 60 ألف كيلومتر مربع، بينما يفشل ملياري عربي ومسلم في تحرير فلسطين، أقل من نصف سيناء، فمتى ندرك حجم الطاقات البشرية التي نهدرها؟
aassayed@gmail.com