
العام الرابع والعشرون للوحدة اليمنية هذا العام له طابع خاص كون اليمنيين بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية قد اعترفوا من خلال حوار وطني استمر لأشهر بوجود بعض الإخفاقات والاختلالات فشخصوا الداء ووصفوا الدواء واتفقوا على كلمة سواء فكان التحول إلى دولة اتحادية هو العلاج الناجع لمشاكل اليمن المزمنة كونها ستحقق الشراكة في السلطة والثروة وتعيد الابتسامة لليمن السعيد.
اليمن عبر تاريخه القديم الحديث والمعاصر لم يخل من مشاكل ونزاعات سياسية كان محركها الأول هو الاقتصاد فالسياسة وحدها لن تشكل مصدر قلق فعلي إذا ما كان اليمن يمتلك بناء اقتصادياٍ قوياٍ وسليماٍ كون الإشكالية الرئيسية القائمة حالياٍ تتمثل في الغياب المزدوج للقطاعات والأنشطة المنتجة في الدولة (باستثناء قطاع النفط والغاز) وفي القطاع الخاص الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في اتساع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وفي ظل هذه الأوضاع أصبحت الحالة الاجتماعية العامة جاهزة لاستثمارات السياسية بمشاريعها المختلفة ومن ثم فإن التركيز على اقتصاد الأقاليم في إطار النظام الاتحادي سوف يساهم من ناحية في معالجة الاختلالات الاقتصادية والتنموية وفي تحقيق استقرار الدولة اليمنية وضمان نموها.
دسترة القضايا الاقتصادية
إن الدستور الاتحادي للدولة كما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور طه الفسيل هو قانون القوانين وهو الوثيقة العليا التي تنظم كافة القوانين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأن الاقتصاد هو مرتكز أساسي ومن بين أهم مفاصل الحياة وهو الذي يهتم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة والإنسانية الشاملة والعادلة وفي مقدمتها رفع المستوى المعيشي لكافة أفراد المجتمع وبالتالي فإن الارتباط والعلاقة بين الاقتصاد والدستور علاقة أساسية بحيث من المفترض أن تعكس السياسات والتوجهات العامة التي تتبناها الدولة الاتحادية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية طبيعة تنظيم هذه الجوانب في الدستور نصاٍ وروحاٍ وبالتالي فإن وضع شكل النظام الاقتصادي في إطار الأقاليم بشكل واضح في الدستور الجديد لليمن يْــعد من أهم الأسس والأوليات لبناء الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون.
وطبقا للفسيل يحتل الدستور المرتبة الأولى في قوانين الدولة التي عليها الالتزام و التقيد بما ورد فيه من أحكام وبذلك يتحقق تطبيق مبدأ الشرعية الذي يعني خضوع الحكام و المحكومين لقواعد الدستور كما يعني هذا التقيد بمبدأ تدرج القوانين بحيث يخضع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه درجة وبالتالي يجب أن تكون القوانين العادية الصادرة في الأقاليم منسجمة مع أحكام الدستور الاتحادي للدولة ككل غير متعارضة مع أحكامه باعتباره هو المصدر لجميع القوانين والتنظيمات داخل الدولة الواحدة ويجب كذلك أن تنسجم المعاهدات والاتفاقيات التي تصادق عليها الدولة مع أحكام الدستور والقوانين والتنظيمات التي تسنها مختلف أجهزة الدولة وهذا ما يصطلح عليه بدستورية القوانين والمعاهدات فالرقابة على دستورية القوانين تعتبر إحدى الضمانات الأساسية لحماية الدستور الاتحادي وضمان احترام القوانين داخل نفس المجتمع.
ترتيب مؤسسي
مشكلة اليمن في الدرجة الأولى اقتصادية وتعقيداتها قد تحول دون فهم صحيح لطبيعة المرحلة التي تمر بها اليمن حالياٍ وما تتطلبه من إنجازات على الصعيد المؤسسي طبقا للدكتور سالم بن مبارك –جامعة عدن فالدستور القادم هو أول وأهم ترتيب مؤسسي على كافة المستويات وبالتالي إذا أغفلنا أهمية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في شكل الدولة الاتحادي والدستور القادم –والكلام للدكتور مبارك- فإننا سنعود مرة أخرى إلى حالة التخبط والتأويل للقوانين والتشريعات والتي قد تخضع لأهواء مصالح وتيارات أو أحزاب معينة, ولذلك يجب كما يرى مبارك منذ الأن وضع أسس سليمة ومبادئ قوية وقواعد واضحة وشفافة تضمن وجود نظام اقتصادي واجتماعي قوي وراسخ يسعى لتحقيق أهدافه وفي مقدمتها العدالة الاقتصادية والاجتماعية مهما تعاقب عليه الرؤساء والحكومات.
تحديد
خبير التنمية الدولية سلام المروني يؤكد أن اليمن ما تزال من الدول الأقل نموا وإحدى الدول ذات الديمقراطيات الناشئة في العالم الأمر الذي يتطلب بالضرورة تحديد القضايا الاقتصادية والاجتماعية بصورة تفصيلية في النظام الاتحادي والدستور القادم فعند استعراض الدساتير المختلفة لدول العالم النامي والمتقدم نجد أن كثرة التفاصيل في تحديد ماهية النظام الاقتصادي تتناسب عكسيا مع تقدم الدولة وديمقراطيتها. فالدول الأكثر تقدما مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا هي أقلها في ذكر تفاصيل النظام الاقتصادي بينما تكون الدول النامية والديمقراطيات الناشئة مثل البرازيل وتركيا وماليزيا, هي الأكثر حرصا وحاجة إلى تحديد طبيعة النظام الاقتصادي بشكل أكثر تفصيلا في دساتيرها. الأمر الذي يعكس عدم اكتمال مؤسسات الدولة في هذه الفئة من الدول ليقوم الدستور بمهام العديد منها إلى أن يتم إعادة بنائها.
التنمية الاجتماعية
وبحسب خبراء الاقتصاد فإن النموذج الاقتصادي الجديد الذي سيتم انتهاجه في ظل الدولة الاتحادية وحكومات الأقاليم يتطلب بالضرورة التزاماٍ دستورياٍ من قبل الدولة بالتنمية الاجتماعية والفاعلية الاقتصادية التنموية ايضاٍ فمن الأهمية تحديد نصوص الدستور الجديد بصورة واضحة وجلية طبيعة الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لكل من الحكومة المركزية والحكومات المحلية (بما في ذلك مسؤوليتها الاقتصادية والاجتماعية في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين ومحدودي الدخل وتقديم الخدمات الاجتماعية والخدمات الخاصة بالمرافق) وكذلك القطاع الخاص والملكية الفردية ثم دور المجتمع المدني .
مشيرين إلى أن اليمنيين أدرى بمشاكلهم وظروفهم ومصالحهم وأوضاعهم وبالتالي فهم الأقدر على اختيار النظام الذي يحقق لليمن بكافة أطرافه الأهداف المطلوبة من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين دون الحاجة إلى نقل هذه التجارب حرفيا وتطبيقها في اليمن كما هي دون الأخذ في الاعتبار اختلاف طبيعة الظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية فالنموذج الناجح في بلد ما في ظروف معينة قد لا يكون ناجحٍا في بلد آخر وفي ظروف أخرى.
