الوحدة حدث تاريخي عظيم وعودة ألقه الوهاج مرتبط بإنهاء المظالم وإعادة الحقوق لأصحابها


إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كان بمثابة المحطة المضيئة الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر.
هذا الانجاز الاعجازي الذي نسج خيوطه اليمنيون في الـ22 من مايو من عام 1990م لم يحتفظ بألقه وتوهجه طويلا فسرعان ما تعرض للعبث والتشويه بفعل الممارسات والأخطاء التي تلت سنوات ما بعد الوحدة.
وهي الممارسات التي ولدت مشاعر من الإحباط الواسع في أوساط المواطنين وعلى وجه التحديد في المحافظات الجنوبية التي واجه أبناؤها مظالم شتى فيما يتعلق بممتلكاتهم وأراضيهم وكذلك على مستوى حقوقهم الوظيفية والمهنية ما أثر سلبا على الوحدة الوطنية وعلى التماسك الاجتماعي بين أبناء البلد الواحد كادت هذه الممارسات أن تنسف الانجاز الوحدوي برمته لولا عناية المولى القدير وحكمة القيادة السياسية الحالية التي جعلت هذه القضية الإنسانية الهامة في صدارة أولوياتها لتباشر إجراءات عملية وواقعية لإنهاء المظالم وإعادة الحقوق إلى أصحابها باعتبار ذلك أهم أسس ومنطلقات بناء اليمن الجديد المرتكز على قيم العدالة والمواطنة المتساوية.
(الثورة) ارتأت والوطن يحتفل بالعيد الوطني الـ24 لـ22 من مايو المجيد أن تستطلع آراء عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والناشطين والحقوقيين حول هذه المعالجات التي أعادت للوحدة بريقها وجددت إشراقها وتوهجها في النفوس وأعادت الاعتبار لهذا الإنجاز اليماني الكبير.

اختصار المسافات
* وتؤكد الدكتورة فاطمة مشهور – رئيسة الشبكة اليمنية للنساء المستقلات “فوز” أن اهتمام الدولة بالقضية الجنوبية تجسد من خلال تخصيص إحدى فرق مؤتمر الحوار الوطني للقضية الجنوبية وتناولها بكل أبعادها السياسية الاقتصادية الديمغرافية حتى تتمكن فرق مؤتمر الحوار من خلال هذا المكون من جمع أبعاد هذه القضية بكل إشكالياتها وتحدياتها.
وتضيف مشهور: لقد استطاع المؤتمر خلال العشرة أشهر أن يختصر الكثير من المسافات لتقديم الرؤى والمعالجات والحلول لهذه القضية في إطار وثيقة الضمانات التي خرجت بها نتائج وقرارات مؤتمر الحوار الوطني وركزت بشكل أساسي على القضية الجنوبية وأكدت الاعتذار عن الحرب وإعادة المبعدين من وظائفهم المدنية والعسكرية والذين تم تسريحهم قسريا من وظائفهم وكذلك استرداد الأراضي التي نهبت من بعض أبناء الجنوب واستولى عليها مجموعة من المتنفذين سواء كانت أراضي مملوكة للدولة أو المواطنين في مختلف المحافظات الجنوبية والشرقية مثل عدن وحضرموت وهذا طبعا أثار حفيظة أبناء الجنوب الذين عبروا عن سخطهم من خلال المسيرات والمظاهرات تحت مسمى الحراك السلمي الجنوبي والحراك المسلح..
كل هذه التحديات والإشكاليات ليست بسيطة مما يحتم على الدولة ترجمة وثيقة مخرجات الحوار على أرض الواقع حتى يستطيع الجميع أن يؤسس لمستقبل اليمن الجديد وبناء الدولة المدنية الحديثة التي يشعر كل مواطن أنه يعيش فيها بكرامة وفي ظل مبادئ وقيم الحرية والعدالة والعيش الكريم وسيادة النظام والقانون على الجميع.
معان سامية
* وتظل الوحدة تحمل في طياتها المعاني السامية والدلالات الإنسانية العظيمة على الرغم من كل السلبيات والأخطاء التي رافقت مسيرتها..
ويقول الدكتور عبدالباري دغيش عضو مجلس النواب أن السلبيات التي شهدتها الوحدة اليمنية على مدى السنوات الماضية لا يمكن إضافتها إلى الوحدة التي تعني القوة والنهوض الحضاري الشامل وهي بالنسبة لليمن مطلب لا غنى عنه إذا ما أراد هذا الشعب التطور والتنمية وبناء دولته الحديثة القائمة على مبادئ الحكم الرشيد ووفق قيم العدالة والمدنية واحترام الحقوق والحريات.
ويضيف دغيش في حديثه لـ(الثورة): هذا العالم الذي تتقارب ثقافاته وتتشابك مصالحه يوماٍ بعد يوم لا يمكن أن تكون الوحدة التي يسعى لها إلا أمر طيب وعظيم وبالتالي لو يتم التفكير على المدى الاستراتيجي بعيدا عن النظرات العاطفية الآنية لوجدنا في الوحدة ليس في اليمن فقط بل على مستوى الجزيرة العربية والوطن العربي والعالم الإسلامي بأنها مطلب ضروري وملح لقوة وتطور هذه البلدان من كل النواحي السياسية والاقتصادية.
ويستطرد البرلماني دغيش: بالتأكيد خلال الفترة الماضية منذ عام 1990م كانت هناك مظاهر للإدارة السلبية التي أثرت على حياة الناس خاصة في المحافظات الجنوبية هذه الممارسات تم الوقوف أمامها في مؤتمر الحوار وكانت هناك معالجات مقترحة في فريق القضية الجنوبية والتي اشتملت على إعادة الاعتبار للجنوب وإعادة المبعدين وكذا النظر في قضايا الأراضي وكان هناك أيضا تفاعل من قبل القيادة السياسية تجاه القضية الجنوبية وصدرت عدة قرارات منها معالجة والنظر في قضايا الأراضي في المحافظات الجنوبية وكذا اللجنة الخاصة التي شكلت للنظر ومعالجة قضايا المبعدين من وظائفهم سواء في القطاع المدني أو القطاع الأمني والعسكري.. وقد أنجزت خطوات كبيرة في هذا الجانب والمسألة مسألة وقت لانجاز مهامها وفي اعتقادي أن ما تم انجازه في مؤتمر الحوار الوطني بتوافق كل القوى السياسية وتمثيل الحراك السلمي الجنوبي في المؤتمر كان بمثابة انتصارات للقضية الجنوبية تفوق ما تضمنته حتى اتفاقية الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها قبل حرب صيف 1994م.
يبقى أمام الجميع الجدية وتوفر الإرادة السياسية والإرادة الصادقة لدى كل المكونات السياسية من أجل هذه المخرجات وكذا ما تم الاتفاق عليه بخصوص النظام الاتحادي ونظام الأقاليم التي من شأنها توسيع الشراكة في السلطة والثروة وضمان صيانة الحقوق في الأقاليم الجنوبية والشمالية وجميع أبنائها.
ويوضح الدكتور دغيش أن الانتقال إلى الدولة الاتحادية سيوجد شراكة حقيقية في السلطة والثروة وسيمكن كل الأطراف من إدارة شؤونهم المحلية على مستوى المشاريع الخدمية.. مشيرا إلى أن التجربة الاتحادية نقلت بعض دول العالم الثالث التي عملت بها إلى مربع الدول المتقدمة مثل الهند وماليزيا وألمانيا وغيرها من الدول التي حققت نجاحات تنموية مشهودة من خلال أخذها بهذا النظام السياسي الذي أثبت العلم والحقائق على الميدان بأنه أكثر التجارب نجاحاٍ على مستوى العالم.
الرد الشعبي الواضح
* الاحتفالات بالعيد الوطني لهذا العام تحمل في طياتها الكثير من الرسائل إلى المشككين وأصحاب الشائعات والتخرصات بأن الوحدة اليمنية انتهت عمليا وأن اعتماد الأقاليم سيمزق اليمن إلى دويلات صغيرة.
ويقول علي أبوحليقة – رئيس اللجنة الدستورية بمجلس النواب أن الاحتفال الجماهيري بذكرى إعادة الوحدة من شأنه أن يبدد الشكوك ويفند الأقاويل التي حاولت خلق حالة من الشعور لدى اليمنيين بأن وطنهم قد تشظى من خلال تبني نظام الدولة الاتحادية القائمة على الأقاليم.
ويضيف أبوحليقة: ما يهم الآن هو الانطلاق من مخرجات الحوار الوطني الشامل لإعداد أسس دستورية وقانونية تحفظ لليمن تماسكه لأن التسويات لا تؤثر شيئا طالما وأن هناك ضوابط وقوانين ونصوصاٍ دستورية حاكمة وضابطة لعملية الانتقال من الدولة البسيطة إلى الاتحادية.
ويوضح أن احتفالات هذا العام بذكرى الوحدة تحمل عنوانا واضحا للإجابة على كل التكهنات والمخاوف وتؤكد أن اليمن باق والوحدة باقية ولا يوجد قلق من الأقاليم في حال تم إعداد ضوابط ونصوص دستورية تكون بمثابة الدستور الحاكم لهذا البلد.
ويضيف رئيس اللجنة الدستورية بمجلس النواب – هناك قضايا عالقة ومؤثرة في مسار الوحدة وهي المشاكل التي طرأت سواء في ما يتعلق بالأراضي أو المبعدين أو الفساد أو دعوات الانفصال لكن عندما يلتف اليمنيون حول الراية اليمنية ويكون فريق عمل واحد للنهضة بها يكون النجاح والانتصار على كل المصاعب والتحديات كما أن إجراءات إعادة الاعتبار للجنوب من خلال إعادة المبعدين وحل قضايا الأراضي هي تطبيع للوضع السياسي.
فعندما نصل إلى وضع سياسي طبيعي تزول فيه الأحقاد ودعوات الكراهية لان الثقة بين أبناء اليمن اهتزت وبعض التصرفات من بعض الجهات أثرت في النفسية اليمنية لكن من خلال تطبيع الوضع السياسي وحل مشكلات أبناء الجنوب والشمال على حد سواء وإعادة الثقة بين أبناء المجتمع أؤكد أن الظواهر السلبية ستزول والوحدة هي قدر اليمنيين لأنها لم تتحقق في عشية وضحاها بل أعد لها إعداداٍ كبيراٍ لأكثر من عشرين سنة والقيادات اليمنية في الشمال والجنوب تتابع وتنطلق من بلد إلى أخر في مصر والكويت وليبيا كلها خطوات تمهيدية لإعلان الوحدة الذي تحقق في 22 مايو الذي نرجو له أن يكون يوما عالقاٍ في نفوس كل اليمنيين في الشمال والجنوب.
الجدية في معالجة السلبيات
* ويؤكد الدكتور عدنان ياسين المقطري – أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة صنعاء على ضرورة التحلي بالجدية في معالجة سلبيات الماضي التي أساءت كثيرا لوحدة اليمن.
ويضيف: على الرغم مما أصاب الوحدة من شرخ نتيجة ممارسات النظام السابق وشركائه بعد حرب العام 1994 بحق أبناء المحافظات الجنوبية سعيا للاستحواذ على الثروة والسلطة فإن الجدية في معالجة الآثار السلبية الناشئة عن تلك الممارسات كفيل بإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.
لكن ذلك يجب أن لا يقتصر على قضايا مادية فقط أو قضايا محددة بذاتها وإن كانت أولى بالمعالجة وإنما الاستفادة من تجارب المرحلة السابقة والانتباه إلى أن ما يعزز ديمومة الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن هو التأسيس لدولة جديدة قوامها القانون والمواطنة المتساوية حتى لا تضار فئة في المجتمع أو منطقة أو محافظة بعينها لم يتم الالتفات إلى قضاياها لأن صوتها لم يصل إلى صناع القرار. ولأنه لا يمكن أن تؤسس وحدة وطنية دون ضمان الحقوق المتساوية بين جميع المواطنين ولا معنى لوحدة الأرض حين تغيب المعاملة المتساوية بين أبناء الوطن وحين يفقد المواطن أبسط حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
من جهته يشدد الدكتور ناصر العرجلي – رئيس رابطة أبناء محافظة عمران على أهمية الوقوف الشعبي والدعم الجماهيري للقيادة السياسية من أجل مواصلة المعالجات الجذرية لكل مشكلات الوطن اليمني شمالا وجنوبا وإنهاء المظالم وإعادة الحقوق لأصحابها وبذلك يكون رد الاعتبار للوحدة وللوطن وجميع أبنائه عموما.
ويضيف العرجلي أن إجراءات البناء والتشييد الوطني التي باشرها الرئيس عبدربه منصور هادي وفقا لمضامين التسوية السياسية التاريخية ومخرجات الحوار الوطني الشامل والهادفة إلى بناء الدولة الحديثة القائمة على مبادئ الحكم الرشيد وقيم الحرية والعدالة والمساواة كفيلة برد الاعتبار لليمن ووحدته وتاريخه الحضاري وذلك لن يتم إلا من خلال التكاتف الوطني ورص الصفوف وتوحيد الطاقات وتوجيهها لخدمة أهداف البناء التنموي ومجابهة مظاهر الاختلالات والسلبيات في كافة المجالات والأصعدة.

قد يعجبك ايضا