أراضي الأوقاف بين المسؤولية والسؤال

علي عباس الاشموري

 

 

لعل كلمة المسؤولية .. واستشعار أو الشعور بالمسؤولية هي معجم هذا العصر وتُعد عنواناً ليمن وثورة الـ21من سبتمبر التي حملت على عاتقها مواجهة العدوان أولاً واجتثاث الفساد (ثانياً) وتطهير مؤسسات الدولة من دنس الفاسدين كهدف ثوري ومطلب شعبي وجوهري تسعى القيادة الثورية والسياسية إلى تجسيده كسلوك وتفعيله كمبدأ .
وبالوقوف أمام خطاب السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي الأخير وأشارته إلى تغيير جذري قادم، وتأكيد الرئيس مهدي المشاط لذلك عند اجتماعه بأبناء محافظة ريمة..
فإنني أعتقد بأن هناك تقييم حقيقي لأداء الجهات ومحاسبة المسؤول عن ما أنجز .. والتساؤل لماذا لم ينجز؟ ..وهل يرجع تعطل الإنجاز إلى خيانة أو استغلال أو إلى أمن من الرقابة والاستجواب.
نعلم جميعاً أنً ما وصلت إليه البلاد من تدهور وانهيار شبه كلي لمؤسسات الدولة، ليس وليد اليوم، بل هي تراكمات عقود من الزمن وليست عفوية، بل كانت مخططاً وأبعاد وأهداف خطط لها أعداء الوطن ونفذها العملاء ..
والرجوع إلى الماضي في كتابة المقال – أعني فقط – أن لا نتخذ من الماضي شماعة لاستمرار الحال كما هو عليه والاستفادة من الماضي لعدم تكرار الاخطاء ليس إلا .
وإذا كان اليوم وليد الأمس فإن الغد هو وليد اليوم وإذا كان الأمس من صنع من سبقونا فإن اليوم من صنع أنفسنا الذي نحن بعض ممن صنعوه وما الغد إلا ما سننجزه نحن وسننجز بإذن الله (بشرط) واحد، أن نقتل الماضي بالدراسة والتفهم حتى نكسر قبضته على رقابنا أو نلينها على الأقل ولكي نُطوًع أنقى عناصره لصنع اليوم من أجل أن نمتلكه ولكي نمتلك الغد على قاعدة حرية القرار وحرية الاختيار..(أقصد ونحن أحرار من كل العوائق والعوالق ) ولأن الفترة الزمنية متصلة الحلقات متداخلة الجوانب ولا بد أن نشخص مشكلاتنا بعمق تشخيصاً موضوعياً وواقعياً وأن نخرج برؤية واضحة المعالم ونحدد المعالجات الفكرية والإجرائية المناسبة، خاصة وأن العدوان لم ينته بعد ومواجهتنا قائمة، مازلنا في مواجهة هذ العدوان بجميع أشكاله .
وإذا كنا كشعب وقيادة وجيش ومجاهدين ونحن نواجه هذا العدوان الغاشم أكثر من 17دولة من أعظم وأقوى الدول وقد حققنا بفضل الله وتأييده (رغم فارق العدة والعتاد) نصراً عسكرياً منقطع النظير، شهد له العدو قبل الصديق وضحينا في سبيل ذلك بالدماء الزكية والطاهرة بمئات من شهدائنا العظماء سلام الله على أرواحهم الطاهرة .
فلابد، وإكراماً ووفاء لتضحياتهم وللمبادئ التي استشهدوا من أجلها أن نسير بنفس القدر من الثبات والعزيمة في مواجهة العدو الاخر المتمثل بالفساد الاداري داخل مؤسسات الدولة.. وأن نشمر السواعد وتتعاضد الأيادي لمواجهته وإصلاح أجهزة الدولة. وتطهيرها من الفساد اينما وجد بوعي شعب صامد وبصيرة قيادة حكيمة.
وأن كلمة تغيير جذري التي أطلقها السيًد القائد..تعني تغيير جذري. كلام واضح. ولا تحتاج لمعاجم لغة أو خبراء في السياسة والتشريع لتفسيره.. جذري يعني جذري. أكده الرئيس المشاط بقوله إن التغيير لا يعني تغيير أشخاص فقط، بل تغيير سياسات ((للعمل المثمر والانتاج وبناء وطن بحس وطني قائم على الدراسات) وهو أي ((التغيير)) لا يحتاج الًا لنوايا صادقه وجهوداً مخلصة .تسير وفق خطط مدروسة. وأنا هنا (ككاتب)حين أتناول إحدى مؤسسات الدولة فنحن فقط نساهم في توضيح الوضع للقارئ ونلفت نظر القيادة إلى جوانب من القصور الملحوظ والمنتشر أمام العيان.. ونقترح وفقاً لما نراه بعض المعالجات أي أننا ننقل نبض الشارع وننقل للقيادة معاناة شعب .
فمن المعروف أن آباءنا وأجدادنا رحمهم الله من الأخيار الأوائل الذين اتصفوا بالإيمان بشهادة النبي العظيم صلوات الله عليه وعلى آله حين قال (الإيمان يمان والحكمة يمانية) كانوا يوقفون أخصب الأموال وأثمنها وأغلاها كعمل خيري وانساني ونذوراً منهم يقصدون بها وجه الله تعالى وطمعا في عفوه ومغفرته ومرضاته وأملاً في الثواب في الآخرة.. لخدمة وبناء بيوت الله((المساجد)) وأوقفوا حتى لأبوطير (الامام الهادي عليه السلام) حيت بلغت الأوقاف لأبو طير فقط أكثر من مليون واربعمائة الف لبنة) 1400000 وغيرها من الأوقاف للمساجد في كل أرجاء اليمن إذ لم يكن يبنى مسجد إلا وله أوقاف تكفي لإدارته وتوسعته والمحافظة عليه لمئات السنين وأوقفوا حتى لحمام مكة وغيرها من جوانب الخير الذي كانوا يرجون من وراء ذلك الخير والثواب من الله وصدقة جارية لهم بعد موتهم.. وغيرها.. وتعد ربما اليمن واليمنيين من أكثر الدول التي يوجد فيها أموال منذورة للوقف.. رحمهم الله وغفر لهم وكتب أجر كل واقف..
وعندما يتتبع الباحث أو القارئ كم هي أراضي الأوقاف على مستوى الوطن ككل. أو على مستوى المحافظات أو على مستوى المديريات أو العزل.. يجد أن هناك الاف من اللًبن ((جمع لبنة)) من الأموال وبمساحات ولبن تًعد بالآلاف وعندنا تتبع مردودها المادي.. من خلال مسؤولين الأوقاف او مدراء الفروع في المديريات.. تجدها مبالغ بسيطة.. لاتذكر.. ولعل ما كان يجري لأموال الوقف سابقا هو نفس ما كان يدور في مصلحة (( الواجبات ))سابقا. حيث كانت تحصل زكوات لم يستفد منها الشعب ولم تكن تذكر.. لا في بنود الموازنة (إيرادات الدولة) ولا في نفقاتها أي مصارفها وهكذا.. وقس على ذلك..
وللتذكير فقط، فإنني قد جمعت بعض المعلومات حول مديرية فقط في إطار إحدى المحافظات.. تبلغ ممتلكات الأوقاف أو أموال الوقف المسجل في كراريسها عدد مائة وخمسة اربعين ألف (145000) لبنة تشمل أموال أو جرباً وودياناً فيها غيول وزرع الحبوب والقات وخضروات وغيرها… وأن عدد المساجد في تلك المديرية مائة وخمسون مسجداً (150) فقط..
وبحسب تأكيد مدير الإرشاد في تلك المديرية فإن مسؤول الأوقاف لا يصرف على تلك المساجد الا الفتات ولا تتعدى المائة ألف ريال فقط خلال السنة (100000) أي بواقع 750 ريال لكل مسجد في السنة.. وان معظم تلك الإيرادات والمتحصلات تذهب مع الرياح.. وأنه قد رفع بذلك إلى الجهات المختصة ولم يلقى أي تجاوب…
ما كتبته يحكي وضع مديرية.. وهي معلومات مؤكدة ومن مصادر في الميدان ولا أريد أن أذكر أسماء أو أماكن ((فالمقال عام)) وأنا فقط أورد نموذجاً للمقارنة فقط وللعلم.. كنموذج فقط.. لأن ما ينطبق على الجزء ينطبق على الكل.. وللقارئ الحصيف أن يستشف ما خفي على ضوء ماتبدّى…
والحقيقة أن الأمانة قيمة عظيمة في الدين الإسلامي، والمسؤول بشكل عام. واحد ممن يحرصون على أن يكونوا من أصحاب الأمانة والثقة وأمناء الأوقاف ((خصوصا)) ما أعرفه شخصياً عنهم ((والبعض منهم أصدقاء وزملاء دراسة)) انهم رموز في الأمانة وعناوين للسلوك القويم والمظهر الجميل الذي يعكس الورع والتقوى.. فأمين أو عامل الوقف كنموذج عرفت بعضاً منهم كانوا بمثابة الخطيب في المنبر والقاضي في المحكمة، يتحلى بالأمانة والثقة والصدق ومثالا للسلوك الاسلامي الراقي والقدوة الطيبة ، سلوكاً وأخلاقاً وقيماً ونزاهة وتعاملاً وممارسة ومظهراً ذاك لأنه مختص بالمحافظة وتحصيل مستحقات وأوقاف المساجد ((بيوت الله )) وهي مسؤولية كبيرة وأمانة ثقيلة فهو مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى في رعاية وإقامة دين الله ((مساجده))((شرف عظيم )) والمحافظة على أملاكها والاهتمام بمبانيها وصيانتها ..ودوره لا يختلف عن من سعى لبناء وتعمير بيوت الله للعبادة ((قصور في الجنة)) كما أنه مسؤول أمام الواقفين الذين أوقفوا أموالهم تقرباً لله تعالى ورجاء في استمرار الأجر والثواب من الله بعد مماتهم ((كصدقة جارية)) في تحصيل موارد الوقف وتوفير متطلبات تلك المساجد عملاً بوصية الواقفين وتوريدها للدولة ((بيت مال المسلمين)) لإبراء ذمة الموقوفين.. ولكي تصل وصية الواقف أو نذره لما أوصى به.. أنا شخصيًا أراها وظيفة يجب أن لا توكل إلا للأتقياء والأنقياء من يثبت ورعهم واستقامتهم وحسن سيرتهم وسلوكهم المحافظين على الشعائر الدينية والقيم الأخلاقية.
لذلك، فإن تحري الدقة والجدية يجب أن يكون حاضراً ومن أهم أولويات ومهام مدراء الأوقاف في المحافظات والمديريات في من يستحق أن يكون أمينًا لإدارة وتحصيل أموال الوقف في كل منطقه ويجب مشاركة المجتمع في ذلك وتزكيته.
لأن الاختيار المناسب للرجل المناسب.. هو نجاح وإبراء للذمة وهو اول الطرق للتصحيح…
كما أنً الاختيار السيئ ((إن وجد)) وعدم التحري ومتابعة عمًال أو أمناء الأوقاف في العزل والقرى قد يوصل اشخاصاً غير أمناء .. ويعطي فرصة لممارسات تخالف وصايا الواقفين وتهز ثقة الناس .
وقد تُستخدم أموال الأوقاف والمساجد لتحقيق المصالح الشخصية، ومن هنا يأتي التفريط.
كما أن وصول العناصر (غير الأمينة لهذا العمل) قد يعكس نظرة سيئة عن موظفي الأوقاف الذين هم أرباب المنابر والمسؤولون عن المساجد ((بيوت الله)) وهم يحضون بحب و ثقة الناس واحترامهم النابع من ثقة الناس وحبهم للمساجد كأماكن مقدسه لا يتولاها إلا الأخيار والأتقياء، فهم قدوة وأهل ثقة وقدوة للناس في التعامل السليم المبني على احترام العهود والعقود وهم من أهل الحل والعقد
لذا فإن أموال الأوقاف وإدارتها والمحافظة عليها ليست قضية عادية، بل هي قضية حياة (( وجود ))عقيده ودين ودنيا ومساجد ودولة ومجتمع باعتبار أن الانسان خُلق للعبادة، وبيوت الله هي مركز العبادة ومنارات الهدى ومن هنا نقول بأن المحافظة على أموال الأوقاف وحُسن إدارتها هي محافظة على أهم دعائم الدين . لتفادي غضب الله سبحانه وتعالى ولتجنيب أموال بيوت الله أطماع المتهبشين وضعفاء النفوس…
علماً أن هناك أراضي وعقارات اوقاف.. تُباع وتُشترى. ويتعامل معها أو يتصرف فيها من هم مكلفون بحمايتها (أمناء اوقاف) بأمان وأريحية تامة وحريًة مطلقه نتيجة لغياب الرقابة والمحاسبة.. او لبُعد تلك القرى جغرافيا عن مراكز المديريات .. ولكونها تتبع أحيانا مساجد وأوقاف ربما لم تصل سجلاتها ووثائقها للجهات الرسمية…
فهل تدرك الجهات الرسمية وتنفذ توجيهات السيًد القائد وهل يمكن أن تقوم هيئة الأوقاف وتتخذ ((قراراً شجاعا)) بتغيير جذري لأمناء الأوقاف في العُزل والقرى.. وتشكيل اللجان ميدانية لمسح وتوثيق وثائق وعقود تأجير أموال الأوقاف((الكترونيا)) في كل المحافظات والمديريات.. كما فعلت وزارة العدل ونجحت في تغيير وتحديد الأمناء الشرعيين…وفقاً للكفاءات والاختيار المجتمعي .
أم أن أراضي وعقارات وأموال الأوقاف ستظل عرضة للنهب والفيد والبيع والمتاجرة بعيدا عن عيون ورقابة الدولة… واتقوا الله في حقوق وأموال ووصايا الواقفين…
ونستفيد من تجربة وزارة العدل التي غيّرت (الأمناء الشرعيين وربطتهم بالمحاكم) بعد ان اكتشفت ان تعدد الكتًاب ومحرري البصائر هو السبب الحقيقي لتركز وكثرة القضايا في المحاكم وانتشار القتل والقتال بين الناس.
أدعو الأخوة المحافظين ومدراء الأوقاف في المحافظات.. ومدراء عموم المديريًات إلى الالتفات لأموال الأوقاف المعرضة للتلاعب والعمل على متابعتها. واختيار العناصر النزيهة والموثوقة لحمل أمانة إدارة وتحصيل أموال الأوقاف في العزل والقرى والتحري عنهم ومتابعتهم.
وكذا أدعو خطباء المساجد والصحفيين والمثقفين… لتناول هذا الموضوع.. والمشاركة في تعميمه .. فكلنا مسؤولون.. أمام الله… كل من موقعه والله من وراء القصد، وهو مولانا ونعم النصير…

قد يعجبك ايضا