مقدمة:
مثلت ثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة في العام 2014م، حدثاً استثنائياً في تاريخ اليمن والمنطقة العربية، فهي الثورة الشعبية التي حظيت بتأييد ومشاركة كل أطياف ومكونات المجتمع اليمني، الأمر الذي أكسبها شرعية الفعل الثوري للمضي في إحداث التغيير، والخروج من واقع الخنوع والخضوع والتبعية التي اعتادت مراكز النفوذ طيلة العقود الماضية تنفيذها وتسخير مقدرات وثروات اليمن لخدمة الأجندة الخارجية ومصالح القوى الإقليمية والأجنبية، فجاءت ثورة 21 سبتمبر لإنقاذ اليمن من حالة التردي والانهيار على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية..بقلم الاستاذ/
محمود عبدالقادر الجنيد
ومن ذلك الواقع واستشعاراً للمسؤولية الدينية والوطنية، تحركت قيادة الثورة ممثلة بالسيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي، ومعه كل الأحرار والشرفاء من أبناء اليمن، حاملين أهدافاً عظيمة ومبادئ سامية وهوية إيمانية أصيلة متأصلة في شعب الإيمان والحكمة، ينشدون الحرية والعزة والكرامة والاستقلال، من خلال قطع أيادي التدخل الخارجي في القرار السيادي السياسي اليمني، خصوصاً وقد وصل الأمر ببلدنا اليمن – رغم ثرواته الهائلة والمتنوعة- أن يكون من الدول الفقيرة وأغلبية اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر.
ثورة 21 سبتمبر لم تكن ترفاً أو حدثاً عابراً بل ضرورة لإنقاذ الوطن
قبل الثورة.. تسابقت دول الجوار ودول الاستعمار إلى تقوية نفوذها ودعم عملائها وأذرعها لنهب الثروات، وتحويل اليمن إلى ساحة للصراع، ومرتع خصب لتواجد الجماعات التكفيرية من تنظيمي القاعدة وداعش التي نفذت العديد من الأعمال الارهابية في محافظات حضرموت وشبوة وأبين ومارب، وكلنا لا يزال يتذكر ما قامت به من أعمال القتل والذبح بهدف زعزعة الأمن والاستقرار واستهداف النسيج الاجتماعي اليمني.
ونخلص من خلال هذا التقديم الموجز إلى التأكيد أن ثورة 21 سبتمبر لم تكن ترفاً أو حدثاً عابراً بل كانت ضرورة لإنقاذ الوطن واستعادة السيادة اليمنية، ونبذ كل أشكال الوصاية والتدخل الخارجي، كما جاءت هذه الثورة لإحداث التغيير وتصحيح واقع وعمل مؤسسات الدولة كرافعة لإحداث التنمية والنهضة الشاملة والاستغلال الأمثل للموارد والثروات والمقومات التي يمتلكها ويتفرد بها اليمن.
الهدف الرئيسي من العدوان على اليمن وأد ثورته
بعد أن أدركت قوى التدخل الخارجي أن ثورة الـ21 من سبتمبر قد نجحت منذ اليوم الاول لانطلاقها، حيث انتصرت إرادة الشعب اليمني من خلال فضح مشاريع وأجندة التدخل والوصاية الخارجية، بل أن هذه الثورة الفتية – بفضل من الله ثم بفضل حنكة القيادة الثورية – كانت على درجة عالية من التنبه لمتطلبات مرحلة ما بعد نجاح الثورة، فنجحت في التوصل إلى اتفاق شراكة واضح المعالم بين مختلف القوى الوطنية وتجنيب الوطن أية مواجهات أو خسائر، فكان لهذه الخطوة أهمية كبيرة في تنامي الوعي الشعبي ومؤازرة الثورة وتبني أهدافها التي جاءت في مضامينها امتداداً لأهداف ثورة الـ26 من سبتمبر التي تم الالتفاف عليها من قبل النخب السياسية ومراكز القوى التي تقاسمت المناصب وتبادلت الأدوار في خدمة أجندات التدخل الخارجي.
وبعد خسارة أنظمة التدخل الخارجي لأذيالها وعملائها في اليمن، وأيضاً لتلك التنظيمات الارهابية التي كانت تحركها في العديد من المناطق، لجأت تلك الأنظمة المرتبطة أساساً بالاستكبار العالمي الصهيوني الأمريكي، إلى إعلان الحرب على اليمن في 26 مارس 2015م من واشنطن عاصمة الشيطان الأكبر، ظناً منها أنها قادرة بالقوة المفرطة والعدوان السافر على إعادة الأمور إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014م وإعادة وصايتها وتدخلها في الشأن اليمني.. وخابت بفضل الله مساعيهم العدوانية واستهدافهم الغاشم والمتخبط للأرض والانسان والمقدرات والبنى التحتية والخدمية، ناهيكم عن الحرب الاقتصادية والإعلامية، واستهداف الجبهة الداخلية بأساليب الحرب الناعمة، واستخدام العدوان للعملاء والمرتزقة لافتعال الازمات والفتن وفتح العديد من الجبهات التي وصلت إلى أكثر من 50 جبهة.
مسارات المواجهة مع العدوان وتحقيق الانتصار
وأمام كل ذلك تجلى لطف الله بشعبنا وثورته المباركة، وتجلت عظمة وحكمة القيادة الثورية التي أدارت المعركة على مختلف المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية، وحرص قيادة الثورة خلال تسع سنوات من المواجهة على وحدة الجبهة الداخلية، التي كان من ثمارها التحرك الجاد والفاعل من كل الأحرار والشرفاء لدعم الجبهات بالمال والرجال، وتقديم قوافل الشهداء والجرحى.. وعلى ذات المسار سعت قيادتنا إلى دعم الصناعات العسكرية وتطوير مختلف الاسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة، وبالتالي امتلاك زمام المعركة العسكرية والوصول إلى أهداف عسكرية وحيوية في عمق دول العدوان السعودي والاماراتي، وصولاً إلى إجبار دول العدوان على الاعتراف بالهزيمة العسكرية والإذعان للهدنة الانسانية التي ظنوا أنهم من خلالها سيحققون ما لم يتمكنوا من تحقيقه بالقوة العسكرية.
في المقابل سعت قيادتنا الحكيمة إلى مواجهة تداعيات الحرب الاقتصادية والاثار المترتبة على نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن، وحرمان موظفي الدولة من رواتبهم المستحقة من الثروات النفطية والغازية التي يسيطر عليها وينهبها العدوان ومرتزقته.
شعار (يد تحمي.. ويد تبني) جسدته الرؤية الوطنية
وفي خضم المواجهة مع العدوان، أطلقت قيادتنا الثورية والسياسية شعار (يد تحمي.. ويد تبني) للتأكيد على ضرورة البدء بمعركة البناء والتغيير كهدف من أهداف ثورة 21 سبتمبر، بالتوازي مع معركة المواجهة العسكرية التي فرضها العدوان على شعبنا اليمني.
هذا الشعار (يد تحمي.. ويد تبني) تجسد عملياً في مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية ومستهدفاته الرئيسية لإيجاد دولة قوية قادرة على تحقيق الحياة الكريمة لكافة المواطنين, واستنهاض مؤسسات الدولة نحو العمل المؤسسي والإدارة الفاعلة لتعزيز مؤشرات الأداء في مختلف المجالات، وهذا المشروع الوطني الكبير الذي تنفذ مراحله وخططه حالياً مؤسسات الدولة، هو أحد ثمار ثورة 21 سبتمبر المجيدة، وتأكيد على صمود ثورتنا المباركة التي حاولت القوى الإقليمية والدولية وأدها والحيلولة دون تحقيق كامل أهدافها، من خلال شن العدوان العسكري والحصار والحرب الاقتصادية، واستخدام كل الوسائل لزيادة معاناة الشعب اليمني.
التغيير الجذري من أهم أهداف الثورة
التوجه الصادق والجاد – الذي توليه القيادة الثورية والسياسية في إصلاح واقع مؤسسات الدولة – هو من الأهداف الرئيسية التي تبنتها ثورة 21 سبتمبر واعتبرته خطوة هامة في إحداث التغيير، لذا فقد حرص قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، على تشخيص واقع مؤسسات الدولة، والتوجيه بضرورة التخلص من الإرث الاداري العقيم الذي أفرغ الدولة وأبعدها عن مهامها الأساسية، وأخل بمفهوم الوظيفة العامة ومسؤوليات القيادات الادارية وشاغلي الوظائف التنفيذية، لهذا وصل الواقع بمؤسسات الدولة إلى ما وصفه قائد الثورة بالوضع المزري الذي يتطلب الخروج منه حلولاً وتغييراً جذرياً، وهو ما تحدث عنه السيد القائد في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام.. حيث شخّص الواقع وأخضعه للتقييم والبحث عن الاشكاليات القائمة، والأخذ بأفضل الخطط والبرامج لتحريك عجلة التنمية والبناء وإعادة إعمار ما خلفه العدوان من خراب وتدمير في البنية التحتية ومقدرات البلاد.. مع الاستمرار في تعزيز الصمود المجتمعي وتماسك الجبهة الداخلية.
وبهذا لا بد أن تشهد المرحلة المقبلة واقعاً متغيراً وتطوراً ملموساً في المسارات التنموية والخدمية وتحسين معيشة المواطن الذي صمد ولا يزال صامداً في وجه العدوان الغاشم.
حلول ومعالجات جذرية لحالة الاختلالات القائمة في إدارة مؤسسات الدولة
وإذا كان من الأهمية بمكان الإشارة إلى الخطوات الهامة التي قطعتها مؤسسات الدولة في السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ إطلاق الخطة المرحلية الأولى من الرؤية الوطنية 2019-2020م، والتحول من العشوائية في التخطيط إلى منهجية التخطيط الاستراتيجي المبني على دراسة وتحليل الوضع الراهن، كذلك تفعيل المتابعة المنتظمة للجهات أثناء تنفيذ الخطط، وإرساء آلية التقييم وفقاً لأحدث المنهجيات المتبعة، بالإضافة إلى اعتماد دليل تفعيل الخدمات وتبسيط الإجراءات والعمل به في مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات، واعتماد مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة.. وهي خطوات جيدة ومدخل مهم.
ومن واقع التحليل الدقيق للوضع الراهن لمؤسسات الدولة والتشخيص العميق للأداء المؤسسي، واستجابة لتوجيهات قائد الثورة بوضع الحلول والمعالجات الجذرية لحالة الضعف والاختلالات القائمة في إدارة مؤسسات الدولة، رأينا أهمية ما يلي:
– ضرورة تجاوز حالة الضعف والقصور في ممارسة الأدوار والمسؤوليات والمهام وإدارة العملية الإدارية في مؤسسات الدولة، من خلال تطبيق نظامٍ إداريٍ مؤسسي يعمل وفق مؤشرات أداء دقيقة، والحد من تنازع الصلاحيات وضعف التنسيق والتكامل والاتصال بين القيادة العليا والإدارة التنفيذية، مع معالجة حالة انعدام الثقة وعدم الانسجام بين القيادات على المستوى الأول والذي يليه.
– الحد من التعيينات غير المناسبة في مؤسسات الدولة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفق مبادئ الكفاءة والجدارة والنزاهة.
– معالجة حالة التفاعل اللحظي مع موجهات وتوجيهات القيادة والتي تتطلب تحويل تلك التوجيهات إلى برامج عمل لها نتائج وآثار على الواقع.
– الواقعية عند إعداد الخطط وتحديد الأولويات بصورة دقيقة وواضحة قابلة للتنفيذ، ومتابعة وتقييم مستوى التنفيذ بشكل جاد.
– توفير الموارد المالية سواءً النفقات التشغيلية الملائمة والمناسبة للجهات وتوفير المخصصات اللازمة لتنفيذ مشاريع الخطط التحولية وترشيد تلك الموارد وتوجيهها لتحقيق التنمية المطلوبة.
– التوجه نحو المسار الاستقلالي لأجهزة الخدمات، بحيث تدار وفقاً للأساليب الاقتصادية.
– تنفيذ الإجراءات الهيكلية للتخلص من القيود الإدارية التي تعيق انطلاق قوى الإنتاج الوطنية، وتبني الأساليب والمعايير المتطورة وترشيد اتخاذ القرارات، والاستفادة من الموارد المتاحة مع الأخذ في الاعتبار الإنفاق والعائد، سواءً أكان العائد مباشراً أو غير مباشر.
– ابتكار النمط التنظيمي الذي يحقق مشاركة المجتمع بطريقة فاعلة ومستمرة، إلى جانب تبني التنظيمات الإدارية القادرة على ممارسة الوظائف الإدارية الحيوية على المستوى الوطني وفي مقدمتها التخطيط الشامل والمتابعة وتقييم الأداء، وبناء قدرات الأفراد والنظم والأساليب.
مبادئ مهمة لتطوير الأداء المؤسسي
في جانب مبادئ تطوير الأداء المؤسسي، لا بد من التركيز على جملة من المبادئ المهمة والمتمثلة بالآتي:
– الالتزام بمبدأ سيادة القانون: فهو يشكل العنصر الرئيسي في الحفاظ على أسس المجتمع وهيبة الدولة.
– المساءلة والرقابة وما يترتب عليها من مسؤولية قانونية، بحيث تشمل مساءلة كبار القياديين والموظفين.
– التجاوب مع احتياجات المواطن: على مؤسسات الدولة خصوصاً الخدمية منها التجاوب مع حاجات وتوقعات المواطنين بهدف تأمين خدمات أفضل وتسهيل حصولهم عليها.
– الشراكة مع القطاع الخاص: ويجب على الحكومة دعم وتسهيل نمو القطاع الخاص مع الحفاظ على مصالح المجتمع، وتنظيم علاقة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بهدف تقديم الخدمة العامة ورفع مستواها، بالإضافة إلى الاستعانة بالقطاع الخاص في المجالات التي يتمتع بها بمزايا ومهارات عديدة وقدرة على التكيف واستيعاب التقنيات الجديدة.
– القدرة على التعلم والتجديد: ويشمل توفير مناخ عمل ملائم للموظفين للمبادرة والابتكار في إنجاز الأعمال مع توفير التوجيه والتشجيع والتحفيز، وتأمين نظام مستمر للمتابعة والمراقبة، وهي من الشروط الضرورية لنجاح القطاع العام في تأمين الخدمات وتقديمها للمواطن بكفاءة، وكذلك التجاوب مع متطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
– مواكبة التطور التكنولوجي: حيث تلعب التكنولوجيات الحديثة دوراً أساسيًا وفعالاً في عملية تحديث وعصرنة الإدارة، ودراسة كيفية الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتحسين أداء مؤسسات الدولة.
وختاماً..
لا بد من التأكيد على استمرارية ثورة 21 سبتمبر المجيدة حتى تتحقق كامل أهدافها ويلمس المواطن ثمار التغيير على أرض الواقع، بنهضة شاملة في مختلف المجالات.
وهذا يتطلب تضافر جهود الجميع والمشاركة الفاعلة والتحرك المسؤول بوعي للدفاع عن السيادة الوطنية والاستمرار في رفد الجبهات والتحلي باليقظة تجاه مراوغة أنظمة دول العدوان وتهربها من الاستحقاقات الضرورية لتحقيق السلام، وفي مقدمتها الملف الانساني.
وعلى الجانب الوطني، لا بد من استشعار المسؤولية والتنبه لمخططات الأعداء واستهدافهم لوحدة ولحمة الجبهة الداخلية، وسعي العدو من خلال أدواته وعملائه إلى افتعال الأزمات لزعزعة الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى أهمية مشاركة كل أبناء شعبنا اليمني – كل من موقعه وبالقدرات التي يمتلكها – في عملية البناء والتطوير والتنمية بمفهومها الشامل لبناء اليمن والنهوض بواقعه إلى الأفضل.