ماذا بعد أيها العالم؟!!

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

 

يبدو أن الغرب – وفي المقدمة أمريكا – وصلوا إلى قناعة تامة أن العالم الثالث لن يظل رهن الإشارة وطوع الأمر، وأن هناك إرادات صلبة وقوية تنشد الحرية وتجنح إلى الاستقلال بكل ما أوتيت من قوة، ولهذا تظهر بين الفينة والأخرى حركات استقلالية تواجه النزعات الاستعمارية التي خفت صوتها فترة من الزمن بعد ما سُمي بالحرب الباردة، وعاد الآن إلى الصورة ليتسع نطاق الصحوة الاستقلالية في عدد من دول العالم الثالث، وإذا كان العالم العربي وأفريقيا هم اليوم محط أنظار النزعات الاستعمارية الغربية بكل ما لديها من قوة ورغبة في التأثير، فإن هذه الدول وإن وجدت بداخلها عناصر ميالة إلى الخنوع والاستسلام إلا أن هناك أخرى تطمح إلى الاستقلال وحماية السيادة الوطنية بكل ما أوتيت من قوة، وإذا كانت اليمن مثالاً لذلك التطلع وتلك الآمال فإن ما يجري في النيجر اليوم يُقدم مثالاً آخر على نزعة الاستقلال والرغبة في تحقيق السلام على أساس عادل يحفظ السيادة الوطنية ويصون الكرامة ويحمي الثروة من النهب المتعمد، باستثناء دول الخليج العربية بالذات التي مثلت البؤرة غير السوية المستعدة للخنوع والاستسلام، بل وتتجاوز هذا لتصبح أداة من أدوات الاستعمار التي توظف لإيذاء الآخرين والاستحواذ على ثرواتهم، كما يحدث اليوم في اليمن وسوريا ولبنان والعراق والسودان وليبيا، بمجرد حسبة بسيطة وتقديرية عن الأموال الطائلة التي أنفقتها السعودية والإمارات وقطر على تخريب هذه البلدان وإثارة الفتن فيها يستغرب المرء ويتساءل بمرارة .. أين عقول هؤلاء الناس ؟ وأين ذهبت ؟ وكيف تحولت إلى أدوات للاستسلام والخنوع والطاعة العمياء؟ فلو أن هؤلاء كانوا يمتلكون القدر الكافي من العقل والمنطق لكانوا قد أنفقوا هذه الأموال في تنمية هذه البلدان وصنعوا لهم معروفاً لا يتزحزح داخل نفوس أبنائها لتتحول إلى رديف عملي يحميهم من نزغات الشياطين البشرية، بالذات القابعة في لندن وواشنطن وتل أبيب بقرونها السامة التي تحاول أن تخترق الشعوب من داخلها وتسيطر على أبنائها بالمال المدنس، ولكن كما يُقال (الخراب يأتي من الداخل) فلو أننا أصلحنا ذوات أنفسنا لما استطاع الغرب أن يوطن كل هذا الغزو الفكري الخبيث ولوصلنا إلى قاعدة هامة تحمي الكيان الداخلي للأمة وتضاعف قدراتها على الحماية الذاتية دون الحاجة إلى الآخرين، وهذا هو ما نطمح إليه ونتطلع إلى تحقيقه في كل أوان وحين برؤى صادقة تبحث عن العقل والمنطق وسلامة النفوس لتمكينها من التغلب على الخَبث الكامن في النفوس والذي يُجبرها على الاستسلام والخنوع والسير في ركاب الأعداء مقابل العداء الصارخ للأهل والإخوان والأوطان، وهذا هو حالنا اليوم نحن في الوطن العربي للأسف بعد أن فقدنا بوصلة التفكير الحقيقي أصبحنا نستنفد كل الثروات ضد بعضنا البعض والتآمر على ذاتنا بدلاً من تصويب البوصلة صوب الأعداء الحقيقيين للأمة، لم نستكمل ما صنعه الرواد في فترة التحرر من الاستعمار ونواصل الانعتاق من نير هذا الاستعمار، بل أصبحنا اليوم نعيش حالة حروب بينية ضد بعضنا البعض كمسلمين على أساس مذهبي أو طائفي أو حزبي، وحبذا لو أن الصفة الأخيرة كانت هي السائدة، لأنها مهما تصلبت ستكون مدخلاً للتفكير السليم والبحث عن الأفضل، لكن للأسف الصفتان الأولى والثانية هما السائدتان للكثير من حالات الصراع والأزمات الداخلية، وهذا ما يُعطي الآخرين – في الغرب بالذات – الفرصة لأن ينخروا في عظام الأمة ويحاولوا التأثير عليها بكل ما لديهم من قوة، وبالتالي فإننا نتساءل ماذا بعد أيُها الغرب ؟! وما هي الخطة الجديدة للاستحواذ على الأرض والسيادة والاستقلال؟! ويتكرر السؤال بصيغة أخرى لنا نحن العرب والمسلمين، ماذا نُريد من المستقبل؟ وما هي الصفة التي نسعى للوصول إليها في ظل هذه الصراعات الدامية والحروب المؤسفة؟ ستظل هذه الأسئلة معلقة في سماء الكون حتى تجد الإجابة الشافية، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا