سوريا ماذا عن السنوات العجاف !؟

هشام الهبيشان

 

 

عندما نعود بالذاكرة إلى سنوات عجاف مضت، نلاحظ أنّ الهجمة الشرسة والحرب الشعواء على سوريا، تلك كانت تستهدف في شكل أساسي، “العقيدة البنائية والفكر الاستراتيجي للجيش العربي السوري وثوابت الدولة وأركانها الأخرى، من مبادئ وطنية وقومية جامعة وشعب مقاوم زرع في فكره ووجدانه الحسّ الوطني والقومي، والأهم هو نهج السلطة السياسية التي زرعت هذه الأفكار وأصبحت قاعده لبناء سوريا القوية، سوريا عنوان المقاومة والقلب العروبي النابض، ومن هنا أدركت القوى التآمرية، أنها من دون تدمير وتمزيق سوريا واستنزافها، لن تصل إلى مبتغاها وهدفها الأعظم المأمول بتدمير فكرة المقاومة، وتنصيب “إسرائيل” سيداً للمنطقة العربية والإقليم ككلّ، وكلّ هذا سيتم، حسب مخططها، من خلال نشر آلاف الجماعات الإرهابية المسلحة على امتداد الأراضي السوريا .
ومع أعوام مضت من عمر الحرب على سوريا، علينا أن لا ننكر أن مجموع التضحيات الجسام التي قدمها السوريون، طيلة عمر هذه الحرب على سوريا ،قد ساهمت بشكل كبير بالتصدي لأجندة وأهداف ومخططات هذه الحرب، إلا إنّ هذه الحرب التي أرادتها هذه القوى التآمرية والشريكة بالحرب على الدولة السوريا لن تنتهي، ما دامت أدواتها الإرهابية وأوراقها القذرة موجودة على الأرض السوريا، فمنذ ما يزيد على عقد من الزمن، وجدت سوريا نفسها في خضم حرب عالمية في أشرس صورها، حرب معقدة ومركبة للغاية أسقطت فيها كلّ المعايير الإنسانية، عشرات الآلاف من الإرهابيين العابرين للقارات، وملايين الأطنان من الأسلحة التي دمروا بها مدن وقرى سوريا بأكملها، فقتلوا أهلها وضربوا مقومات حياة المواطن السوري، وحاربوه حتى في لقمة عيشه اليومية. حرب قوامها الكذب والنفاق والمصالح الصهيو- أمريكية، وليس لها أي علاقة بكلّ الشعارات المخادعة التي تتستر بها، ففي سوريا تمّ تجهيز تفاصيل المؤامرة، على مراحل وحلقات، وبمشاركة دول عربية وإقليمية، ورغم كلّ ذلك، أثبتت سوريا المستقلة بشعبها وبجيشها وبدولتها الوطنية أنها قادرة على الصمود، فصمدت رغم كلّ التحديات الداخلية والخارجية، وها هي اليوم تقف شامخة على أهبة الانتصار.
وهنا يجب تأكيد ،إنّ المعركة في سوريا لم تكن يوماً معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات، بقدر ما كانت ولا تزال معركة مع نظام عالمي جديد يُرسم للمنطقة، وينسج خيوط مؤامرته في سوريا ليعلن عن قيامه بقيادة قوى الاستكبار العالمية والماسونية اليهودية الصهيونية، بنسيجها اليهودي ـ المسيحي المتطرف “المسيحية المتصهينة “، وهذه المؤامرة تعكس حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكلّ ما يجري في سوريا، وهي الأهداف المرسومة والتي تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة إلى أقصى الحدود.
وقد كشفت تقارير شبه رسمية، وتقارير مراكز دراسات عالمية أنّ عدد الدول التي صدرت المرتزقة إلى سوريا تجاوز اثنتين وتسعين دولة وأنّ هناك غرف عمليات منظمة، لتدريب وتسليح هؤلاء المرتزقة ثم توريدهم وتسهيل عبورهم، لذلك من الطبيعي أن نجد اليوم كمّاً هائلاً من الإرهابيين المرتزقة قد دخل إلى سوريا، بهدف ضرب المنظومة السوريا المعادية للمشروع الصهيو- أمريكي، وضرب الفكر العقائدي المقاوم لهذه المشاريع، وخصوصاً المنظومة العقائدية للجيش العربي السوري واستنزاف قدراته اللوجستية والبشرية، كهدف تتبعه أهداف أخرى في المنظومة الاستراتيجية للمؤامرة الكبرى على سوريا، لأنّ تفكيك الدولة يستلزم تفكيك الجيش ومن ثمّ المجتمع ومن ثمّ الجغرافيا، وكان هذا الرهان هو الهدف الأساس من عسكرة الداخل السوري.
إلا أنّ الجيش العربي لسوري صمد وكسر بصموده كلّ الرهانات الشرقية والغربية الإقليمية والعربية، فالجيش العربي السوري حقق ومازال إنجازات كبيرة وهائلة في الميدان أذهلت العالم وغيرت سياسات ورسمت معادلات جديدة، لا يستطيع أحد القفز فوقها، والأهم من ذلك كله هو تلاحم الشعب والجيش والقيادة السياسية في معركة ضارية قادتها ومولتها ورعتها تسعون دولة في العالم، لكنّ إرادة الشعب السوري المتمسّك بأرضه والمؤمن بقضيته والمتفهم لحقيقة وطبيعة المؤامرة، أبعاداً وخلفيات، أفشل خطط الأعداء وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام .
ختاماً، يمكن القول إنه بعد مرور هذه السنوات المريرة على الدولة السوريا وما جلبته إليها من جراح عميقة ودروس تاريخية مريرة، إلا أنّ هذه الدولة بدأت تتعافى اليوم من هذه الجراح، لتبدأ، من جديد، مرحلة النهوض الأقوى وسيبنى على نهوضها هذا، الكثير من المتغيرات في المنطقة.
كاتب وناشط سياسي – الأردن .
hesham.habeshan@yahoo.com

قد يعجبك ايضا