إن من أعظم درجات الثقة بالله والتوكل عليه، إحساس المرء الدائم أنه في معية الله سبحانه، ومعية الله هي سبيل النجاة، الذي بدونها يبقى الإنسان مفتقرا – إلى نظرائه من بني البشر – ومتقهقراً، لا لشيءٍ وإنما معية الله معناها الارتقاء والرفعة والسمو عن أي ارتكان على أسباب ومسببات بشرية وخزعبلات دنيوية ونواميس متشددة ومترهلة وفي نفس الوقت الركون والتشبث بالمسبب القادر سبحانه، فما هي الدنيا بدون الله؟ !!!، وماهي حياة الناس إذا افتقروا لمعيته سبحانه ؟!!، ولأن معية الله هي صحبته وملازمته سبحانه في السر والعلن أينما صال وجال وتوجه كشخص غني ومترفع ومطمئن بمجرد إحساسه أنه مع الله- أي في معيته- هنا فقط يجد المرء فرقاً شاسعاً يصعب تقديره، في ما إذا كان في معية الله أو من دونه، قال تعالى :” آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ» صدق الله العظيم، فالله خير من غيره على مختلف الأحوال، فمن أنت وهذا وذاك وأنتم وأولئك أمام الله؟ قال تعالى : «فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» صدق الله العظيم، فلماذا بهت النمرود اللعين أمام نبي الله إبراهيم عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام ؟!. لاشك انعدام السبب ليسبب، فمن هو حتى يحرك ذرة من ذرات الكون ؟!!!، ومن هي تلك الآلة أو الوسيلة والشيء المسخر في الأرض وأي سبب ممكن أن يسبب بغير الله !!!!، قال تعالى :» مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ عليم» صدق الله العظيم لاحظوا عبارة « وأنه لذو علم لما علمناه» فمن علمه ؟، الله، وقال سبحانه : «كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ» صدق الله العظيم، فالكيد والمكيدة معناهما أنه كاد أن يحصل كذا فعملنا عملاً جعله كذا، – كاد أن/ كدنا -، أي أن الكيد يخرج بالشيء عما كان يفترض أن يصير فيصير بطريقة أخرى، ولذا قال الله :«كدنا»، أي أن الكائد ليوسف هو الله، أي أن كلمة كدنا هنا جاءت بمعنى ألهمنا، دبرنا وهكذا، والمكيدة نوعان مكيدة محرمة مثل كيد الكائدين في الأمور غير الشرعية كما يكيد الكفار بالمسلمين أو كيد أخوة يوسف بيوسف ورميه في البئر وهنا يختلف معناها فيصبح خديعة ومكراً، وجائزة كما هو كيد الله ليوسف وأخيه ليجعل عاقبة الأمر خير عقب، كيد أخوته له لسنوات والذين كانت عاقبة كيدهم شراً، وهنا نفهم الفرق في المعنى من خلال القصد والعاقبة لذلك الكيد، لأنه حاشا لله أن يأتي بكلمة كدنا لنبي وهي بمعناها منافية لما أمر الله نبيه أن يبلغ به.
إن لله شؤوناً في خلقه، ولله تدبيراً وتهيئةً في ملكه وملكوته، وللأسف كثيراً ما نشاهد الناس يغترون بأسباب الدنيا، متناسين أن هناك مدبراً حكيماً سبحانه، فصحيح أن الناس مقامات والحياة أرزاق، لكن :« إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» و«وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ» و«وخذ ما أتيتك بقوة وكن من الشاكرين» و«هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ» و«تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» و«فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ» صدق الله العظيم، كلها آيات بينات محكمات وغيرها الكثير التي لا يتسع المجال لسردها وتدل على أن الله هو المتحكم الذي يرفع ويخفض في المقامات والأرزاق وتؤكد في نهاية المطاف لكل إنسان أينما كان وكيفما كان مستواه الاجتماعي والمعيشي عزيزاً أم مهمشاً، غنياً كان أم فقيراً، أن من لازم معية الله فلا يخاف ظلماً ولا هضما.
لو نأتي لواقع الحياة ونتحقق في أهمية استلهام الإنسان لمعية الله له على الدوام، لوجدنا أن الله خلق الناس جميعاً وهو معهم وفي معيتهم أينما وجدوا في هذه البسيطة، إلا أن الناس هم من يتذمرون عن معية الله لهم ويتغافلون ويغترون ويضنون بالله غير الحق، وعندها ينجرون كما البعير المثقل بالتوابل إلى حيث يشاء ربه وليس له من دنياه إلا ما ارتوى وأكل بل وقد تمر عليه أيام وأسابيع ولا يذوق ماء ولا مرعى، وهكذا من كان ربه غير الله، يصبح الشيطان ربه وفي معيته ويسوقه إلى طريق الهلاك والضياع خطوة بخطوة !!!، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «كل ابن آدم يولد على الفطرة، وأبواه يهودانه أو ينصرانه «صدق رسول الله ، وقال تعالى : «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ» صدق الله العظيم، والفطرة هي ملة الإسلام الحنيف التي تجعلك في معية الله، فأنت بامتثالك لدين الله، فأنت مع الله والله معك، وكلما حققت لمجتمعك المسلم وأسرتك المسلمة وشخصك المسلم وعالمك الإسلامي شيئاً يرضي الله ورسوله فأنت مع الله والله معك، سواء في الجهاد في سبيل الله ومقارعة الكفار والمشركين أو أداء الصلاة في المسجد في جماعة أو إصلاح طريق أو جسر أو تفريج كربة مسلم أو حتى حضور مراسيم زواج مسلم بمسلمة فرحاً منك بتحقيق شرع الله في مجتمعك وعالمك فأنت مع الله، لأن الامتثال لدين الله بالتزام ما حث عليه في اعمل أو لا تعمل، معناه نصرة لدين الله وتحقيق لغايته ومراده في خلقه وأرضه وملكوته وذود عن حرمة شرعه وشريعته، لذا فكل مؤمن ومؤمنة يجب عليه أن لا يغفل معية الله وأهميتها من أجل تحقيق ذلك، حتى لا يضجر أو يمل وينهزم أمام ظروف العيش، فالإحساس بمعية الله قوة يجعل المرء دائماً في عزة وأنفة وكبرياء أمام أعداء الله، فكم هي المواقف التي واجهها المسلمون في مختلف بقاع الأرض أثناء مواجهة أعداء الله وافتقروا لمعية الله فانهزموا وخارت قواهم وتشتتوا وتشرذموا وانصاعوا لقرارات أعداء الملة، وكم هي المواقف التي استشعر فيها المسلمون معية الله لهم وأنهم مع الله والله معهم، فحققوا انتصارات ساحقة أمام أعداء الله ونكلوا ونكسوا راية الكفر وأعوانهم، وما أمر اليمنيين في المناطق المحررة ببعيد على كل مشكك ومرجف، حينما أطلقوها كلمة بداعي الجهاد «مع الله» أمام شرذمة التحالف العبري، فكان الله معنا، فانتصرنا وحققنا النصر باستشعارنا لمعية الله لنا رغم محدودية العدة والعتاد أمام ترسانة ليس لها حسيب أو رقيب، ولكن الله سلم، فكنا مع الله وكان الله معنا، ولازلنا مع الله في ظل استراتيجية الصبر الجميل أمام مماطلات وفبركات ومراوغات تحالف الشر «السعو أمريكي» الغاشم كمرحلة يجب الانضباط معها، لأنها حجة أمام الله نقدمها، من خلال صبرنا واستشعارنا معية الله وفي الأخير لن يصح إلا الصحيح «ولينصرن الله من ينصره»، ونسأل الله الصبر والثبات والتوفيق والنصر.
،،ولله عاقبة الأمور،،.