حلول ليبية تجاوزت المنعطفات الحرجة

هل يؤدي التوافق على “القاعدة الدستورية” في ليبيا إلى الانتخابات ؟

نذر انفراج قريب طرأ على مشهد الأزمة الليبية بعد التوافقات التي حققتها أ لجنة الـ 6+6 المشكلة من مجلسي النواب والدولة، والتي خلصت مؤخرا إلى صيغة توافقية لقوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية أو ما عرف بـ “القاعدة الدستورية” التي يأمل الشارع الليبي أن تُنظم على أساسها انتخابات تخرج ليبيا من نفق الحروب والفوضى والانقسامات.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله

النتائج التي خلصت اليها اجتماعات لجنة الـ 6+6 في المغرب مثلت خطوة مهمة في طريق المساعي المحلية والإقليمية والأممية الرامية إلى اخراج ليبيا من نفق الأزمة المستمرة منذ الإطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي، كونها قدمت لأول مرة حلولا ليبية لأزمة الانتخابات التي طال انتظارها.
وقبل أيام سلمت اللجنة المشتركة التي كانت تشكلت بناء على التعديل الـ 13 للإعلان الدستوري، وهو دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، الوثيقة النهائية لقانوني الانتخابات الرئاسية والتشريعية إلى مجلس النواب للمصادقة عليها بعد مفاوضات أجرتها في المغرب مدة أسبوعين أفضت إلى توافقات حول أكثر القضايا الخلافية في شأن الانتخابات التي دعا المبعوث الأممي عبد الله باتيلي إلى تنظيمها بحلول نهاية لعام الجاري.
وخلافا لمشايع الحل السياسي التي كانت تفرض من الخارج بدت أكثر الأوساط السياسية الليبية هذه المرة متفائلة تجاه مشروع اللجنة المشتركة لـ “القاعدة الدستورية” للانتخابات والمتمثلة بالقوانين الانتخابية، الذي بدا على درجة عالية من التوافق عبرت عنه تصريحات رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح الذي أكد انها حققت توافقاً يصل إلى 90%.
وتضمنت المخرجات المقرة من لجنة الـ 6+6 قانونين الأول هو قانون الانتخابات التشريعية لغرفتي البرلمان، والثاني قانون الانتخابات الرئاسية، وهما القانونان اللذان يتطلع الليبيون أن يطويا مرحلة صراع وانقسام وتوتر طويلة سادت التراب الليبي منذ الإطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي.
وكُلفت لجنة الـ 6+6 بقرار تشكيلها بصياغة القوانين الانتخابية وإيجاد صيغ توافقية للقضايا موضع الخلاف والتي حالت دون إقرار هذه القوانين طول الفترة الماضية، كما حالت دون انهاء الانقسام الحكومي، بين حكومتي الشرق والغرب الليبي والتأسيس لمرحلة جديدة بحكومة شرعية ورئيس منتخب ومجالس تشريعية واستشارية منتخبة.
ورغم الترحيب الذي ابداه رئيس مجلس النواب الليبي بمخرجات اللجنة، إلا أن المضي بهذه الخارطة لا يزال ينتظر مصادقة البرلمان عليها باعتباره المؤسسة التشريعية التي يتعين أن تصدر منها التشريعات، وكذلك المصادقة عليها من المجلس الأعلى للدولة.
والمرجح أن يواجه الجانبان اعتراضات من كتل سياسية وازنة من مجلس النواب تقدر بـ 61 نائبا فضلا عن حزب العدالة والبناء و54 من أعضاء مجلس الدولة، والذين أعلنوا في وقت سابق رفضهم المخرجات التي خلصت اليها المشتركة، غير أن رئيس البرلمان استبق هذه الخطوة بتطمينات أكد فيها إمكانية تجاوز هذه الخلافات بصورة مرنة.

أولويات مهمة
ظل غياب القوانين المنظمة للعملية الانتخابية التشريعية والرئاسية أو ما عُرف بين الأوساط الليبية باسم “القاعدة الدستورية” الحجرة العثرة التي طالما عرقلت المساعي المحلية والأممية والدولية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تخرج ليبيا من نفق الأزمة، وتؤسس لحكومة شرعية تعيد إلى ليبيا حالة الاستقرار.
وغياب هذه القوانين كان السبب في تعثر الانتخابات التي دعا اليها المجتمع الدولي في 24 ديسمبر 2021، غداة مؤتمر باريس الذي قررت فيه الأطراف الدولية تنظيم الانتخابات الليبية دون الالتفات لتعقيدات الداخل الليبي وفي المقدمة غياب “القاعدة الدستورية”.
وبدا أن اللجنة المشتركة التي تشكلت مناصفة من مجلسي النواب والدولة، قد افلحت في تجاوز منعطفات كثيرة، بعد أن حشدت جهودها نحو قضية واحدة هي التحضير لعملية انتخابية تنقل الأطراف الليبية من مربع الصراع إلى مربع التنافس السياسي السلمي بما يطوي صفحة الصراع الدامية في هذه الدولة الغنية بالنفط والغارقة بالأزمات.
وقد جاءت النتائج التي توصلت اليها لجنة الـ 6+6 لتعلن مرجلة سياسية جديدة في ليبيا قد تشكل أيضا أرضية صلبة ستقف عليها بعثة الأمم المتحدة في رؤيتها التي تسعى إلى تأمين العملية الانتخابية باتفاق سياسي يضمن مشاركة جميع الأطراف ويؤمن المتطلبات القانونية والدستورية والأمنية اللازمة لوضع البلاد على طريق الانتخابات في ظل بيئة متكافئة للتنافس الانتخابي بين المترشحين وبما يجعل نتائجها مقبولة من الجميع.

تأييد عربي ودولي
حظيت مشاريع اللجنة المشتركة والرؤية الأممية بشأن الانتخابات على تأييد قوي من الولايات المتحدة عبر مبعوثها إلى ليبيا رتيشارد نورلاند، ومن بعثة الاتحاد الأوروبي برئاسة خوسيه سباديل، الذين أعلنا مؤخرا دعمهما لدعوة مبعوث الأمم المتحدة عبد الله باتيلي القادة الليبيين إلى استكمال خطوات إجراء الانتخابات الليبية وانتهاز النتائج التي تم التوصل إليها في اجتماعات لجنة 6+6 بصياغة القوانين الانتخابية لاستكمال الخطوات التالية نحو انتخابات ذات مصداقية تستند إلى حل توفيقي ومشاركة جماعية.
وقد أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي أن تأييدها لرؤية المبعوث الأممي في دعوة كل الأطراف الليبية إلى معالجة جميع القضايا العالقة وحثها على الامتناع عن تكتيكات المماطلة الهادفة إلى إطالة أمد الأزمة، كون ليبيا بحاجة اليوم إلى انتخابات تجدد شرعية مؤسساتها.
وبالمقابل فقد حظيت التفاعلات بتأييد كبير من الجامعة العربية التي دعت إلى تشجيع الأطراف الليبية على تذليل العقبات التي تحول دون التوقيع النهائي على اتفاق القوانين الانتخابية بعد التوافقات المعلنة في المغرب.

فرص مواتية
أبرز التوافقات التي توصلت اليها مشاورات اللجنة المشتركة تمثلت بالمواد المتعلقة بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لرئاسة الدولة، حيث اقترحت اللجنة حلولا وسطية تعطي من يحمل الجنسية الأجنبية فرصة قبل الاقتراع لتقديم ما يفيد تنازله عنها، مع إيجاد بديل حاسم وهو أن يحل محله المترشح الذي يليه في عدد الأصوات.
كما قدمت اللجنة حلولا وسطية أخرى تتيح للجميع المشاركة في الانتخابات، بشرط ألا يكون من يصل رئيسا لليبيا حاملا لجنسية أخرى.
ومع تسليم اللجنة المشتركة رؤيتها للبرلمان، فإنها تكون قد حسمت خلافات شروط الترشح للانتخابات الرئاسية نهائيا استنادا إلى الصلاحيات التي منحت لها في قرار تشكيلها والتي نصت منح اللجنة صلاحية اتخاذ قرار نهائي وملزم بشأن القوانين الانتخابية يحال إلى مجلس النواب للمصادقة عليه بالصيغة التي توافقت عليها اللجنة المشتركة دون تعديل.
وطبقا لتأكيد سابق لرئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية عماد السايح، فإن تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية العام الجاري، ممكن في حال تم إنجاز القوانين الانتخابية المطروحة بحلول نهاية يونيو الجاري، وهو تاريخ متوافق مع موعد استئناف البرلمان جلساته بعد إجازة العيد.
لكن لجنة الانتخابات التي وضعت خطة لتنظيم الانتخابات تنتهي في بنهاية الربع الأول من العام الجاري، تتحدث عن أهمية تجاوز التحديات والعراقيل التي حالت من قبل دون إجراء لانتخابيات في المرحلة الماضية، ويتصدر ذلك الخلافات التي لا تزال قائمة بشأن النظام الانتخابي الملائم للساحة الليبية والذي يجب أن يتوافق مع تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد.
ولم يعرف حتى الآن ما إن كانت الصيغة النهائية للقوانين المقدمة من اللجنة المشتركة قد أقرت النظام الانتخابي الفردي أم النظام الانتخابي المزدوج الذي يجمع بين نظامي القائمة الحزبية والنظام الفردي، بواقع 65% لنظام القائمة و35% للنظام الفردي وفق ما اقترحه سابقا رئيس مفوضية الانتخابات الذي أكد أن ذلك سيمنح نتائج العملية الانتخابية الكثير من المصداقية.
يضاف إلى ذلك الخلافات بشأن استحقاقات وقواعد الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية حيث يرى البرلمان أن حصول المرشح على نسبة 50% + 1 يعتبر فائزا وليس هناك ما يدعو إلى جولة إعادة، إلا أذا كانت النتيجة متقاربة في عتبة الأربعينات لكلا المرشحين.
وهذا المعطى يبدو واقعيا تماما، إذ أن تنظيم جولة إعادة في حال أفضت الانتخابات إلى حصول أحد المرشحين على أكثر من 50% ستضر بلا شك بالعملية الانتخابية وستفتح الطريق لخلافات واحتجاجات قد تطيح بالعملية الانتخابية برمتها، كما ستفتح الطريق من جديد لدخول أطراف داخلية وخارجية عدة لعرقلتها وافشالها.

مطالب جماعية
في مقابل انقسام ليبي بدأ ينحسر حول بعض خلافات الملف الانتخابي بدا أن هناك رؤية مشتركة تجمع الأطراف الليبية والدولية والأمم المتحدة ة بأن الانتخابات هي وحدها من ستضع نهاية للأزمة الليبية وهي فقط من سيعيد لليبيين الاستقرار بحسم التنازع على الشرعية بين الحكومة المنتهية ولايتها في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة سابقا من البرلمان برئاسية فتحي باشاغا في الشرق.
والمؤكد أن طول أمد الأزمة اللبية وما خلفته من تشعبات وأزمات دفع بجميع القوى السياسية للمطالبة بتعجيل تنظيم الانتخابات وفق مبادئ الشراكة والنزاهة، وهو موقف يحظى بتأييد شعبي واسع، منح نتائج لجنة الـ 6+6 قبولا واسعا من جميع الأطراف التي صارت تشعر بالإنهاك من جراء طول أمد الأزمة في ظل الانسداد السياسي الطويل الذي عرقل طموحات الشعب الليبي بحكومة شرعية واحدة تخرج البلاد من أزماتها العاصفة.
زاد من ذلك أن التوافقات الأخيرة الصادرة عن اللجنة المشتركة جاءت ليبية تماما ودون إملاءات أو ضغوط خارجية، كما أنها وضعت أسسا متينة للانتخابات تتوافق والمعايير الدولية والأنظمة الدستورية السائدة في العالم، لن تكون قابلة للأخذ والرد بل ستكون ملزمة للجميع، كما تلزم البرلمان المصادقة عليها بالصيغة المقدمة من اللجنة دون اعتراض أو تعديل.

تحديات كبيرة
رغم أهمية الخطوات التي اتخذت حتى الآن على طريق تعبيد الطريق للمضي نحو انتخابات تنافسية، لا يزال هناك مشكلات فنية قد تكون موضع خلاف الأوساط السياسية اللبيبة خلال الفترة القادمة وتحت قبة البرلمان أيضا وفي الصدارة منها موضوع الحكومة التي ستشرف على الانتخابات.
والمقترحات التي تتحدث عن توافق وشيك بين مجلسي النواب والدولة على تشكيل حكومة مؤقتة للأشراف على الانتخابات قد تكون قابلة للتطبيق إذا ما حظيت بدعم من المجتمع الدولي الذي ينظر اليه بوصفه المتسبب الأول بالتعقيدات العميقة في ملف الازدواج الحكومي، والذي شجع حكومة الغرب المنتهية ولايتها بالإعلان عن رفضها السليم إلا لحكومة مشكلة من برلمان منتخب.
واي حكومة ستكلف بإدارة العملية الانتخابية ينبغي أن تحظى بالدعم الدولي الكامل وهو امر مطروح في الوقت الراهن على طاولة الأطراف الدولية المشاركة في الملف الليبي التي تواجه حاليا انقساما بين أطراف تدعم تنظيم الانتخابات نهاية العام الجاري وأخرى تدعم بقاء حكومة الوحدة الوطنية لضمان مصالحها لأطول فترة ممكنة.
والتحدي الآخر الذي قد تواجهه العملية الانتخابية هو استمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة والمليشيات التي لا تزال حتى اليوم تمثل المشكلة الأكبر في ليبيا، ويُخشى أن يتم استخدامها من أي أطراف داخلية أو خارجية لعرقلة الانتخابية.
وهذه الورقة تبدو اليوم في ملعب المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الذي أكد مؤخرا أن “حل هذا الملف لا يزال بعيد المنال” وينتظر منه التدخل لدى الأطراف الدولية المؤثرة في المشهد الأمني لوضع حد لهذه المشكلة التي يصعب الحديث عن انتخابات نزيهة وشفافة ومقبولة في ظل تواجدها غير الشرعي في الأراضي الليبية.

قد يعجبك ايضا