قبسات من وحي الدرس الثاني

منير الشامي

 

 

لا شك أن الكثير منا قرأ وصية أمير المؤمنين الإمام علي لابنه الإمام الحسن – عليهما السلام – مرات عدة لكن هل منا من تأمل في حروفها وتدبر كلماتها وتمعن في مدلولات عباراتها ؟
والإجابة للأسف لا، فالكثير قرأها ومر عليها مرور الكرام، وإذا كنا أصلا لا نتدبر القرآن الكريم إلا من رحم الله، فليس غريبا أن لا نتدبر ما سواه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غفلتنا الكبيرة، فنحن جميعا غافلون وغفلتنا غفلة هلاك لا نجاة إن لم نبادر للخروج منها سريعا وما دروس قائد الثورة التي يطل بها علينا في أيام الله إلا ومضات نورانية يهدف بها إخراجنا من غفلة الهلاك ولعل من تابع قائد الثورة واستمع إلى درس يوم أمس الأول ودرس أمس في شرح وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن يدرك حقيقة الغفلة التي نعيش سباتها، فمن خلال الدرسين اللذين قدمهما السيد عبدالملك – يحفظه المولى ويرعاه- وشرحه لجزء قصير منهما يجد أنه بين من ذلك الجزء القصير حقائق عظيمة ربما لم تخطر على بال الكثير ممن قرأها واستخرج قواعد ووضح مبادئ وقيم عديدة وارشد إلى قيم رفيعة وأخلاق عديدة يجب على كل مسلم أخذها والتمسك بها والتحلي بخصالها، وللتوضيح اكثر سأستعرض مقطعاً قصيراً من الوصية التي تناولها قائد الثورة في الدرس الثاني وهو قول أمير المؤمنين – عليه السلام – (واعرض عليه أخبار الماضيين وسر في ديارهم وآثارهم وانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا ونزلوا)، فهذا المقطع تضمن خمس عبارات موجزة، لكن فيها من القواعد والمبادئ والقيم والإرشاد ثراء فاحشاً تكفي النفوس لتستقيم – وتكفي القلوب لتتقي وتكف الفطن لتعي حقيقة الحياة وتدرك سنن الله في هذا الكون وآياته في البشر وتشهد بعظمة الخالق وحقارة الدنيا بما فيها ولنا أن نسقط هذا المقطع كما فصله قائد الثورة وشرحه على زعماء وأنظمة كثيرة ابتعدوا عن الحق وسخروا كل إمكانياتهم لتأمين حياتهم وحماية سلطانهم، عاصرنا ذروة قوتهم وعشنا عنفوان سلطانهم وظن أكثرنا أن زوال الدنيا أهون من زوالهم ولكن سريعا ما خابت الظنون، ونحن نراهم في أوضح مواقف الذل والخزي على ضفاف لحظات الزوال الأخيرة وهم في أدنى مستويات الضعف والهوان والخزي والفضيحة، قوتهم مسلوبة وسلطانهم منزوع، وفي ذات الوقت عاصرنا حياة الكثير من المؤمنين المستضعفين الذين أدركوا حقيقة الحياة الدنيا فتمسكوا بالحق المبين وانطلقوا طاعة لربهم في نشره وسخروا انفسهم للدفاع عنه ولم يترددوا عن حمل مسؤولية الحق لقلة عدد وعدة وكثرة عدو وقوته، فعاشوا أقوياء بلا عدد وأعزاء بلا مدد، صارعوا اعتى طواغيت الأرض بقوة إيمانهم وقارعوهم ببأس الحق الذي تمسكوا به وبسلطانه، فهزموهم رغم ضعفهم وانتصروا عليهم رغم قلتهم.. ففي سنن الله تعالى لا عدد اكثر من الحق ولا عدة اقوى من الإيمان عاشوا كرماء ورحلوا عظماء وكتب الله لهم الحياة والخلود وكتب لمن حاربهم من الجبابرة الفناء من الوجود.
أليست هذه حقائق معاشة تعكس سنناً إلهية لا تبديل لها ولا تحويل؟ !
ألا ينبغي علينا أن نعي أهمية دروس قائد الثورة ونستشعر حاجتنا الشديدة لها ؟
ألا ينبغي علينا الحرص على متابعة هذه الدروس والتزود من نورها والمضي على دروبها والاحتماء بحصونها من كل استهدافات أعداء امتنا وتجسيدها في مواقفنا لننتصر في مواجهتنا لهم ودفاعنا ضدهم عن ديننا وهويتنا وقضايا امتنا؟

قد يعجبك ايضا