فلسطين : أسطورة نضال وجرح أمة..؟! (1)

طه العامري

الأمر لا يتصل بفعالية المقاومة وحضورها بل بإرادة شعب، فالمقاومة بدون حاضنة اجتماعية وشعبية هي بمثابة (أعجاز نخل خاوية)، ومقاومة فلسطين هي شجرة وارفة أصلها ثابت وفرعها في السماء، إنها تتماهي مع شجرة الزيتون التي تقاوم التجذر بالتطلع، وتقاوم عوامل الطبيعية بالتعايش مع تربة المكان، ومن رحيق التربة تروي عطشها في زمان الجفاف، وتستمد من قيض التصحر مناعة الصمود وممكنات البقاء، ولأن الأرض مباركة فإن ما عليها يستمد ديمومته من هذه الميزة التي ميز بها الله حاضنة المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسري رسول البشرية النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام وعلى آله، من اتانا بنواميس العلم والمعرفة، فكان أول رائد فضاء وبلغ مرحلة لم ولن يبلغها كل رواد الفضاء الذين استوعبوا ما جاء به رسولنا الخاتم من العلوم المعرفية فعملوا بها وانطلقوا ولكن إلى مدى محدود قد لا يساوي 1٪ من المدى الذي بلغه نبينا الخاتم.
فلسطين إذاً ليست مجرد أرض عربية محتلة اقتطعت من الجغرافية العربية على خلفية مؤامرة استعمارية دنيئة شاركت فيها أطراف عدة عربية وإسلامية ولاتزال..؟!
لكنها _أي فلسطين _ تمثل (حلبة) منازلة بين الحق والباطل، كما هي عنوان إرادة أمة ومصدر إلهام امتها الممتدة من المحيط إلى الخليج، وهي كذلك درة الراية الإسلامية التي نسجتها إرادة الرحمن منذ عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام أبونا الذي (سمانا بالمسلمين) والذي بعثه الله ليشكل بنبوءته نقطة تحول في مسار البشرية المثخنة بتخاريف الباطل واساطيره التي ما أنزل الله بها من سلطان، فكانت نبوءة النبي إبراهيم عليه السلام، بداية لتحولات إلآهية مهدت لبعثة النبي الخاتم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله، الذي كانت فلسطين ومسجدها جزءا أصيلا في قائمة معجزاته صلوات الله وسلامه عليه، حيث كانت نقطة انطلاقه نحو الملكوت الأعلى في مسراء لم يسبقه إليه أحدا من مخلوقات الله، ولم يحظ بمثله أحد بعده، وان كان الإسراء معجزة، فإن جغرافية الانطلاق هي الأخرى معجزة في صمودها أمام جحافل الباطل وأدواته، ولم يكن الاحتلال (الصهيوني) منذُ حل على أرض فلسطين برعاية استعمارية وبتواطؤ عربي وإسلامي وتخاذل إنساني، اقول لم يكن هذا الاحتلال أكثر توحشا من طغاة سبقوه للسيطرة على هذه الجغرافية المباركة، بما تتميز من قدسية ذات صلة وثيقة بالاديان السماوية التي تشكل اليوم الوعي الجمعي للبشرية.
يمكن القول إن فلسطين تمثل اليوم معمل اختبار تكشف تداعياته عن حقيقة وأصالة العرب والمسلمين، وما إذا كان العربي عربيا فعلا، والمسلم مسلما فعلا، انتماءات تعبر عنها علاقتنا كعرب ومسلمين بفلسطين وقضيتها، التي لم تكن يوما هي المستهدفة من الغزاة والمحتلين كفلسطين، بل المستهدف من خلالها هم العرب والمسلمين، الذين بدون فلسطين لا قيمة لوجودهم ولا معنى لكل تحولاتهم حتى هويتهم ومعتقداتهم تبقى بدون فلسطين حرة ومستقلة ناقصة ولا جدوى منها، وان كانت الصلاة التي لا تنهي عن الفحشاء والمنكر لا جدوى منها، فإن لاجدوي ولا مكانة للعرب والمسلمين بدون فلسطين حرة ومستقلة..!!
فالحديث اليوم عن تطور وتقدم هذا القطر العربي أو ذاك الإسلامي، هو حديث الواهمين، وهو أشبه بس باب البقيع الذي يحسبه الظمآن ماء..؟!
وما يحكي عن تطور وتقدم العرب والمسلمين وامتلاكهم أدوات التطور والتقدم هو وهم نردده حتى نقتنع بأنه حقيقة، وهو للأسف مجرد وهم، فلا تقدم ولا تطور يمكن أن نتوصل إليه بمعزل عن تحرير فلسطين، وبدون تحرير فلسطين ستظل النطاقات العربية والإسلامية غارقة في أزماتها ومهددة بخسارة الدنياء والآخرة..!!
يتبع,,

قد يعجبك ايضا