طرح الأسئلة والبحث الجاد عن إجابات لقضايا الحياة العامة باعتبارها ملكية عامة لا يحق لأي سلطة دينية أو مدنية الانفراد بتحديد نطاقها، هذا المنطلق يجعل عبء الشراكة أخف وطأة وضرراً على السلطة والمجتمع من الانفراد بتقرير إجابات قطعية حولها غير قابلة للحوار الجاد المستمر ونتائجها أعم فائدة وأقرب لتحقيق السلام الاجتماعي الدائم، هذه – في اعتقادي – هي البداية المثلى في البحث عن جوهر العلاقة الطبيعية المنشودة بين سلطة طبيعية ومعرفة قائمة على حرية البحث العلمي.
ومن علامات السلطات البائسة ألا تفرق بين الحياة العامة والخاصة وحدود الحرية في أي منهما وأن حرية الأفراد لا يحدها إلا ما تسببه من ضرر بالغير، وأن تصرف جهدها في البحث عن كيفية إقصاء العقول الحرة بكل وسائل الإقصاء المادية والمعنوية أو تدجينها وتحويل كل عقل ينبض بالحياة إلى عقول جامدة موظفة في نشر الجهل وجعل الغباء كلمة المرور إلى المراتب العليا ، والناس إنما يعّولون على السلطات باعتبارها الأداة الرسمية المناط بها الجهد الرئيس في التغيير نحو الأفضل، كونها مؤتمنة على المال العام وكيفية إنفاقه في التنمية والوظيفة العامة وكيفية أدائها بما يحقق أفضل النتائج، وهي في مهمتها هذه يجب أن تخضع للثواب والعقاب وبشفافية كاملة.
وأعتقد أن من يتجاهل أو يهمل هذه الحقائق – بأي مستوى ويتغافل عن آثارها على الفرد والمجتمع – لابد أن يتحمل نتائج تجاهله وإهماله لماذا ؟!؛
ببساطة لأن العلم هو طريق استمرار الحياة، فالحياة تحيا بالحركة والحركة تزدهر بالعلم وبه تستمر وتتجدد وتورق وتثمر ، فكم هم الأحياء الذين يدافعون عن حياة العلم ويتصدون للأيادي الآثمة التي تعمل ليل نهار على قتل براعم العقول قبل إزهارها وتحاول وأدها في المهد، معتقدة أنها بذلك تحافظ على ديمومة سلطتها متغافلة عن كل ما يحيطها من حركة ، ومما يقيد حركتها في الاتجاه الأصوب اعتمادها على النفاق الحقيقي المؤدلج غير مكترثة بضجيج تجارب الماضي الحي القريب والبعيد المنفصل عن الوسائل الإنسانية النبيلة التي تحول الثورات الحقيقية الحية إلى فعل خلاق يؤمن بأن العلم وحده الكفيل بهذه المهمة الصعبة السهلة ، الصعبة على من لا يؤمن بهذه الرسالة ، والسهلة على من يعشق الحرية ويراها غذاء الحياة .
لا تعجبوا من هذا التجريد فما زلنا في مرحلة العلم المجرد ومازالت تحكمنا خلافات ما قبل ألف وأربعمائة عام، وأكثرها بؤساً المراوحة حول السؤال المعتق: هل نحتكم في حياتنا العامة والخاصة للعقل أم للنقل؟ لم نصل بعد إلى مرحلة الطفولة الإنسانية أو إن شئت في مرحلة التبشير بولادة حقيقية لكيان يحتضن مكونات الحياة بقلق يعكس حالة هذا المستوى من الجمود بل وفي بعض الأحيان تزداد حالة التنائي بين المعرفة والسلطة المسؤولة المدركة لأهمية التعاون بينهما في ما يفيدهما ويفيد بهما.
ما أتعس السلطة التي ما تزال تبحث عن مثقف موظف يبارك حياة القبور لاعن مثقف حر مُبشّر بميلاد فجر جديد لحياة يكون للحرية فيها المكانة الأسمى!،
وما أتعس السلطة التي تفرح بتنظير وزير أو موظف على أي درجة ينافقها بالتنظير لمنهج الاستعباد بدلا عن منهج حرية الاختيار من خلال الانتخاب الحر، لأن الانتخابات – طبعاً الحرة والمستقلة – هي أحدث طريق أفرزته التجربة الإنسانية والكفيلة بإنهاء حالة الصراع الدموي الغبي على السلطة، غير مدركة أن مثل هذا الوزير أو الموظف يضرها وأن التجربة التي أدارها حزب هذا الوزير لا علاقة لها بالانتخابات الحرة والنزيهة ولكنها نموذج للكذب وتزوير الانتخابات بكل وسائل التزوير المادي والمعنوي.
ما أتعس السلطة التي تبحث عن عبيد يمثلون دور الشراكة دون أن يكون لهم صلة بشراكة حقيقية، الشراكة الحقيقية إنما تكون بين الأحرار وليس بين حر وعبد، ومن يبحث عن عبيد ليمثلوا دور الشركاء ليس حراً، الشركاء الحقيقيون جسد واحد مهما تعددوا..!
وما أتعس المثقف أو من يدعي الثقافة ممن يقبل بوظيفة التابع لأي سلطة لا تؤمن بأنها كي تكون سلطة في خدمة الحياة لا بد أن تؤمن بتجدد الحياة، وأن الماضي لا يجوز أن يكون حاكما متحكما في الحاضر والمستقبل، لكل زمان دولته ورجاله ولكل عهد عهده وميثاقه، والمحور والدليل هو الإنسان الحر.
إنه لأمر جد محزن أننا ونحن في القرن الواحد والعشرين ما نزال أسرى النصوص الجامدة، ندور في دوامة البحث حول جواز أو عدم جواز إعمال العقل في ما نعمله وما لا نعمل بل وفي المسموح وغير المسموح التفكير فيه !، وتتقاذفنا النصوص المختلف حولها وعليها والتي يجندها من هم في السلطة وفق أهوائهم ومصالحهم.
واهمٌ من يحسب الحب غواية * غافلٌ من لا يرى أصل الحكاية