الثورة /
يتجه التجار إلى استغلال المواسم، ومنها في رمضان، وهو عمل منافٍ للقيم الأخلاقية التي قررها المشرع في البيع والشراء.. والمشرع لم يحدد في البيع نسبة معينة للربح كما في مطلق قوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ».
النص لم يحدد نسبة معينةٍ للربح، وإنما ترك المجال مفتوحا على ظروف التجارة عامة، وظروف التاجر والسلع، لكن، في المقابل، اقتضت الحكمة مراعاة ما تقضي به القيم والمبادئ من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير، كما أنه لم يغفل أن يحرم على التجار استغلال حاجات الناس بقوله عز من قائل: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ»، وفي ذلك إشارة واضحة إلى تجريم رفع الأسعار على خلفية احتكار السلع وإخفائها من العرض بصورة ممنهجة ومدروسة مسبقا.
وبهذا يصبح استغلال التجار لحاجة الناس في شهر الصيام بإخفاء سلع من أجل رفع أسعارها جرما لا يقل في بشاعته عن الاحتكار، بل ويدخل رفع الأسعار بدون حق في باب أكل أموال الناس بالربا، لقوله تعالى: «ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا».
ولا شك أن لجمهور المستهلكين دورًا واضحًا في زيادة جشع التجار في رفع الأسعار، وذلك من خلال زيادة الاستهلاك والإقبال المحموم على شراء السلع، وكأن الواحد منهم يشتري للمرة الأخيرة.
فلا بد للمستهلك أن يلتزم بضوابط متزنة للاستهلاك، حتى أنه مطالب بمقاطعة السلعة التي يقوم التجار برفع سعرها بدون حق، فعن رزين بن الأعرج قال: «غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة: أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب إلينا: أن أرخصوه بالتمر؛ أي أن أفضل حلٍ لمعالجة ظاهرة غلاء الأسعار هو المقاطعة، أو استبدال السلع الغالية بسلعٍ أخرى أرخص ثمنًا.. مثال: إذا رفع الجزار سعر اللحم فليتوجه الناس إلى شراء الدجاج، وإذا رفع التجار سعر الطماطم الطازجة فليتجه الناس إلى شراء صلصة الطماطم أو إلى خضارٍ أخرى وهكذا.
كما أن من ضوابط الاستهلاك الابتعاد عن الإسراف والتبذير، فيكفي أن يشتري الشخص مقدار حاجته من الشيء فقط، فالإسلام يدعو إلى الاعتدال في الاستهلاك، لقوله سبحانه وتعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوامًا».
وكذلك فإن من ضوابط الاستهلاك أن يكون الاستهلاك في حدود مستوى الدخل، أي الإنفاق بالمعروف، وهذا ما أكّدت عليه نصوص الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا»، والمعروف: هو الإنفاق بحسب الوسع بدلالة قوله سبحانه تعالى: «لا تكلف نفس إلا وسعها»، وقال تعالى: «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ».