نحن اليوم على مشارف توديع الذكرى الثامنة للعدوان واستقبال عام جديد، والوقوف أمام المقدمات لمعرفة النتائج من الضرورات بعد كل هذا الزمن الذي استغرقه العدوان على اليمن ولم يبلغ أهدافه، أو بتعبير آخر خاض حرب تدمير لم تحقق له أربا بل فرضت واقعا جديدا في مسار العلاقات الجيوسياسية في الجزيرة والخليج سارعت السعودية على إثره إلى توقيع اتفاق عودة العلاقات مع إيران .
وأظن أننا نتذكر أنه في الأيام العشرة الأولى من شهر يناير 2016م، ظهر محمد بن سلمان يقول: إن السعودية دولة مؤسسات وأن قرار الحرب على اليمن وقّعه الملك نفسه .
والحقيقة ثمة تضاد بين تصريحات الغر محمد بن سلمان والوقائع الثابتة، فقرار الحرب تم إعلانه من أمريكا ولم تعلنه الرياض.. والسعودية ليست دولة مؤسسات فشكل النظام تقليدي ينتمي إلى العصور القديمة ولا جديد فيه سوى بعض التقنيات والأدوات التي يستخدمها وتربطه بمظاهر العصر، والأجد فيه هيئة الترفيه التي استبدلت التراجيديا الدينية بالكوميديا العبثية .
ويبدو أمام مؤشرات ما قاله محمد بن سلمان أن السعودية التي تبدو أمامنا ونراها ليست إلا مؤسسة واحدة من منظومة مؤسسات ذات ارتباط عالمي وأن الملوك الذين يبدون في قصور اليمامة والرياض مجرد ديكورات وأدوات شكلية وإلا لما أعلنت عدوانها على اليمن من واشنطن، لكن الغر محمد بن سلمان لم يخرج من جوهر الحقيقة حين قال: إن قرار الحرب مُقر من قبل المؤسسات الرسمية وتم إعلانه من العاصمة الحقيقية وهي واشنطن، وهذا يفضى بنا إلى القول : إن السعودية ليست دولة وطنية ذات سيادة، ولكنها ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، بدليل القول: إن السعودية دولة مؤسسات، وبدليل إعلان الحرب على اليمن من العاصمة واشنطن، وتلك سابقة لم تكن لأحد إن كانت السعودية دولة وطنية مستقلة..
وفي مقابل ما قاله الغر محمد بن سلمان، شاهدنا المعتوه عبدربه منصور وهو يقول لإحدى القنوات العربية إن عاصفة الحزم لم يكن يعلم بها، وتفاجأ بها كما تفاجأ بها غيره، وقال: إن الأمريكان قالوا له لن يحدث شيء، ولكنه وهو في طريقه إلى السعودية تفاجأ بإعلان عاصفة الحزم، ومثل هكذا تصريحات لعبدربه تنفي ما كان يقوله أولئك الأعراب أو يقوله إعلامهم وتنفي طلب الحكومة الشرعية بمساعدتها على حركة من يصفهم الإعلام الخليجي “بالانقلابين”.
ويبدو أن السعودية لا تملك قراراً سيادياً، وهذا ما تفسره الوقائع والتصريحات وكذلك المعتوه عبدربه منصور لم يكن سوى قطعة في لعبة الشطرنج تحركها اليد الخفية وهو لا يعي ولا يدرك تموجات الأحداث ولا أثرها على النسيج الاجتماعي اليمني وعلى السيادة الوطنية اليمنية ولا يزال يظن نفسه رئيساً أو يصر على الشعور بذلك من خلال تدفق القرارات التي أصدرها ليشعر بوجوده باعتبار القرارات هي النشاط الوحيد الذي كان هادي يمارسه بعد أن قدم استقالته إلى الشعب، وبالتالي انتهت ولايته القانونية والشرعية.
ما تجدر الإشارة إليه أن تصريحات محمد بن سلمان وأقوال هادي واعترافاته تجعلنا أمام سؤال جوهري حقوقي يتوجب علينا تجميع أشلائه المتناثرة لنصل إلى إجابته في المستقبل القريب في المحاكم الدولية، فالظاهر الذي عليه السعودية أنها جاءت لمساعدة شرعية هادي وبطلب منه ويعترف محمد بن سلمان بتوقيع قرار الحرب من قبل الملك، وهادي ينفي أي طلب له وقال إنه تفاجأ بقرار الحرب.
ويبدو أن عفوية هادي وبدويته كانت وراء اعترافه الذي أوقع السعودية في حرج أخلاقي كبير بدليل أن السعودية أخذت هادي وفرضت عليه الخطاب الذي قرأه في اجتماع الجامعة العربية المنعقد بالقاهرة عام 2016م، وطلب فيه استمرار عاصفة الحزم حتى خروج “الانقلابين” وهو أول طلب معلن، والملاحظ قوله استمرار عاصفة الحزم وهذا يعني أن هادي لم يطلب من السعودية قبل ذلك أية مساعدة وقد لاحظ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يومها أن هادي كان كالأسير في يد الجهاز الأمني السعودي وفي يد سلمان الذي جاء به إلى القاعة ليلقي خطابه ثم غادرها سلمان وهادي قبل انتهاء الجلسة، وقد قال هيكل يومها كيف لهادي مغادرة قاعة الاجتماعات مع الملك سلمان قبل نهاية الجلسة خاصة والاجتماع كان مخصصاً لمناقشة القضية اليمنية.
في ظني أن ثمة معطيات في مسار الأحداث وثمة فلتات قد تفيد حركة التقاضي الدولية لآل سعود والأمريكان في المستقبل، وتكثيف الجهد في التأمل والتوثيق يساعدنا في السيطرة على مجريات الحدث في المستقبل وقد يساهم في تعزيز قوتنا في التحكم في مسارات المستقبل وتفاعلاته .
ومع تكرار الذنوب التي تمعن فيها السعودية في حق اليمن واليمنيين تصبح القضية الوطنية اليمنية أكثر تشعبا ولا أظن السعودية ومن ورائها أمريكا سوف تفلت من العقاب ولو بعد حين، فقد تواتر في واقع النظام الدولي إحياء قضايا كانت في عداد المؤجل بسبب ظرف سياسي ما وعندما برزت الضرورة السياسية عادت القضايا المؤجلة إلى الواجهة .
ومع تجدد الضرورة السياسية للمملكة للحوار المباشر مع اليمنيين تكون المملكة أمام فرصة قد لا تتكرر لها في المستقبل، إن لم تقتنص اليوم فهي لا تتعظ من الوقائع والأحداث ومن مفردات الوهم الذين وقعت فيه.
لا خيار لليمن أمام هذا العدوان إلا الانتصار ولا خيار للمملكة للخروج من مأزقها سوى الحوار المباشر مع اليمنيين ونبذ مرتزقتها فقد تجاوزتهم الأحداث.
وفي ظني أن استمرار الحصار على اليمنيين ليس في مصلحة السعودية لا اليوم ولا غدا، فالإنسان في اليمن يدرك تمام الإدراك أن قطع المرتبات وراؤه السعودية بشكل مباشر ومنع المشتقات النفطية من الوصول إلى اليمن وراؤه السعودية – فالسفن تحتجز قبالة ميناء جيزان – وهذا في حد ذاته يترك أثرا في نفوس الناس وفي وجدانهم وفي العلاقات المستقبلية بين اليمن والسعودية، فالقضية تتجاوز العدوان في الحاضر وتمتد إلى المستقبل، ومن الغباء أن تكون علاقة المملكة باليمن غير سوية، فالقادم هو صراع إقليمي بدأت مؤشراته تبرز على السطح. تركيا سوف تتواجد في البحر الأحمر ولها وجود في قطر وفي السودان وفي القرن الأفريقي، فالأمن القومي المصري والسعودي مهددان، كما أن تواجد تركيا في العراق وفي سوريا وفي ليبيا له أثره على السعودية حينها ستكون اليمن أمام خيارات متعددة وسوف تكون السعودية محشورة في زاوية ضيقة إن لم تتدارك نفسها وتعيد ترتيب أوراقها وتعتذر لليمن وتدخل في حوار مباشر معهم حتى تتمكن من التحرك في مساحات أكثر اتساعا تضمن لها ولو الحد الأدنى من الوجود والتأثير .