شكلت قمة الدار البيضاء عام 1974 م نقطة تحول في العلاقات العربية _العربية، وعلاقات الأنظمة العربية بقضية فلسطين، وكذا بعلاقات العرب مع محيطهم الآسيوي والأفريقي، وعلاقتهم مع المجتمع الدولي، وبرز دور وتأثير النظام السعودي في أعمال تلك القمة وما بعدها، وهي القمة العربية الأولى التي عقدت من دون الرئيس جمال عبد الناصر..
في تلك القمة طالب الرئيس حافظ الأسد بإدراج قضية (الجزر الإماراتية) التي قيل أن إيران (الشاه) احتلتها، ضمن البيان الختامي للقمة، فرفضت السعودية وبقية دول الخليج، حتى أن الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات _حينها _قام من مقعده وذهب، حيث يجلس الرئيس حافظ الأسد وقبل رأسه ورجاه أن لا يشير للجزر المذكورة وأبلغه حرفياً (إن هذه القضية سنحلها ودياً بالتفاهم مع الإخوة في إيران)..!
وهذه الحقائق مدوّنة في محاضر اجتماعات القمة المذكورة التي شكلت بانعقادها بداية للغطرسة السعودية ومحاولتها الهيمنة على القرار العربي والإرادة العربية ناهيكم عن مزاعمها كدولة إسلامية وحاضنة للمقدسات الإسلامية، إضافة لمّا تملك من قدرات مادية إثر الطفرة النفطية التي حدثت بعد حرب أكتوبر، عوامل دفعت النظام السعودي إلى التطلع نحو زعامة العرب والمسلمين، خاصة بعد وفاة عبدالناصر، وبالتالي لم يبق من ينافسها، وراحت (الرياض) على إثر كل هذه المقومات تحاول فرض قناعتها على العرب والمسلمين ومحاولتها احتواء ما أسمته حينها _التطرف الفلسطيني _ منفذة مطالب أمريكا والصهاينة والمحاور الاستعمارية الحليفة لهم، وفي سبيل تحقيق غايتها راحت الرياض تحرض السلطات اللبنانية برئاسة الرئيس سليمان فرنجية على الوجود الفلسطيني وخاصة (تيار المارونية السياسية) ناسجة معه تحالفات سرية وعلنية في محاولة من الرياض تكرار ما سبق وأقدمت عليه في الأردن، في ذات الوقت الذي راحت فيه الرياض تضيّق الخناق على الثورة الفلسطينية ومساومتها بالدعم المفترض أن تؤديه السعودية للمنظمة، الأمر الذي دفع بعض صقور المنظمة إلى القيام بالعملية الشهيرة في (فيينا) والتي تم خلالها اختطاف أعضاء منظمة أوبك _وزراء النفط في الدول المنتجة للنفط _وفيهم وزير النفط السعودي أحمد زكي يماني.. ومن فيينا إلى الجزائر، حيث تم الإفراج عن الوزراء بعد دفع فدية مالية كبيرة كانت كفيلة لتمويل صفقات تسليح لبعض فصائل المنظمة وتغطية تكاليف احتياجاتها..
لتأتي لاحقا أحداث أفغانستان بعد انقلاب الحزب الشيوعي الأفغاني على النظام الملكي وإعلان الجمهورية، فسخرت السعودية كل قدراتها وطاقاتها وإمكانياتها وعلاقاتها العربية والدولية في سبيل نصرة أفغانستان وإسقاط نظامها الجديد الذي حظي بقبول الشعب الأفغاني، لكن أمريكا وباكستان ترفضان وجود نظام اشتراكي في كابل وحليفاً للاتحاد السوفييتي، فتبنى النظام السعودي ومعه حلفاء أمريكا في الوطن العربي مهمة (الجهاد في أفغانستان) والقيام بحملات تحشيد وتجنيد الشباب للجهاد هناك، وهو ما لم يحدث مع فلسطين والثورة الفلسطينية، اللذان مارست بحقهما السعودية المؤامرة تلو المؤامرة ولاتزال مؤامراتها مستمرة بحق فلسطين الشعب والقضية والحقوق حتى اليوم..!!
يتبع..