نائب مدير عام التسويق: يجري العمل على إنشاء سلسلة من الأسواق المركزية ووضع آلية تسويق مجزية لكل حلقات سلاسل القيمة
زارعة الحبوب في الجوف.. نجاح باهر يقهر باستمرار إغراق السوق المحلية بالمستورد
رئيس جمعية المتون: إغراق السوق بالحبوب المستوردة جعل زراعتها محلياً غير مجزية لدى البعض
الباحث الشرعبي: هناك اتحادات زراعية تثقل كاهل المزارع برسوم الاشتراكات وتعيش حالة من الركود الكلي
مزارعون: منتجاتنا تتكدس في المخازن وتتعرّض للتلف لإقبال الناس على المنتجات الأجنبية التي تملأ الأسواق
منذ قيام ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، اتخذت اليمن من تعزيز جهود العمل التشاركي الحكومي- المجتمعي مساراً استراتيجياً وجهت إليه القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى من أجل إحداث نهضة تنموية محلية مستدامة تستند في وضع وتنفيذ خططها واستراتيجياتها إلى المبادئ العلمية والخبرات العملية والموروث الشعبي القائم على هدى الله، والمشاركة المجتمعية الواسعة.
الثورة /الحسين اليزيدي
وهو المسار الذي على ضوئه مضت “الثورة الزراعية” بإشراف من اللجنة الزراعية والسمكية العليا والتعاون والتنسيق مع شركاء التنمية في الحكومة والقطاعين العام والخاص والسلطات المحلية والفعاليات المجتمعية إلى بناء وتنمية قدرات ومهارات كوادر العمل التشاركي الحكومي- المجتمعي بما يؤهل الجميع الوصول إلى غاية الأمة في تحقيق استقلال القرار الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي.
ولعل أهم خطوات هذه الثورة هي استجابة المجتمعات المحلية في توجه جاد وصادق عبرت عنه المبادرات المجتمعية التي انطلقت بجهود وإمكانيات مجتمعية ذاتية إلى بناء وإعادة تأهيل السدود والحواجز والكرفانات والبرك لحصاد مياه الأمطار، وشق وإصلاح القنوات واستصلاح الأراضي وشق وتعبيد الطرقات وبناء وصيانة المنشآت التعليمية والصحية…إلخ، وصولا إلى تفعيل وتأسيس الجمعيات التعاونية الزراعية متعددة الأغراض.
وفي ميدان الحراك التنموي كانت لنا وقفة سريعة مع الفارس التنموي (زايد بن ثيبة)، من أبناء مديرية خب الشعف محافظة الجوف، والذي أوضح أنه عقب دورة فرسان التنمية التي نظمت لها مؤسسة بنيان لمجموعة من شباب المنطقة وهو أحدهم، أدرك وزملائه أهمية توعية أبناء منطقته.
مشيرا إلى أنه وزملاؤه بادروا بروحية الإحسان إلى تحفيز المجتمع، كلا في محيطه، على حشد الطاقات والإمكانيات المتاحة من أجل تفعيل المبادرات المجتمعية وتشكيل التعاونيات الزراعية والاتجاه نحو استثمار المساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة واستصلاح كل شبر متاح فيها لزراعة القمح وأنواع الحبوب والبقوليات والفواكه والخضروات، مؤكدا أن الجميع استجاب وشمر بما لديه من المتاح من الجهد والإمكانية لكسر شوكة ظروف وتبعات الحصار والعدوان المفروض على بلادنا منذ 2015م.
وبين أن عودة روحية التعاون إلى نفسيات الناس جعلتهم يسارعون إلى إطلاق المبادرات والتنسيق والعمل الجاد والبحث عن الإمكانيات اللازمة لاستثمار المساحات الزراعية ومضاعفة الإنتاج، جهد جماعي نجح في إنشاء الجمعيات، ومنها تجمع جهود وامكانيات الجميع فتوزعت الأدوار بين البحث عن الدعم أو أخذ قروض ميسرة وفتح الباب أمام المستثمرين بالتعاون مع السلطة المحلية في المحافظة.
تحرك المزارع ثيبة مع مئات المزارعين في خب والشعف وبقية مديريات محافظة الجوف قاد، حسب توضيحه، إلى إنشاء وتأسيس كيانات تعاونية زراعية، كما حصل في منطقة المتون، والتي دشّنت قبل عامين “جمعية المتون الزراعية”، بهدف إعداد وتنفيذ الخطط الزراعية الهادفة لمساعدة المزارعين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي خلال مدة تصل إلى 8 سنوات.
وأشار ثيبة إلى أن المزارعين أدركوا أهمية الزراعة في خدمة البلاد، وخلق هذا الهم الوطني في نفوسهم، وبدأوا بالبحث عن دعم وطرق في استثمار المساحات الزراعية، التي أصبحت بالوقت الحالي تزرع ما يقارب نسبته 75 % من المساحات الزراعية التي كانت غير إنتاجية.
مزارعون، من جهتهم، أكدوا أن الجهود ضاعفت مستوى النشاط الزراعي خلال الثلاث سنوات الماضية، وحقق النشاط الزراعي ارتفاعا ملموسا في الإنتاج؛ لكن، ويا للأسف، منتجاتنا تتكدس في المخازن وتتعرّض للتلف لإقبال الناس على المنتجات الأجنبية التي تملأ الأسواق، فضلًا عن عدم توفّر غرف عمليات لتنسيق ومتابعة الأسواق في جميع المحافظات، تساهم في عملية التسويق والتوزيع، الأمر الذي تسبّب بخسائر باهظة في الأرباح للمزارعين.
تحدي الضمانات
من جهته أوضح رئيس جمعية “المتون”، يحيى الفقيه، أن الجمعية وضعت في برامجها خططا لتوفير البذور والأسمدة وحفر الآبار وبناء السدود واستصلاح الأراضي، وقد اقتصر العمل في بداية الأمر، على توفير البذور والأسمدة، نتيجةً لضعف الإمكانيات وغياب الدعم في استصلاح الأراضي وبناء السدود.
على الرغم من ضعف الداعمين، إلّا أن الجمعية، بحسب الفقيه، أنجزت مشاريع تتعلق بتوفير البذور والأسمدة وبدعم من السلطة المحلية بالمحافظة.
وبخصوص الاستثمار، يقول الفقيه: “قمنا بتأسيس مكتبٍ للاستثمار، يهدف إلى جذب المستثمرين، ويوجد حاليا أكثر من 50 مستثمرا في كل مديرية، لكن يقتصر الاستثمار على اتجاه المستثمرون إلى الفواكه والخضروات دون الحبوب كون عائدات الحبوب غير مجزية في ظل استمرار إغراق السوق المحلية بالمستورد”.
ومن أبرز المعوقات التي تواجهها الجمعية، يؤكد الفقيه تتعلق بشروط المستثمرين، إذ يشترك بعض منهم بضمانات تجارية مشروطة أن الضمناء من خارج المحافظة، ونظرا لعجز المزارعين في الحصول على ضمانات من خارج مناطقهم، فقد مثل ذلك عقبة كبيرة أمامهم، داعيا الجهات المختصة بالمحافظة إلى حل الإشكالية والقيام بواجباتهم تجاه المزارعين.
عملية تصويب
وبعرض القضية على نائب مدير عام التسويق والتجارة الزراعية بوزارة الزراعة والري علي الهارب، أكد أن السلبيات مشتركة ما بين الشركات التعاقدية والجمعيات التعاونية والجهات الرسمية المشرفة والمراقبة للعملية بصورة عامة، فالكل لا يزال أمام تجربة جديدة تم تدشينها في 2020م.
وأضاف أن عملية التصويب مستمرة من خلال إعداد خطط وبرامج واستراتيجيات تحديث وتطوير آليات التكامل والتعاون وتحديد أطراف الضمانات بالاتحاد التعاوني الزراعي، كممثل وضامن للجمعيات أمام الشركات التعاقدية عقود إنتاج المحاصيل التي تلتزم فيها الشركات بتقديم مبالغ مالية أو مدخلات، أما ما لا تلتزم فيه الشركات سوى بشراء المحاصيل فقط، فلا ضمانات.
مؤكدا أن الإجراءات سارية في تحقيق إنجاح المشروع بالشكل المنشود في هذا الجانب، وبعون الله وتوفيقه ومن ثم جهود المخلصين في الشركات والجمعيات والجهات الرسمية سنتجاوز كل المعوقات ويتحول مشروع الزراعة التعاقدية إلى فرص مثمرة.
وعن فجوة التسويق، قال الهارب “إنه يجري العمل على إنشاء سلسلة من الأسواق المركزية لتنظيم تدفق المنتج المحلي من كل المحاصيل الزراعية بصورة تضمن وصوله إلى المناطق اليمنية مع ضمان ثبات سعري مجز لجميع حلقات سلاسل القيمة للمحاصيل، هذا بالإضافة إلى مشروع الزراعة التعاقدية السابق تفصيله. وهناك إجراءات توقيف استيراد المحاصيل بالتزامن التدريجي مع إنتاجها محليا، وإلى اللحظة قد تم إيقاف استيراد 7 محاصيل وإحلال المنتج المحلي في إطار تنفيذ سياسة عكس فاتورة الاستيراد نحو المزارع اليمني”.
جمود الاتحاد
الباحث الاقتصادي، نبيل الشرعبي بدوره قال إن على وزارتي الزراعة والري، والصناعة والتجارة، تقع مسؤولية إيجاد خطط تسويق فعالة على المستوى المحلي والخارجي، وتحمل مسؤولية تسويق المنتجات الزراعية وبأسعار تحقق للمزارِع استرداد تكاليفه، وربحا يساعده على الاستمرار والتطوير والتوسع في العمل الزراعي.
وأكد على أهمية إنشاء مخازن تبريد مركزية، وتأسيس أسواق، إلى جانب قيام وزارة الصناعة والتجارة بتشجيع رؤوس الأموال على التوجّه نحو تأسيس معامل تكرير وحفظ المنتجات الزراعية، وكذلك إعادة التصنيع.
وأردف “وتكمن مختلف هذه التوجهات الضرورية لاستغلال النشاط الزراعي الحاصل في محافظة الجوف، بما يسهم في تعزيز القطاع الزراعي ونهضة المحافظة اقتصاديا، إذ يتوجب على كل الجهات المختصة مساندة المزارعين، وحل ما يواجهونه من إشكاليات وصعوبات، لا سيما المتعلقة، بإعادة هيكلة كافة الاتحادات الزراعية التي تزيد من معاناة المزارع، وتحميله مزيداً من رسوم الاشتراكات، والركون عليها، في حين تعيش بحالة جمود كلي”.