حذر خبير الآثار اليمنية الأخ صادق سعيد عثمان من عمليات التدمير المتواصل التي تتعرض لها قلعة الدملؤة بمديرية الصلو محافظة تعز من قبل المواطنين وإحدى شركات اتصالات الهاتف النقال وقال صادق سعيد إن قلعة الدملؤة في مديرية الصلو تعد من أبرز معالم اليمن الآثارية ومن أحصن حصونها على الإطلاق وتأتي قبل حصن ثلا من حيث المنعة والمكانة والاستخدام عبر التاريخ ما من دولة من دول اليمن عبر التاريخ القديم والإسلامي والمتوسط إلا واتخذها حصناٍ منيعاٍ عصياٍ على الغزو إذا تساقطت كل معاقل اليمن تبقى قلعة الدملؤة عصية على السقوط. والدملؤة كما قال عنها المؤرخ محمد بن علي الأكوع هي قلعة شماء يقصر الوصف عنها وآية في المناعة وصعوبة المرتقى وطالما استعصت على المغيرين واستهزأت بالملوك والسلاطين ورجعوا عنها خاسرين ناكصين.في حين يقول عنها خبير الآثار صادق سعيد إن القلعة التي لم يتم الاستيلاء عليها قهرا خلال الحقب التاريخية المختلفة تتعرض اليوم للإهمال وعدم اهتمام الجهات المختصة في الهيئة العامة للآثار والمتاحف ولا ندري لماذا يتم غض الطرف عنها من قبل الدولة والجهات المختصة.
وأشار سعيد إلى أن تاريخ بنائها يعود إلى ما قبل الإسلام وأن القلعة لعبت دوراٍ بارزاٍ خلال التواجد العثماني في اليمن لاسيما عهد الدولة الرسولية والنصف التأسيسي للملك الأفضل يرجع تاريخه إلى (768)هـ والذي يتوجب أن يرفع إلى متحف تعز كونه يتألف من جزأين في حين تقول المصادر التاريخية إن القلعة تعد من أهم قلاع اليمن وقد أجاد في وصفها لسان اليمن “الهمداني” في كتابه “صفة جزيرة العرب” بقوله: “قلعة ابن أبي المغلس التي تطلع بسلمين في الأسفل منهما أربعة عشر ضلعاٍ والثاني فوق ذلك أربعة عشر ضلعا بينهما المطبق وبيت الحرس على المطبق بينهم ورأس القلعة يكون أربعمائة ذراع في مثلها فيها المنازل والدور وفيها شجرة تدعى الكلهمة (بسكون اللام وضم الكاف وسكون اللام الثانية وضم الهاء وفتح الميم) تظل مائة رجل وهي أشبه الشجر بالتمار ولا تزال موجودة إلى اليوم وفيها مسجد جامع فيه منبر وهذه القلعة ثنية من جبل الصلو يكون سمكها وحدها من ناحية الجبل الذي هي منفردة منه مائة ذراع عن جنوبيها وهي عن شرقيها من خدير إلى رأس القلعة مسيرة نصف سدس يوم (ساعتين) وكذلك هي من شمالها مما يصل وادي الجنات وسوق الجؤة وبها مرابط خيل صاحبها وحصنه في الجبل الذي هي منفردة (يعني الصلو) بينهما غلوة قوس ومنهلها الذي يشرب منه أهل القلعة مع السلم الاسفل غيل بماجل غني وعذب وفي رأس القلعة بركة لطيفة ومياه هذه القلعة تهبط إلى وادي “الجنات” من شمالها ووادي الجنات هذا يشابه في الصفة “وادي ظهر” وهو كثير الغيول والمواجل والمسايل فيه الأعناب والرس مختلطة في أعاليه مع جميع الفواكه.
خزانة ملوك اليمن
والدملؤة هي بيت ذخائر الملوك وأموالهم ولذلك سميت بخزانة ملوك اليمن وللدملؤة تاريخ طويل حيث لعبت أدواراٍ بطولية مجيدة حيث تقول المصادر الإعلامية المنشورة: إن لها حكايات تضمنتها كتب التاريخ ولها تاريخ مستقل يسمى “ضوء الشمعة في تاريخ الجمنون والقلعة” وقد قال عنها الشاعر محمد بن زياد الماربي (نسبة إلى مأرب) يمدح السلطان أبا السعود بن زريع: يا ناظري قل لي تراه كما هوه إني لأحسبه تقمص لؤلؤة ما إن نظرت بزاخر في شامخ حتى رأيتك جالسا في الدملؤة وأما أهل محافظة تعز فيسمون القلعة بقلعة المنصورة وذلك نسبة للمكان هناك وللمدينة المندثرة في أعالي جبل الصلو تسمى “المنصورة” وهي نسبة للملك المنصور عمر بن علي بن رسول مؤسس الدولة الرسولية.
تتعالى على الضباب
ويسمون كل ملك سكن القلعة بالملك المنصوري لأنه من تحصن بالقلعة فهو المنتصر دوماٍ على الأعداء ولا يستطيع أحد إسقاطها إلا بمؤامرة من داخلها كما فعل الملك الطغتكين بن أيوب والسلطان الملك المظفر الرسولي وأخته الدر الشمسي على أخويهما المتحصنين بالقلعة (المفضل والفائز) بعد مقتل أبيهم المنصور نور الدين عمر. كما أن القلعة بشموخها وسماقتها في السماء فهي تتعالى على الضباب على قاع خدير وكأنه من تحتها بحر هائج تتلاطمه الأمواج. وكان أول من اختطها كقلعة حصينة هم السبئيون الذين كانت دولتهم المعافر وعاصمتها “جبا” ثم توالت عليها الدول والحكام من بعدهم مرورا بالدولة الإسلامية وما تلاها من دولة القرامطة والزريعيين والصليحيين والأيوبيين والرسوليين والطاهريين فكان السلطان نور الدين عمر بن علي بن رسول مؤسس الدولة الرسولية قد طورها ورممها وحصنها تحصيناٍ شديداٍ وهو لا يزال وزير الملك المسعود الأيوبي وهو يرمي الانقلاب على الأيوبيين والتحصن فيها. فقد ذكر الجندي في “العقود اللؤلؤية” وابن الديبع في “قرة العيون” أن المنصور جعل لها سلماٍ متحركاٍ حتى إذا كان الليل طوي ذلك السلم فلا الصاعد يصعد ولا النازل ينزل فيها بعد العشاء بعد أن تصعد القوافل منه. واشتهرت الدملؤة والمنصورة بكثرة الصهاريج المنحوتة من أصل الجبل دون بناء وبها سلالم منحوتة من أصل الجبل كذلك لحفظ المياه وفيها ما يقارب من عشرة صهاريج واحد منها مبني ومنحوت بأروع ما يكون وهي مسقوفة بجمنون من الياجور ويحمل السقف عمودان من حجارة مدورة ومهندمة كحجارة الرحى وهي متزاوجة من ذكر وأنثى وفي أبوابها عقود جميلة. ولعبت أكثر الأدوار في عصر الدولة الرسولية فكانت حصنهم الحصين وبها مقبور عدد من الملوك الرسوليين والأيوبيين وعلى رأسهم أشهر ملوك الأيوبيين في اليمن الطغتكين بن أيوب أخو صلاح الدين الأيوبي.
النقوش
يوجد في القلعة العديد من النقوش وأهمها: نقش الملك الأفضل العباس ابن الملك المجاهد الرسولي الذي ترك على مدخل الدملؤة حجراٍ كتب عليه :
بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحاٍ مبيناٍ أمر بعمارته مولانا ومالك عصرنا السلطان بن السلطان العالم العادل ضرغام الإسلام غياث الأنام سلطان الحرمين والهند واليمن مولانا السلطان الأفضل من الأنام والملك المجاهد أمير المؤمنين العباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي رسول – خلد الله ملكه ونصره- رفعت العتبة المباركة بتاريخ الرابع والعشرين من رجب سنة (ثمان وستين وسبعمائة) مؤيداٍ بالنصر والتوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم). والحجر كان مردماٍ ومسقفاٍ للبوابة الرئيسية للقلعة وقصرها الذي تغنى به الشاعر محمد بن حمير يقول فيه: أو قلت لا قصر إلا قصر دملؤة قالوا برأس يمين القصر والدار وقد ناشد أهالي المنطقة الجهات المختصة أن تعيد للقلعة مكانتها التاريخية لتصبح مزاراٍ سياحياٍ ترفد الدخل القومي بالمال وتنشيط السياحة كونه لا يقل أهمية عن قلعة القاهرة في تعز أو ثلاء أو غيرها من المناطق الأثرية الأخرى والمنطقة والمعلم الأثري غني بالمعالم الأثرية الأخرى.