كان العدوان على اليمن، القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت الشعب اليمني ما بين بنية تحتية وفوقية مدمرة تماماً، بقصف طيران التحالف الإجرامي، وحالة اقتصادية ومعيشية مزرية، خاصة بعد انقطاع الرواتب، نتيجة التآمر الأممي على نقل البنك المركزي إلى عدن، وحرمان الشعب من موارده وثرواته، وتحويل عائداتها إلى بنوك دول العدوان، وجيوب المرتزقة الذين اكتفوا بالفتات.
في ظل ذلك الوضع المأساوي والكارثي بكل ما تعنيه الكلمة، كان مجرد التفكير في الاستمرار في الحياة، ضرباً من المحال ومن سابع المستحيلات، ناهيك عن التفكير في إنجاز مشاريع تنموية، بجهود ذاتية، للإسهام في تخفيض فاتورة الاستيراد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لأن المجتمع كان قد اعتاد على فتات مشاريع الحكومة الفاشلة، واتكل على عطايا المنظمات ومساعداتها الغذائية البائسة، ولذلك لم يعد متقبلاً فكرة أنه المعني بإنقاذ نفسه من شبح الموت جوعاً، وأن عليه أن يتجاوز محنته بجهوده الذاتية، إذ لم يعد بيد حكومة الإنقاذ الوطني، ما تنقذ به الشعب، بعد مؤامرة نقل البنك المركزي إلى عدن، وتنصل الأمم المتحدة وشركاؤها عن تعهداتهم والتزاماتهم بالاستمرار في صرف الرواتب، ويمكن القول إن المجتمع اليمني وصل حينها، إلى مرحلة شلل كلي وذهول وإحباط، وهذا ما راهنت عليه قوى العدوان.
لكن عزائم الرجال أمضى في قهر المحال، وإرادة القادة المخلصين أعظم أثراً في صناعة التحولات، وحكمة علم الهدى السيد القائد – يحفظه الله – أقدر على بعث الهمم، وتجاوز العقبات، وإحياء روح المجتمع، وتوجيه قدرته وقوته العظمى نحو تحقيق ذلك الهدف العظيم، وكانت أول تجليات ذلك التحول التاريخي، في حياة المجتمع اليمني، قد ظهرت من خلال مؤسسة بنيان التنموية، على يد رائد التنمية وصانعها الأول، الدكتور محمد المداني – مدير المؤسسة – الذي بدأ بتعميم منهجية «التفكير خارج الصندوق»، أي التفكير في حلول خارج المعطى المألوف، وبدلاً من انتظار الحكومة، أو اللهاث وراء المنظمات، كان على كل فرد في المجتمع، أن يفكر فيما لديه من إمكانيات – مهما كانت بسيطة – وكيف يمكن توظيفها في إطار المجموع، في سبيل تحقيق تنمية تكاملية، تتضافر فيها الجهود والآراء، وتصنع فيها النجاحات، ومن خلال تلك الرؤية الثاقبة، والخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل التنموية، تحققت المعجزات، التي لم يتوقعها أحد، وتوالت والإنجازات تباعاً، بصورة أذهلت حتى صانعيها، وحفزت المجتمعات على السباق في هذا المضمار، وأُنجزت الكثير من المشاريع التنموية الحقيقية، بجهود مجتمعية وبإشراف وتوجيه ومساندة ذي القرنين العصر ( مؤسسة بنيان التنموية)، فاستُصلحت الأراضي وشُقت الطرقات، وبُنيت السدود، وأُصلحت القنوات، وزُرعت المساحات الشاسعة بمختلف أنواع الحبوب، وبدأت أرض الجنتين تستعيد ريادتها التنموية الحضارية.
وكما هو شأن قوم بين السدين، أمام حكمة ذي القرنين، كان المجتمع اليمني أحوج ما يكون لحكمة السيد القائد، وتوجيه الرائد التنموي، الذي لم ولن يكذب أو يخذل أهله، الذي مكَّن المجتمع من اجتياز مسافة الألف ميل في مسار التنمية، بخطوة البداية «التفكير خارج الصندوق «، فكل ما كان يحتاجه هذا الشعب العظيم، هو طريقة تفكير جديدة، ليتحول إلى آلة بناء تنموي نهضوي حضاري، ومن هذه النقطة بالذات، انطلقت ثورة المبادرات المجتمعية والعمل الطوعي، وتحول المجتمع إلى مارد تنموي، وتوالت الإنجازات والنجاحات بصورة متسارعة، تنقطع معها أنفاس متابعيها، وهو ما أذهل العالم، وكشف حقيقة الوهم الحضاري والاقتصادي العالمي الهش، والريادة الزائفة لقوى الاستكبار العالمي، التي تحولت إلى آلة تدمير، وبوق إعلامي يكتفي بإطلاق التحذيرات من مخاطر مجاعة عالمية قادمة، ومستقبل مظلم لأوروبا والغرب قاطبة، دون أن يفعل شيئا، لتفادي تلك الكارثة الإنسانية القادمة، بل سعى إلى مفاقمتها والتسريع في جنونها، من خلال افتعاله للأزمات الاقتصادية العالمية، باستخدام الحرب البيولوجية والفيروسات، وإشعال فتيل الحروب المدمرة، كما هو الحال في منطقة الوطن العربي، وروسيا وأوكرانيا في قارة أوروبا وغيرها من بقاع العالم، التي لم تسلم من شرور الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، بمساندة وتوجيه بريطانيا، الخاضعة لهيمنة اللوبي الصهيوني، الذي اتحدت كل قوى الاستكبار والهيمنة والتسلط العالمية، للعمل في خدمته، وتنفيذ مشاريعه، وتهيئة البلاد والعباد للتطبيع معه، وبالتالي تقبل الدخول تحت مظلته، وتبعيه سلطته الشيطانية.
بينما كانت الإدارة الأمريكية الإمبريالية، تمضي في تخبطها وقبحها، ومشاريعها الهدامة لكل المجتمعات البشرية – ما عدا اليهود – وتناقضها الصارخ، وسقوطها التدريجي، كان العالم بأكمله، يعيش حالة تخبط وانهيار بطيء صامت، كانت اليمن بشعبها العظيم، وقيادتها الثورية الربانية الحكيمة، وقيادتها السياسية المجاهدة، وروادها التنمويين المخلصين، يشقون طريق الخلاص، ويعبرون جسر المجاعة إلى شواطئ الأمان، وحصون الاكتفاء الذاتي، المسلحة بجنات ذات أعناب، رسمت لوحتها المشاريع الزراعية والتنموية، الممتدة على مساحات شاسعة من أرض الجنتين.