تتشابه قصة العميل والجاسوس رشاد العليمي إلى حد كبير بقصة ذلك الجاسوس البريطاني “فيلبي” الذي عمل كضابط مخابرات في بريطانيا وتدرج فيها إلى مناصب رفيعة ، وكان في الوقت نفسه عميلًا مزدوجًا للاتحاد السوفيتي.
ترأس فيلبي حلقة تجسس داخل الدوائر الأمنية البريطانية، كانت مهمتها نقل المعلومات إلى الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية وفي فترة الحرب الباردة ، وّفر هذا العميل مخزونا هائلا من المعلومات الفعالة إلى السوفييت واشتهر بأشهر جاسوس في التاريخ.
شغل فيلبي منصب كبير ضباط الاتصال البريطانيين مع وكالة المخابرات الأمريكية ، ومرر كميات كبيرة من المعلومات الاستخباراتية السرية إلى الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك معلومات عن مؤامرة بريطانية -أمريكية لإسقاط النظام الشيوعي في ألبانيا، كان هو من يتلقى تفاصيلها بحكم عمله كضابط اتصال ، كما جنّد عشرات الجواسيس بينهم ماكلين وبورجيس اللذان فرا إلى موسكو ليقدم فيلبي استقالته من جهاز MI6 ، ورغم حصوله على براءة من تهمة التخابر وذهابه كصحفي إلى بيروت، لم يستطع إخفاء حقيقته كجاسوس كشف نفسه لاحقاً في بيروت ثم فر إلى موسكو ليموت فيها.
لا تختلف قصة “عميل الإحداثيات” الجاسوس رشاد العليمي كثيرا عن قصة أشهر الجواسيس فيلبي ، فالعليمي الذي كان يتجسس لعلي عبدالله صالح على رفاقه وزملائه في اتحاد القوى الشعبية حين كان عضوا فيه ، عينه صالح نفسه في أعلى منصب أمني في سلطته ، ليتجسس للسلطة في صفوف الأحزاب ، وعلى السلطة ليس لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وحدها بل والبريطانية وحتى للاستخبارات السعودية ، وكان علي صالح يعرف هذا ويدركه، وهو ما أكده لاحقا.
جاء اعتراف الجاسوس رشاد العليمي في مقابلته بقناة العربية السعودية بأنه سلّم عدداً من الملفات السرية إلى ماتيس، الذي كان قائد القوات المركزية الأمريكية في العام 2010م ليزيح الستار عن جانب واحد فقط من علاقات المعروف “بعميل الإحداثيات” بأجهزة المخابرات الأجنبية ، وليؤكد ما كان يقال ويطرح ويتداول عنه وعن عمله كجاسوس طيلة توليه وظائف أمنية عليا في سلطة علي صالح.
حين كان رشاد العليمي عضوا في اتحاد القوى الشعبية ، كان يقدم التقارير الأمنية عن الاتحاد وقياداته وأعضائه ونشاطاته إلى رئيس النظام الحاكم حينها علي عبدالله صالح ، ليقوم الأخير لاحقا بترقية العليمي من موظف في البحث الجنائي ثم مديرا للشؤون القانونية في وزارة الداخلية ، إلى منصب وزير الداخلية ثم رئيس اللجنة الأمنية العليا ، ثم نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الأمنية وزيرا للإدارة المحلية.
مع تعيينه وزيرا للداخلية ومسؤولا رفيعا في الجهاز الأمني لسلطة صالح ، كان الأخير يدرك ارتباطات العليمي الجاسوسية مع أجهزة المخابرات الأجنبية ، وكانت تنتشر المعلومات خلال عمله وزيرا للداخلية ونائبا لرئيس الوزراء للشؤون الأمنية بأنه يسرب معلومات لأكثر من جهة استخبارية ، وكان الجميع سلطة ومعارضة يتحدثون بأن العليمي يرتبط بمخابرات أمريكا وبريطانيا والسعودية.
في وقت سابق كشفت وثائق ويكيليكس أن العليمي وخلال توليه وزارة الداخلية ، قدم إحاطة مضللة إلى مجلس النواب حول الغارات الأمريكية على محافظة أبين التي راح ضحيتها عشرات الضحايا من المدنيين ومن أهمها مذبحة المعجلة ، وحسب المعلومات التي أشارت لها الوثيقة، أن العليمي أفاد بأن الطيران اليمني هو من يقصف ليخفي حقيقة أنها غارات أمريكية ، وحسب المعلومات فقد تلقى العليمي توجيها مباشرا من السفير الأمريكي حينها في صنعاء ستيفن سيش، الذي عمل من العام 2007 إلى 2010 سفيرا أمريكيا في صنعاء ، وأمره بأن يلقي الإحاطة على المجلس، الذي طالب حينها بالكشف عن التدخلات والضربات الأمريكية ، وعن من يقف وراء المذابح التي حدثت حينها.
علي عبدالله صالح نفسه قال في خطاب له قبل سنوات بأن المرتزق العليمي عميل قديم لمخابرات أجنبية عديدة ، وعميل للسعودية كذلك ، والتهمة لا تستثني علي عبدالله صالح كذلك ، لكن الحديث عن العليمي الذي تعيّن مع بداية العدوان الأمريكي السعودي على اليمن ، في منصب مستشار للفار هادي الذي أطيح به واستبدل به المرتزق العليمي بداية هذا العام.
مع بداية العدوان على اليمن ذهب المرتزق العليمي إلى السعودية لينظم مع طابور العملاء والمرتزقة إلى صفوف العدوان الأجنبي على اليمن ، حينها تعين مستشارا للفار هادي ، ثم أطيح به لاحقا من هادي نفسه ، والإطاحة أزعجت السعودية التي تدرك بأن العليمي راصد وجاسوس وعميل جيد، بل ومحترف.
كان المرتزق رشاد العليمي قد عزز موقعه الجاسوسي لدى السعودية من خلال إنشاء غرفة عمليات قبل بدء الحرب على اليمن ، عمل من خلال الغرفة التي أدارها من صنعاء قبل هروبه إلى الرياض على رصد ورفع الإحداثيات للمنازل والمعسكرات والمخازن والمراكز العسكرية وغيرها ، وقد كشفت صحيفة اليمن اليوم عن الوثيقة رقم “1” في العام 2016 والتي كشفت بأن المرتزق العليمي عمل على رأس غرفة الإحداثيات ومقابلها تم منحه رتبة أمنية في الجهاز الأمني السعودي.
المرتزق رشاد العليمي الذي نصّب من عاصمة السعودية لمنصب ما يسمى رئيس مجلس القيادة ، تم اختياره خلفا للمرتزق هادي على رأس منظومة الارتزاق والعمالة، لا ليقود جبهات عسكرية في الحرب ، ولا ليقدم إصلاحات اقتصادية مثلا ، بل ليغلّف عمله كرئيس لحلقة واسعة من الجواسيس بمنصب وهمي زائف ، ومن الواضح أن مملكة العدوان السعودي حين منحته هذا المنصب الوهمي لم يكن من باب تكريم جاسوسها على خدماته ، بل لأن استراتيجيتها في الحرب العدوانية تغيرت واستدعت الحاجة إلى جاسوس مخلص ومحترف ليكون في رأس حلقة الجواسيس والعملاء ، وهي لم تعد بحاجة لقادة عسكريين كالمرتزق علي محسن الأحمر، الذي عزلته مع آخرين ، بل إلى جواسيس محترفين ومخلصين ، يجمعون المعلومات ويرصدون الوضع الداخلي ويقدمون التقارير الأمنية وينفذون الأوامر بصرامة ، وهذه المهام كلها يتقنها المرتزق الجاسوس رشاد العليمي منذ بدايته ، ولهذا تخلت السعودية عن المرتزق علي محسن الأحمر وأمثاله ، وجلبت بدلا عنهم العليمي وفريقه.
العليمي جاسوس من بداياته ، لم يكن زعيما ولا قائدا ولا مسؤولا يمنيا ، بل عميلا مزدوجا للأجانب تولى وظائف عديدة مارس من خلالها الجاسوسية والعمالة ولم يمارس المسؤولية الوطنية أبدا ، ومنصبه المزور والزائف الذي منحته السعودية قد تكون هي الوظيفة الأخيرة لجاسوس تدرج في سلسلة وظائف حتى انكشف في رأس منظومة الارتزاق ، وليته لم يأت من أبوين يمنيين ولم يكن يمنياً على الإطلاق.
نحن أمام مجموعة جواسيس لا يخجلون ولا يستحون ، ومن أين يأتي الخجل والحياء لمن لا أصل له ولا فصل ولا تاريخ إلا كجاسوس وعميل ومخبر ؟ّ!..