لقد صار المتابع والمشاهد العربي هذه الأيام معقَّداً لكثرة سماعه الفعل “أعتقد”، الذي يتبادر إلى مسامعه ليل نهار لمجرَّد وقوفه أمام التلفاز لمتابعة الأخبار العربية والدولية عبر قنوات الاخبار العربية الواسعة الانتشار، والتي تأتي المشاهد العربي بالاعتقادات من لم يزوَّد، حيث تتسابق على ترديد هذا الفعل وبرغم كونه لا يعدو عن مجرَّد فعل معبِّر عن عدم التأكد والجدِّية والمصداقية، ألسنة الصحفيين والمذيعين والمحللين السياسيين والعسكريين على حدٍ سواء، أثناء تحليلاتهم الصحفية وتغطياتهم الإعلامية للأخبار والأحداث التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية والعالم.
وما أكثر استخدام هذا الفعل “القبيح” في اللقاءات والنقاشات والحوارات الصحفية المباشرة التي تبثها عادة القنوات الاخبارية العربية والأجنبية الناطقة بـ”العربية” على مدار الوقت، فبمجرَّد ما يبدأ أي من المتحاورين في أية قضية على اختلاف مواقفهم ورؤاهم، الإجابة على السؤال الموجه إليه من قبل الصحفي الذي يدير حلقة النقاش بينهم، يكون قد أدرج الفعل “أعتقد” ضمن أوراقه التي أعدها للنقاش مسبقا قبل أن تبدأ الحلقة، ليستخدمه كسلاح ذي حدين ضمن الأفعال والجمل والمصطلحات التي يعتقد من خلالها أنه باستطاعته حشد الدعم والتأييد الشعبي والدولي لموقفه ورأيه وبالتالي إثارة واستفزاز زملائه المتحاورين المخالفين له وذلك بما يتماشى مع الشعار الذي يرفعه إعلامنا العربي في وقتنا الراهن المتمثل بـ”لا لتقريب وجهات النظر .. نعم لنفخ الكير”.
وبقدر التسابق المحموم من قبل هذه القنوات الاخبارية العربية والأجنبية الناطقة بـ”العربية” الواسعة الانتشار، على بث اعتقاداتها أمام المشاهد والمتابع العربي، والتي في معظمها إن لم تكن إجمالاً، لا تعدو عن كونها مجرَّد اعتقادات خاطئة، في المقابل تهدر شعوبنا ومجتمعاتنا العربية وقتاً طويلا أمام شاشات التلفاز لمشاهدة تقارير وتحليلات اخبارية مضحكة ومبكية في آن معاً، نظراً لبعدها كل البعد عن أخلاقيات المهنة الصحفية المتعارف عليها، بل صارت الحيادية بالنسبة لمعظم إن لم يكن جميع تلك القنوات العربية الواسعة الانتشار هي إيصال أحد أطراف الصراع أو النزاع في أية قضية من القضايا المنتشرة على امتداد منطقتنا العربية إلى أعلى قمة مرتفعة وعلى حين غرة “تحيِّده” من رأسها، أي بمعنى تدفعه إلى الهاوية دون أدنى ضمير مهني أو إنساني.. والمصداقية لديها صارت غائبة تماماً، إلَّا إذا كان الخبر يخدم توجهات القناة وأهداف مموليها فالصدق هنا يتجلى في أنصع صوره، من خلال بثها له بالصوت والصورة ويظل البث مستمراً للخبر على مدى 24 ساعة ويكون صالحاً بالنسبة لهذه القناة أو تلك تكرار بث الخبر ضمن تقاريرها الاخبارية الأسبوعية والشهرية والمناسباتية في قادم الأيام، بغية استفزاز واستنفار وتأجيج مشاعر الناس وجلب الدعم الشعبي لهذا الطرف أو ذاك ضد الطرف الآخر من الأطراف العربية المختلفة والمتنازعة وما أكثرها، أما إذا كان الخبر لا يخدم سياستها وأهدافها وأهداف مموليها الفعليين، فإخفاؤه من قبلها وعدم التطرق إليه يكون أسهل الطرق لممارسة الإقصاء والتهميش لبعض الأخبار والأحداث لمجرَّد تناقضها مع السياسة التي تتبعها هذه القناة الإخبارية العربية أو تلك .
وبرغم أن الفعل القبيح الآنف الذكر ليس لذكره داع أثناء نقل الاخبار العاجلة ميدانياً من مواقع حدوثها، إلا أن مراسلي أغلب القنوات العربية لا يتوانون البتة عن استخدامه وبإفراط شديد ضمن تقاريرهم الإخبارية التي يخاطبون بها عقل وقلب المتابع العربي من مواقع الأحداث العاجلة على الهواء مباشرة عبر بث هذه القناة الإخبارية العربية أو تلك، فيعملون باعتقاداتهم تلك على قلب وتأويل الحقائق والأحداث، بما في ذلك إطلاق التهم جزافاً ضد هذا الطرف أو ذاك، بما يخدم السياسات والتوجهات التي تتبناها القنوات التي يعملون لصالحها، فتصبح المهنية الصحفية والشفافية والمصداقية بالنسبة لهذه القنوات الإخبارية العربية والناطقة بـ”العربية” والقائمين عليها مجرَّد ديكو، بل عبارة عن مجرَّد أسماء ومصطلحات إعلانية رنانة يلقيها مذيعوها ومحللوها ومراسلوها بـ”اللغة العربية الفصحى”، ليس إلا لتلميع صورة هذه القنوات، بما من شأنه الحصول على أكبر نسبة من المشاهدين والمتابعين العرب، ليتسنَّى لمالكي والقائمين على هذه القناة الاخبارية العربية أو تلك، حرف أفكار وآراء وتوجهات ومواقف المواطن العربي، بما يخدم سياسات وأهداف مالكي هذه القنوات وحلفائهم الدوليين.