لا أسخر من دولة عظمى فأنا مواطن أو حالم بالمواطنة في دولة فاشلة أو قل دولة تسيرها حالة الاستلاب التي ورثناها من أناس يقال عنهم زعماء وقادة ليس لمثل عظمتهم مثيل ونغذيها بممارساتنا الجديدة القديمة، وأمريكا على أي حال ليست بحاجة لهذا الحالم بالمواطنة كي يشهد لها بالعظمة أو يصفها بما تستحق، ولكن أليس من حق أي إنسان أن يئن من هذه العلاقة الملتبسة بين هذه الدولة العظمى وبين من تصنعهم من (الأرجوزات ) حكاماً على شكل آلهة في البلدان التي تسرق ثرواتها بوسائل يعجز عن مثلها الشيطان؟! ، لا أقصد بهذا التسويق لسياسة رمي أخطائنا على غيرنا ولكني أدعو إلى قراءة جادة لعلاقتنا بأمريكا والعالم قراءة صحيحة إن وجد من يجيد القراءة فمن الغباء تجاهل أثر الدول الكبرى على العالم، إن من الأجدى أن تتواكب قراءة الآخر مع قراءة الذات أو الأنا لما بينهما من الترابط ، ومن المؤكد أن الدول المتجبرة المغترة بقوتها وحجمها ليست كالدول الفاشلة المغترة بفشلها والتي لا ترى حجمها ولا تعي أهمية الاهتمام بشعبها، والاهتمام المنشود إنما يكون من خلال معرفة ما يعانيه من مشكلات والبحث الجاد عن حلها في الداخل وليس بالتفنن في الكذب عليه وتكرار المحاولات الفاشلة الحثيثة في تحويله إلى قطيع دون معرفة خطورة ذلك.
والدول الفاشلة أو شبه الفاشلة تستهلك الوقت في ترقب لعب الانتخابات الأمريكية سواء الرئاسية أو البرلمانية للتغطية على دمامة وقماءة وجوه حكامها وإيهام نفسها بأن حل مشاكلها لا بد أن يأتي من الخارج الذي ينسبون كل أسباب فشلهم إليه وبخاصة إلى أمريكا التي تدير ما يسمى(الفوضى الخلاقة) ، يستوي في ذلك الدول الفاشلة مع الإنسان الفرد المصاب بمرض معلوم ومع ذلك يحاول حكامها من خلال وسائل الإعلام المسمى بالرسمي عديمة المسؤولية والمصداقية البحث عن أسباب المرض خارج الذات المريضة وهذا الأسلوب لا يمكن أن يوصل إلا إلى المزيد من الفشل لأن البدايات الخاطئة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نتائج خاطئة ، والهروب من معرفة أمراض الذات والبحث عن أسبابها بعناية لمعالجتها والتخلص منها بداية خاطئة تبقي صاحبها في حالة دوران داخل حلقة مفرغة، ولأن الدول إنما تقوم على ركنها الأساس وهو الإنسان المواطن الحر القوي فإن أخطر خلل يصيبها هو أن يكون هذا الإنسان مستعدا لأن يفقد حريته سواءً بالارتهان لأي دولة أخرى أو أن يكون إمعة أو مجرد فرد في القطيع الذي لا يدري إلى أين يسوقه المستبد الداخلي بالوكالة والذي بدوره يسير بالقطيع ومعه إلى المجهول والنتيجة غرق السفينة وضياع الجميع، ومن المؤكد أن مسؤولية الحاكم المستبد بالأصالة أو بالوكالة أكبر من مسؤولية القطيع!.
أما الشعوب والحكومات الواعية فلا تنتظر مجيء حلول مشاكلها من الخارج مهما كان حجم ترابط مصالح العالم ببعضها ولا تعتمد على التسليم المطلق لمن يقودها سواء تسليم الدول التابعة للدول المتبوعة أو تسليم الشعوب للحكام المستبدين داخل الدول لأنها على وعي بأن قوة الدول والشعوب تبنى بالشراكة الواعية وليس بالتسليم الضعيف البائس ، فالعالم يقوى بالدول القوية وكذلك الدولة تقوى بقوة الشعب أفرادا وجماعات وتضعف بضعفهم ، ولم يعد بمقدور أي دولة في عالم اليوم العيش بمعزل عن بقية الدول، العزلة خيار صعب بل مستحيل ليس فقط لأن مراكز القوى الاقتصادية العالمية أصبحت تتحكم في مصادر الطاقة والغذاء والدواء ومحاولات احتكار القوة النووية المهيمنة وإنما لأن الطريق إلى التحرر الحقيقي للعالم لا يمكن أن يتم إلا من خلال التقاء قوى الخير فيه من مختلف الاتجاهات والمشارب الفكرية للبحث عن قواسم مشتركة لإنقاذ العالم من كل هذا التغول والتوحش في فهم لغة المصالح وسطو بعض الدول على مقدرات وخيرات الدول الضعيفة وثرواتها وإلهائها بالحروب والصراعات الداخلية بما يتيح الفرصة لقوى الاستبداد والفساد بالتفرد بالسلطة والثروة أو ما تبقى منها!.
إن انتفاخ الذات الفارغة مرض لا بد من معالجته وهو مرض تتجاوز خطورته ذات الحاكم رغم أن بيده القدرة والصلاحية في الدولة التي يحكمها أو يتحكم بمصيرها بما يشكل خطورة على باقي الدول بالإضافة إلى الشعب الذي يقبل بالحاكم دون أن يملك القدرة أو الآلية على تغييره قبل استفحال خطره ، ولهذا رأينا ماذا صنع المغول وكافة الدول والإمبراطوريات المستبدة في العالم القديم ومن ذلك بعض الإمبراطوريات التي تكونت باسم الإسلام في العصور الوسطى كالأمويين والعباسيين والعثمانيين، وفي القرن العشرين مثل ما صنعه هتلر باستخدام (النازية الألمانية) لمحاولة السيطرة على العالم وما تزال تداعياتها تؤثر على سياسة العالم وكذلك ما تمارسه اليوم الرأسمالية الأمريكية الغربية المتوحشة بوسائلها الحديثة، وسيظل مرض الاستبداد يتجدد بتجدد وجوهه، وكل طاغية في النهاية يزول وإن بقيت ذكراه، ما ينبغي علينا دائما هو البحث عن أسباب تخلفنا في ذاتنا وأن نغادر لغة الغرور والاعتقاد بأن الحكم بالقوة يمكن أن يدوم وأن نمد يد السلام مع قوى الخير والسلام في العالم والبداية تكمن في الحوار الجاد و الصادق مع قوى الخير والسلام في العالم، وأول ذلك مع قوى الخير والسلام في الداخل.
الأكاذيب تغرق صاحبها في الوحل
والصدق طوق النجاة فلا تتركوه
هكذا قرأ الحكماء (بول غوبلز)
هكذا حدثتني نهاية هتلر
وكل الطغاة الذين مضوا في طريق الغواية.