عام 1996 وقّع حزب الله تفاهما مع إسرائيل برعاية أمريكية ودولية بموجبه تم تجريم الهجمات من الجانبين على أهداف مدنية بعد قصف حزب الله للمستوطنات الشمالية ونزوح سكانها.
ربما لا يتذكر الكثيرون ذلك التفاهم الذي كان تمهيدا لانسحاب فجائي لإسرائيل من لبنان عام 2000م، تحت وقع ضربات حزب الله المتكررة للعسكريين الإسرائيليين لتكون هذه الدولة العربية الصغيرة هي الوحيدة التي تضطر إسرائيل للفرار منها دون قيد أو شرط مغلقة حدود فلسطين المحتلة في وجه عملائها من مقاتلي «لحد» وهي تخشى الالتفات إلى الوراء!.
حينئذ عام 1996 زعم المرجفون بأصوات مصدومة خافتة بأن ذلك التفاهم كان اعترافا من حزب الله بإسرائيل بوساطة أمريكية في محاولة لاحتواء الانتصار الاستراتيجي الذي سيترتب عليه انتعاش الممانعة العربية للمشروع الصهيوني؟!.
وبعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 اضطر حزب الله لتقييد نطاق عملياته بسبب ضغوط داخلية على مزارع شبعا التي تعتبرها الدولة اللبنانية – حسب خرائطها – جزءا من لبنان… وعندما ضج المرجفون بأن مزارع شبعا ليست لبنانية وأنه بملاحقة إسرائيل فيها إنما يتجاوز صفته كمقاومة لبنانية ويورط لبنان واللبنانيين في حرب دولية كان رده: *”نحن ملتزمون بما تقرره الدولة اللبنانية، فإذا قررت بأن مزارع شبعا ليست لبنانية فسنلتزم بما تقرره”*… وهو بذلك يشير إلى أن الدولة اللبنانية لديها حدود دولية مع فلسطين المحتلة والتمسك بها لا يعني اعترافا بإسرائيل بل يقطع حجة المرجفين حين يذهب لاستنزاف إسرائيل في مزارع شبعا!
مسألة كاريش
بالنسبة لمسألة كاريش فإسرائيل كانت تسيطر على البحر دون قيد أو شرط، ولولا السلاح البحري النوعي الجديد الذي امتلكه حزب الله وتهديده الجاد شديد اللهجة لإسرائيل في ظل الحرب الأوكرانية وحاجة أوروبا الماسة للغاز لما اضطرت إسرائيل للجلوس مع الدولة اللبنانية وتتخل للبنان عن مساحات بحرية شاسعة مليئة بالثروات كانت تتمتع بها منفردة لتجنب أي تصعيد عسكري يقطع خطوط الغاز عن أوروبا التي ينتظرها صقيع حالك الظلام!
ومن جهة أخرى معلوم أن حزب الله ليس هو الدولة اللبنانية، نعم هو جزء مؤثر في لبنان لكنه ليس كل لبنان، وهو يرفض أن يقع في الفخ الذي وقعت فيه حركة حماس حين قررت أن تجلس على كرسي السلطة في غزة فمنحت العدو مبررا لحصار عسكري واقتصادي تام لها ما زالت تحاول الانعتاق منه ولم تنجح…
حزب الله هو حركة مقاومة مسلحة فقط تعلم مخاطر التورط في السلطة فضلا عن الاستفراد بها، وأن مصير ذلك هو الفشل وانتكاس المقاومة وتلطيخ صفحتها الناصعة المُضحية بفساد مالي وإداري يقتل الشعبية والمصداقية، وصداع مزمن في السلطة وتنافس قادم بين أفرادها على المناصب الدنيوية قد ينتهي بتخلي معظمهم عن التضحية والجهاد، لذا فحزب الله حريص كل الحرص على أن يميز نفسه عن الدولة اللبنانية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع أمريكا ودول الخليج ليس هذا فحسب بل توجد في لبنان سفارة أمريكية مؤثرة وسفارات خليجية مؤثرة وتأثيرها يناهز تأثير حزب الله إن لم يتفوق عليه! والإعلام الصهيوعربي نفسه زعم أن حزب الله وحلفاءه قد خسروا الأغلبية النيابية في الانتخابات الأخيرة ليدللوا على انحسار تأثير حزب الله ونفوذه، فكيف أصبح الآن مسؤولا عن كل ما يصدر عن الدولة اللبنانية؟
ولا أدري لماذا يُصرُّ البعضُ على قراءة ما حدث في كاريش على أنه اعتراف من حزب الله بإسرائيل؟ هل ستخفف تلك القراءة عليهم عار انخراطهم المفضوخ مع المشروع الصهيوني؟
هل ستبرر لهم بيع القضايا العربية والإسلامية واستباحة العهر السياسي؟
أم هم يمارسون بذلك حلقة أخرى من حلقات التطبيع الإعلامي والسياسي مع الصهاينة؟
أم هي محاولة يائسة لحرق حزب الله ووصمه بالنفاق وتدوير الزوايا لتحويل إنجازه في كاريش إلى إخفاق (ستصبح لبنان بعد كاريش دولة منتجة للنفط والغاز) مثلما كانوا يشيعون في حالة السلم بأن حزب الله مجرد «حرس حدود لإسرائيل» وفي حالة الحرب «انظروا كيف يتسبب في تدمير لبنان»!
نعم… هم يرونه بعين الحسد مخطئا مخطأ مهما فعل لأنه (وغيره من حركات المقاومة) الخطر الحقيقي على وجود إسرائيل والسبب الرئيسي في تعرية خيانتهم وخنوعهم وانبطاحهم!
هذا والله المستعان، هو نعم المولى ونعم النصير.