العدوان على البيئة البحرية تسبب في تضرر قرابة 36 ألف صياد مع قواربهم في عرض البحر وسقوط عدد منهم ما بين شهيد وجريح
وكيل وزارة الثروة السمكية عبدالحميد الفقيه لـ ” الثورة “: عازمون على تنظيم أسواق الأسماك والأحياء البحرية بمواصفات دولية وإنهاء احتكار ما قبل ثورة 21 سبتمبر
الوزارة أطلقت ثورة في عشرة محاور سمكية بإشراف الزراعية والسمكية العليا وإسناد من مؤسسة بنيان التنموية وبالتعاون مع شركاء التنمية
زمن احتكار الموارد وشراء الذمم من قبل النافذين ولى إلى غير رجعة
أمام المحتكرين للسوق فرصة لمراجعة حساباتهم والمشاركة في صناعة المستقبل وفق معايير السوق العادلة
جار العمل على توفير مسار تكاملي ومتسلسل يكفل قيام الوزارة وهيئاتها بواجبها المقدس في خدمة الصيادين والحفاظ على سلامة وأمن البيئة البحرية
أوضح وكيل وزارة الثروة السمكية عضو اللجنة الزراعية والسمكية العليا عبدالحميد أحمد صلاح الفقيه أن ممارسات العدوان ضد الصيادين أدت إلى تدنى مستوى الإنتاج بنسبة ١٥% قياسا بكميات إنتاج فترة ما قبل العدوان المقدرة بـ ” ١٢٠ ألف طن”، ناهيك عما تعرضت له البنية التحتية لمراكز الإنزال والخدمات المرافقة لها من مصانع الثلج وغيرها من قصف وتدمير، مشيرا إلى أن خسائر القطاع السمكي بسبب العدوان الغاشم بلغت ما يقارب ١٢مليون دولار.
وفي حوار أجرته معه “الثورة”، تناول الفقيه بأفق مستفيض، شفاف وصريح أدق التفاصيل عن الوضع الراهن للقطاع السمكي، مفصلا كل ما يواجه الواقع العملي من معوقات، وموضحا في المقابل أن الوزارة، وبمساندة اللجنة الزراعية والسمكية العليا ومؤسسة بنيان التنموية وشركاء التنمية في الحكومة والمجتمع والقطاعين المختلط والخاص، بصدد وضعه من المخارج والحلول، فإلى تفاصيل الحوار:
الثورة/ يحيى الربيعي
كيف نقرأ من خلالكم الوضع الراهن للقطاع السمكي على أرض الواقع؟
تؤكد الإحصائيات أن إيرادات القطاع السمكي كانت تمثل ٣% من الناتج المحلي، وكان هذا القطاع يعد من الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، ويحتل المرتبة الثالثة بعد النفط والزراعة. وبسبب العدوان ضد الصيادين أدت إلى تدنى مستوى الإنتاج بنسبة ١5% قياسا بكميات إنتاج فترة ما قبل العدوان المقدرة بـ ” ١٢٠ ألف طن”، ناهيك عما تعرضت له البنية التحتية لمراكز الإنزال والخدمات المرافقة لها من مصانع الثلج وغيرها من قصف وتدمير، مشيرا إلى أن خسائر القطاع السمكي بسبب العدوان الغاشم بلغت ما يقارب ١٢مليون دولار.
وتجاوز العدوان كل تقاليد وأعراف حماية المدنيين بتدميره قرابة 248 قارب صيد بشكل كلي، كما تضرر من جراء عدوانه السافر على البيئة البجري قرابة 36 ألف صياد مع قواربهم في عرض البحر، وسقوط عدد منهم ما بين شهيد وجريح، ولا تتوقف إحصائيات الرصد الأسبوعي عن تسجيل (حوادث جديدة) من احتجاز للصيادين و/أو مصادرة قواربهم ومعدات الصيد من قبل دول تحالف العدوان ومن قبل دولة إريتريا، أضف إلى ذلك ما يعانيه الصيادون من الأزمات المتكررة بسبب انعدام المشتقات النفطية نتيجة احتجاز دول العدوان سفن النفط، وكل ذلك يشكل أزمات متكررة جعلت من الصيد مهنة منحصرة فيمن استطاع إليه سبيلا.
وماذا عن وزارة الثروة السمكية والهيئات التابعة لها، ما الدور الذي تلعبه في مواجهة هذه المتغيرات؟
تقوم وزارة الثروة السمكية والهيئات التابعة لها بالقيام بدورها كما هو منصوص بالقانون؛ يعني: هناك إجراءات روتينية لا تلامس الواقع، والواقع يقول: نحن نواجه تحدياً ومرحلة عدوان، وهذا يتطلب- بالضرورة- تفعيل العمل بقوة في الميدان، وهو المؤمل في كوادر الوزارة والهيئات التابعة لها. أما البقاء على ممارسة الصلاحيات بروحية العمل الروتيني، وأقصد بذلك الانتظار للتمويل الحكومي (الذي قد لا يوجد أصلا) بسبب العدوان على بلدنا الذي هدفه الأساسي عدم قيام دولة حقيقية تخدم شعبها وترفض الاستعمار وتعيش الاستقلال بمواردها واستغلالها بما يحقق نهضة وبناء دولة حديثة.. وهنا، نحن في وزارة الثروة السمكية مطالبون بالتفكير خارج الصندوق، والبحث عن موارد لتمويل حركة إدارة ميدانية لمواجهة ما يفرضه العدوان والحصار من تحديات وتحويلها إلى فرص.
إلى أي مدى تدركون أن ثمة فرصاً متاحة أمامكم للتفكير خارج الصندوق يكفل الخروج من واقع ما تحدثتم عنه من ركود؟
القطاع السمكي (خام) لم يستثمر بعد، وليس مطلوبا منا سوى أن نتحمل المسؤولية بصدق وأن نعمل على تقديم شيء ملموس في ظل هذا العدوان.. القطاع السمكي فيه المئات بل الآلاف من الفرص التي نستطيع أن ننهض من خلالها بالواقع السيئ إلى الواقع المنافس عالميا، فقط، يجب علينا أن نفكر ونفتح مداركنا وألا نبقى منتظرين لمن يفكر لنا، أو نتجمد عند حدود ممارسة الإجراءات الروتينية. الحلول موجودة والفرص متاحة والميدان هو المنتظر.. سأضرب لك مثالا واحدا فقط: بلغت قيمة الإنتاج الإجمالي السنوي للعام ٢٠٢١م، في الساحل الشمالي، وميناء الاصطياد في الحديدة ٤١ مليار ريال (تقريبا)، لم يبلغ نصيب الدولة منه سوى ٣٦٠ مليوناً فقط، أين ذهب بقية المبلغ؟ خاصة وأننا لم نجد له أثرا في حياة الصيد. ألا يجب على الجهات العاملة على إدارة القطاع السمكي التفكير في الإجابة على مثل هذه الأسئلة، وأن تبحث لها عن الحلول؟ طبعا.. الإجابة الروتينية تقول: هذه المبالغ توزعت بين حلقات سلسلة القيمة لمراحل الإنتاج والتسويق والتصدير.. بينما بالتفكير خارج الصندوق يمكننا التساؤل: ماذا لو أن هذه المبالغ وجهت التوجيه الصحيح، ألم تكن قادرة على إحداث ثورة في تنمية المناطق الساحلية؟
معنى هذا، أن ثمة خطوات بدأت تسير على أرض الواقع في مباشرة العمل في تنفيذ هذه التوجيهات، أم لا يزال هناك من العوائق ما يحبط ـأو يبشر بخيبة أمل؟
العمل المؤسسي في الوزارة والهيئات التابعة لها لا يسمن ولا يغني من جوع؛ بمعنى: خلطة مركبة وغير متجانسة ومفككة نتيجة لهيكلة البنك الدولي لها ولهيئاتها.. تواجه ثورة الـ 21 من سبتمبر، وفي معظم القطاعات الحكومية تركة ثقيلة من التركيبة الإدارية المقاومة لمواكبة الواقع والتفاعل مع الميدان بصورة أو بــأخرى.. ونحن بعون الله، وبحسب توجيهات المجلس السياسي الأعلى في الاجتماع الذي عقد مؤخرا في مجلس النواب بحضور الحكومة والتي قضت بضرورة إعادة ضبط المصنع، وإعداد لوائح تنظيمية وتعديل القوانين بما يتناسب مع الواقع وبما يؤسس لبناء الدولة الحديثة وتحديد المهام والاختصاص والصلاحيات للوزارة والهيئات التابعة لها بما يؤهل واقع الوزارة القيام بالعمل الإداري وفق مسار تكاملي ومتسلسل يكفل، وبصورة سلسلة، تسهيل القيام بواجبها المقدس في خدمة الصيادين في البر والبحر والحفاظ على سلامة وأمن البحرية وضمان استدامتها، وتقديم خدمات إنزال آمن وحفظ صحي وتوزيع عادل وتسويق مجز، وتصدير وصناعات تحويلية.
ما المخرج من هذه الدائرة المغلقة إلى أفق أوسع؟
وزارة الثروة السمكية تحتاج إلى الوقوف على قدميها وتقول للحكومة ولجميع الوزارات (ها أنا ذا)، وهذه مهامي، وهذه التشريعات القانونية التي تخول لي ممارسة صلاحيات إدارة الشؤون البحرية وتحديد أولوياتها، خاصة ونحن معنيون بشريحة واسعة من هذا الشعب تعمل في مجالات الثروة السمكية.
اعتقد أن المجال مفتوح لهذا التوجه، وليس أمام الوزارة- إن أرادت- إلا أن تعمل، وأن تتحمل مسؤولياتها وفق ما هو مخول لها في القانون، ما لم فالمثل الشعبي يقول: (من غاب غاب قسمه)؛ بمعنى: غياب الوزارة عن ميدان عملها، هو من أتى بمن يتحمل الثقل عنها، ويعمل على سد الثغرات التي تركتها مهملة. وهذا باختصار ما هو حاصل حاليا؛ غابت الوزارة عن القيام بدورها في الميدان، إلا من دور محدود تقوم به الهيئة العامة للمصائد السمكية، وهذا ليس بفضل ثقة منحتها الوزارة للهيئة، فالهيئة تفتقر إلى سند ومدد الوزارة بشكل كبير خاصة في ظل ما يفرضه العدوان من حصار خانق، وهذا أمر يتطلب رص الصفوف والعمل الجماعي والتحلي بروح المسؤولية والعمل بروحية العطاء وليس بروحية الأخذ، لأن روحية البذل والعطاء تقود إلى تحقيق الإنجازات في الميدان، ومن العدم.
وكيف تمارس الوزارة صلاحياتها حاليا، أقصد في ظل هذه العشوائية من الازدواجية في ممارسة الصلاحيات؟
الازدواجية في الصلاحيات ظاهرة ومنتشرة في الوزارة نفسها فضلا عن وجودها بين الوزارة والجهات الأخرى، وهذا خلل متراكم ويعد أصعب ما ورثناه من تركة النظام السابق ونتيجة حتمية للارتهان وتنفيذ مخططات وهيكلات الجهات المانحة التي فرضت شروطها مقابل ما كانت تمنح من القروض والمساعدات التي كانت تمنح، وللأسف الشديد كانت تبعاتها تسجل كديون وتراكم إعاقات يتحملها ويدفع ثمنها الشعب اليمني، بينما كانت نقدياتها تذهب إلى جيوب هوامير الفساد. هذا ما لاحظناه من حجم المبالغ المهولة التي تم ضخها في القطاع السمكي في بنية تحتية وغيرها من المشاريع الوهمية التي قيدت على البلاد بملايين الدولارات، ولم نر لها أثرا في الميدان، وإن وجد القليل منها، فقد لحقه العدوان بالقصف والتدمير.
فأنت عندما تنزل إلى السواحل اليمنية، ومراكز الإنزال السمكي، لن ترى أي وجه من وجوه التنمية الحقيقية، وأن الوضع كما كان عليه في الثمانينيات.
ومن هنا تبرز صلاحية عملك في ملامسة واقع حال الميدان، وليس في استقراء ما في الأوراق المكتوبة وفي المكاتب، صلاحيتك هي خدمة الناس الذين سوف تسأل عنهم يوم الحساب.. وبالمناسبة لعلاقة الوزارة بالجهات الرسمية الأخرى التي لعملها صلة بالبحر وأهله، يبقي التنسيق معهم واجباً إلزامياً، لأن أعمالهم لابد مكملة لصلاحيات الوزارة، والكل في الأخير يمثلون أجهزة دولة، وكل جهاز لابد له من صلاحيات في أداء واجب يخدم به البحر ويسهل من خلاله عمل الصياد، والقانون لابد قد حدد وشرع اختصاص كل جهة من تلك الجهات.. وإن وجد بعض الإشكال أو التعارض، فلنبدأ بإزالة مقاصد سوء الفهم كي نحول العائق إلى قاسم مشترك ومنعطف تكامل، وإن ظهر في الأمر قصور في التشريع، فلنعمل على تصحيحه عبر القنوات التشريعية.
فيما يخص أوضاع الصيادين، كيف تقيمون الوضع بحكم مسؤوليتكم؟
أوضاع الصيادين بين مطرقة وسندان، إن دخل البحر يصطاد، فإن قوارب دول تحالف العدوان ودولة إريتريا تترصد به لاعتقاله و/أو مصادرة وسائل اكتسابه رزقه من قارب ومعدات صيد، ومن نجا وعاد إلى الساحل تلقفه هوامير الوكلاء يبخسون أسعار صيده، ويغلقون عليه طرق أي باب، فلا يكون أمامه من حول ولا قوة إلا البيع بما يسعرون، والسبب أن الصياد مرهون بدين لا ينتهي للوكيل، فهو يتدين منه مستلزمات كل الرحلة من العدة والعتاد والوقود بالقرض، والقرض فيه زيادة مضاعفة عن أسعار تلك المواد في السوق، والصياد في الغالب ينحصر مصدر رزقه في البحر منه يقتات ويعيش، وبالتالي يصبح أمام ما يفرضه أولئك الهوامير من طوق احتكار مغلوب على أمره ولا خيار أمامه سوى الرضوخ لشروط الهامور في الإقراض كي يعمل في مهنة الصيد ليتحصل على رزق يومه بحسبة دقيقة يعده الهوامير بحيث يبقى مرهوناً بالدين مدى الحياة أو يعاني الفقر والعوز.
وماذا أعددتم من حلول لهذه المشكلة؟
هذا السؤال نحتاج إلى الإجابة عليه من الجهات الرسمية الممولة، مثل هيئة الزكاة وصناديق التنمية والإقراض غير الربوية.. نقول لهم هذا سوقكم الاستثماري والأبواب مفتوحة أمامكم مفتوحة، بل ونحن في الوزارة سوف نعمل بكل جد على تيسير تحركاتكم في هذا الميدان، لأنكم سوف تكونوا عونا وسندا للصيادين في رفع ثقل القروض الربوية عن كواهلهم وعتق رقابهم من عبودية الرضوخ لشروط الهوامير في احتكار السوق والتحكم في أسعاره.
التنسيق والتكامل في العمل من أهم أسباب النجاح وتحقيق التنمية في الميدان، والتكامل في إنجاز الأعمال بين الجهات المعنية يحقق الثمرة والإنجاز بأقل التكاليف والوقت اللازم، لأن تحقيق أهداف التنمية بالصورة المنشودة لابد يشترك في صنعه الجميع المجتمع من جمعياته التعاونية والدولة من خلال وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها وأجهزتها، والقطاع الخاص من خلال شركاته الاستثمارية، إنها معادلة حتمية في مسارات البناء وتحقيق النمو والتطور الذي يكون من ثمار تحقيق الرفاه وحياة الاستقرار للوطن والمواطن.
وغياب التنسيق والتكامل هو ما نلحظ ونتعايش معه حاليا في الميدان.. منشآت وبنية تحتية وخدمية شبه متوقفة ومتهالكة، ومجتمع منتظر للحكومة أن تقوم باللازم كله، وكأنه ليس معنياً بها ولا هو المسؤول عن تفعيل دورها من خلال المشاركة المجتمعية الواسعة بالمساهمة في إصلاح الاختلالات بأداء واجباته نحوها ومطالبته بحقوقه عليها، لأن ثمة ثقافة مغلوطة تمثلت في توطين ثقافة النفوذ التي ركنت المواطن بعيدا عن مضمار التفاعل المباشر مع تلك الجهات، وربطت مصالحه بنفوذ شخصيات وشلل، هي من يحدد ما يجب أن يتغير أو يبقى في ممارسات الناس وفي حدود ما يخدم استمرارية نفوذها وسيطرتها على الوضع في دائرة ومحيط نفوذها الجغرافي أو الجهوي أو حتى المؤسسي.
من أين نبدأ في مسار الخلاص من هذه الثقافات المغلوطة، وتصحيح مسارات الواقع؟
البداية هي تجربة اللجنة الزراعية والسمكية العليا، ولنا فيما حققته من إنجازات مذهلة في القطاعين الزراعي والسمكي بدءا من غرس مبادئ التنمية مستدامة القائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية الواسعة في أوساط المجتمعات المحلية في عموم مديريات المحافظات الحرة، مرورا بما يتحقق من بوادر إحداث تنمية حقيقة يقودها المجتمع رغم كل ما يفرضه العدوان وحصاره من تحديات إلا أن اللجنة تمكنت، وفي حدود تفعيل المتاح مما تمتلكه السلطة والمجتمع من إمكانيات وجهود، من توفير البيئة المستدامة للإنتاج الزراعي، والحفاظ على البيئة البحرية من التلوث والصيد الجائر، وباستمرار تكامل جهود الجميع مجتمع وجهات رسمية يمكننا الحفاظ على المخزون السمكي والإحياء المائية، وأن نحقق استدامة توزيع عادل للثروة بين الأجيال الحالية واللاحقة، المخزون السمكي في البحر مثله مثل النفط والمياه الجوفية ينفذ بالاستنزاف والعشوائية، ويستدام بالتنظيم وتعويض الفاقد بأساليب الاستزراع وتوفير أجواء النمو والتكاثر الطبيعية.
نلاحظ التقارير الواردة إلينا أن بعض الأسماك والأحياء المائية لا توجد إلا بكميات قليلة عما كانت عليه في السابق، الحياة البحرية لديها مواسم تكاثر وتحتاج إلى الراحة البيولوجية أثناء هذه المواسم، كما أن التشريعات السمكية حددت مواسم صيد الأسماك والأحياء المائية وفرضت عقوبات لحمايتها من الصيد الجائر طوال السنة، البحر يحتاج إلى تنمية.
في اعتقادي، ليس ثمة ما يمنع الاستفادة من بعض التجارب الناجحة في بعض الدول المجاورة لليمن، فأي التجارب ترجحون؟
سلطنة عمان، تجربتهم حديثة في تطوير القطاع السمكي وتنظيمه، وقد أثمرت نتائج كبيرة ومشجعة، فقد ارتفع الإنتاج إلى ما يقارب مليون طن في السنة، والبحر في اليمن نعمة وفيه رزق كثير غير مستغل، بل إن الملاحظ هو استغلال السفن الأجنبية للصيد هو السائد في المياه اليمنية وأكثر بكثير من الصيد المحلي، وهذا بسبب احتلال العدوان لأغلب الموانئ ومراكز الإنزال وعسكرتها في سواحل البحر العربي ومنع الصيادين من الاقتراب منها، ناهيك عن انعدام السفن الحديثة للصيد المحلي وأغلب قوارب الصيد المحلي هي قوارب تقليدية.
كذلك لا ننسى المماطلة الأممية في إيجاد حل لخزان صافر النفطي الذي أصبح قنبلة موقوتة يهدد الحياة البحرية نتيجة لتهالكه وتسرب النفط منه، لا الأمم المتحدة ولا غيرها يعنيها البحر اليمني، ولا الحفاظ على بيئته، وإنما أهل اليمن وحدهم أدرى بشعابها.. ووحده تكاتف الدولة والمجتمع الكفيل بالحفاظ على ثروة اليمن البحرية واستدامتها للأجيال اللاحقة، لهذا، تبدو حاجة مجتمع الصيادين ماسة إلى المساندة والدعم الإرشادي والتحرك في أوساط المجتمع للتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية والعمل على استدامتها.
ألا تلاحظون من خلال حديثكم أن ثمة حلقة مفقودة، وأن في إيجادها وتنظيم وتوطين عدالتها حلحلة للكثير من المعوقات التي طرحت هنا، ألا وهي التسويق.. ما الذي انجزتموه في اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الثروة السمكية في هذا المضمار؟
التسويق هو رأس الحربة في زيادة الإنتاج، وما لدينا من تسويق محلي حاليا محتكر في أيدي فئة معينة من التجار يتحكمون في السوق المحلية، ولهذا نلاحظ أن أغلب المحافظات اليمنية لا تصل فيها الأسماك إلى المستهلك إلا في رمضان فقط وبأسعار باهظة، وحاليا تجد الأسعار في المدن مرتفعة مع إن الأسعار في مراكز الإنزال السمكي في السواحل اليمنية متدنية، وهذه الفجوة كبيرة في الأسعار تعود بالفائدة على التجار، بينما الصياد لا يحصل على السعر العادل، وهذا نتيجة لتقصير الوزارة في ممارسة كافة مسؤوليتها.
لاحت في الأفق بارقة أمل في بداية هذه السنة، تمثلت في افتتاح أول سوق نموذجي للبيع بالجملة في أمانة العاصمة في منطقة دار سلم، إلا أنه وللأسف الشديد تم إغلاقه نزولا عند أطماع ثلة نافذين يحتكرون تسويق الأسماك في الأمانة، والمؤسف أكثر هو وقوف بعض الجهات الرسمية مع رغبات هذه الثلة وبدور سلبي ساهمت في وأد المشروع.
فلنقل بعكس ما طرحتم، ونطالب لهذه الثلة المحتكرة بحق البقاء في السوق، في مقابل وضع معايير وشروط علمية لتنظيم السوق تكون ملزمة للجميع؟
للأسف الشديد أعطيت لهم الفرصة تلو الفرصة حتى لإيجاد سوق بديل للسوق الحالي غير المطابق لأدنى مواصفات السوق العالمية، ولكن حتى الآن لم يتم التعاطي بإيجابية مع أي حلول يتم طرحها عليهم، ولا يرون مناسبا لهم إلا بقاء الحال كما هو عليه.
ونحن أمام هذا الصلف لا يسعنا إلا دعوة الجهات الرسمية التي تعرقل التوجه إلى توسيع قاعده التسويق المحلي للأسماك بألا يكونوا عونا للنافذين في ظلم الصيادين، وأن يكونوا جزءا من الحل والنظر بإنصاف وأن يكونوا شركاء في تنمية هذا القطاع الذي ظل عقودا من الزمن فريسة سابقة ولاحقة في أيدي قلة متنفذة من التجار.
كما هي الدعوة إلى أولئك التجار أنفسهم بأن يراجعوا حساباتهم، وبدلا من الإصرار على إبقاء الحال كما هو عليه برفض الانتقال إلى أفق أوسع وأكثر عدالة، نرى أن تكون لهم المساهمة الفاعلة في العمل على ترجمة توجهات الدولة في زيادة قاعدة التسويق المحلي للأسماك والأحياء البحرية على أرض الواقع.
ما الذي يدرس حاليا داخل أروقة اللجنة الزراعية والسمكية والعليا ووزارة الثروة السمكية لتجاوز هذه العقبة، إن جاز التعبير؟
هناك توجهات قوية من قبل اللجنة الزراعية والسمكية للعمل في توسيع نطاق الأسواق ونقاط البيع للأسماك بالشراكة مع السلطات المحلية والوزارة والمجتمع في إنشاء عدة أسواق ونقاط بيع في كلا من أمانة العاصمة وإب وتعز خلال هذه السنة 1444ه، ويستكمل العمل في بقية المحافظات في السنة القادمة.. الاستثمار في تسويق الأسماك كنز خام يجب توجيه البوصلة إليه، ونحن عازمون، بإذن الله، ثم مساندة اللجنة الزراعية والسمكية العليا على التحرك بالقول والفعل لكسر الاحتكار في تسويق الأسماك وجعله متاح للراغبين في الاستثمار بلا استثناء.
في المحطة الأخيرة لحوارنا معكم، كيف تقيمون العمل التعاوني السمكي السابق وما أنتم بصدد تشكيله؟
اليوم.. الجمعيات التعاونية التي نعمل على إنشائها ليست كجمعيات الأمس، الجمعيات التعاونية الحديثة لها رؤية حديثة بما يناسب الواقع ويحدث تنمية حقيقية مجتمعية، ومن أبرز الشروط التي يجب أن يحملها أعضاء الجمعية أن يكونوا متفرغين، ومن ذوي الخبرة، ومن المؤهلين، لأن المطلوب منهم أن يصبحوا كوادر نافعة للأمة.. كوادر متفرغة لا تشغلهم أي ارتباطات، عن مهامه في إدارة شؤون الجمعية، الجمعية اليوم ستتولى كل مهام الشأن السمكي، فهي المسؤولة عن القروض، وعبرها وتحت ضمانتها تمنح، إلى الصياد اليمني.
بمعنى أن الجمعيات هي التي ستتولى عملية الإنتاج، وهذا معناه أن كل جمعية أنشئت في أي مديرية ساحلية ستصبح شركة عملاقة مسؤولة عن استثمارات في منطقتها، تبلغ قيمتها بالملايين وربما بالمليارات، ما يعني أن الجمعية ستصبح من حيث الثقل المالي في مقام بنك، أمام الجمعيات عمل هائل، ومسؤولية كبيرة جدا، والمطلوب هو التركيز على مثل هذه الاعتبارات عند تشكيلها.
وعليه، يتطلب الأمر أن يكون العمل منظما، وألا تكون الجمعية عبارة عن مجموعة أشخاص، وإنما مؤسسة (شركة مساهمة) ذات كيان وصفة اعتبارية، لها نظام إداري ومحاسبي، ولوائح تنفيذية، يديرها مدير تنفيذي، يعاونه مختصون في الإدارة والمحاسبة، وهناك إدارات فنية وتسويق ومخازن ومعامل وأسطول نقل… إلخ، عمل مؤسسي مسؤول ومتكامل، من المحتمل أن يتجاوز تعداد موظفي جمعية مئات الموظفين وأكثر من ذلك بحسب توسع النشاط.
زمن احتكار الموارد في أيدي مراكز النفوذ وشراء الذمم ولى إلى غير رجعة، لقد حان وقت بناء الدولة الحديثة، ولذلك فإن الجمعيات ستنشأ بكفاءة نظام الشركات المساهمة ذات الطابع الاستثماري.. نريد عملا منظما، يكون من ثماره إيجاد عملية إنتاجية وتسويقية تديرها جمعيات قوية، وقادرة على تنظيم عمليات إنتاج، وتلبي احتياجات السوق، هذا الذي سوف يتحقق بإذن الله.
كم عدد الجمعيات التي في العمل على تشكيلها حتى اللحظة؟
حاليا، لدينا جمعية ساحل تهامة التعاونية السمكية هي من ستكون جمعية شاملة لجميع مناطق ساحل تهامة وسوف تفتح لها مكاتب فروع في مراكز الإنزال السمكي.. ولدينا ثورة سمكية مبنية على خطة خمسية، أطلقتها الوزارة تحت إشراف اللجنة الزراعية والسمكية العليا وإسناد من مؤسسة بنيان التنموية والوزارات والجهات الشريكة تتكون من عشرة محاور استراتيجية تنموية:
1 – التنمية تحت الماء والعناية بالبحر وثرواته.
2 – الإرشاد والتوعية والتعبئة المجتمعية العامة وإطلاق ثورة الوعي.
3 – صيد بحري منظم والعناية بطرق سليمة.
4 – الدعم والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للصيادين.
5 – خدمات اقتصادية واجتماعية لائقة للصيادين.
6 – التعليم والتأهيل والبناء المجتمعي.
7 – العناية بالتسويق والاستهلاك المحلي.
8 – تشجيع الاستزراع والإنتاج السمكي وتحقيق الاكتفاء والأمن الغذائي.
9 – التصنيع المحلي نحو الاكتفاء الذاتي.
10 – صادرات سمكية منافسة.
وهذه المحاور العشرة تحوي أهدافا ومشاريع جاري العمل على تنفيذها بتوفيق الله خلال هذه المرحلة والمراحل اللاحقة.