على وقع التطورات المتسارعة بشمال شرق سوريا وشمال غربها “شرق الفرات وادلب”، تزداد الزيارات واللقاءات بين الروس والإيرانيين والأتراك ، والهدف المعلن على الأقل من قبل إيران وروسيا هو وضع حلول وخارطة طريق تضمن نهاية سياسية للحرب على سوريا ، ورغم بعض الحديث والتحليل غير المتفائل الذي ابدأه البعض بخصوص هذه اللقاءات على وقع التعنت التركي ببعض الملفات ومحاولة الالتفاف على أخرى ” ميدانية وسياسية ” إلا أن الواضح هو نشوء حالة من التقارب بين الروس والأتراك والإيرانيين بخصوص الملف السوري وطرق معالجته ، وهذا ما أفرزه ” مؤتمر الأستانة ” ..وهو عبارة عن خارطة طريق عسكرية تضمن الوصول بالنهاية إلى حل سياسي توافقي للملف السوري.
الروس وبدورهم سئموا من مماطلة الأمريكان أو بالأحرى عدم رغبتهم بالوصول إلى توافق ما أو صيغ ما تضمن الوصول إلى تفاهمات مشتركة تفضي بالنهاية إلى وضع خارطة طريق توصل إلى خاتمة سياسية للملف السوري ،وحتى مع الحديث عن تفاهمات تمت حول شرق سوريا، فالأمريكي حرف بقصد مضمون هذه التفاهمات لا وبل انقلب على بعض بنودها قبل صدورها ، وهنا فالروس تيقنوا أن قرار أمريكا باستمرار الحرب على سوريا لا يستطيع تغييره بايدن أو غيره بدون موافقة المؤسسة العميقة الحاكمة بواشنطن ،والتي مازالت بدورها تراهن على استمرار الحرب على سوريا، وهو ما يخدم بشكل أو بآخر مصالحها بسوريا والمنطقة بمجموعها .
الروس بدورهم وبعد أن سئموا من مماطلة واشنطن ،قرروا الذهاب باتجاهات أخرى ، بمحاولة تقريب وجهات نظر القوى الاقليمية المؤثرة بشكل كبير بالملف السوري ،ونجحوا إلى حد ما في تقريب وجهات النظر بخصوص الملف السوري بين الأتراك والإيرانيين وما زالوا يعملون لاقناع السعودي للانخراط بهذا الاتجاه الذي يضمن على الأقل بناء تفاهمات شاملة حول نهاية سياسية للملف السوري، وهذا بالطبع سيتم دون التأثير على استراتيجية كل بلد في المنطقة العربية والإقليم ككل ، رغم أن هناك اختلافاً في تعاطي الرياض وأنقرة وطهران في التعامل مع الحرب على الدولة السورية، ولكن هذا لا ينكر أن هناك تنسيقاً وتبادلاً للزيارات ووجهات النظر بشأن هذا الملف بين الأتراك والإيرانيين، بالمحصلة نجحت موسكو بعقد اجتماعات وتفاهمات ثلاثية “روسية – إيرانية – تركية ” وتسعى لضم السعودي لها تضمن إلى حدما ورغم المشاغبة التركية تعهد مجموع هذه القوى الدولية والاقليمية بإطلاقِ مفاوضاتٍ سياسية سورية شاملة.
وعلى محور آخر، فقد شكل هذا المسار الروسي بالملف السوري صفعة قوية لواشنطن، التي أبدت امتعاضها من هذا المسار الروسي، ومن الصيغ التوافقية التي اجمع عليها تقريباً معظم اللاعبين الفاعلين بالملف السوري في ظل غياب الطرف الأمريكي إلى حد ما ” هذا ما يظهر إعلامياً “عن هذه التفاهمات وعن قراراتها “العلنية والسرية “.
ختاماً، يبدو واضحاً أن ” التفاهمات الثلاثية والسعي لضم السعودي لها” بتوقيتها ونتائجها وتداعياتها، ستكون علامة تاريخية فارقة بمسار الحرب على سوريا، وهو ما سيفتح الباب مستقبلاً لتطورات هامة سياسياً بالملف السوري، وهذا بدوره سيعجل من وضع حد للمأساة التي عاشها الشعب السوري منذ عشرة أعوام مضت.
كاتب صحفي أردني