ما يجب قوله حول مبادرة الرئيس لئلا تستبد الأوهام والظنون بمملكة العدوان!
عبدالرحمن الأهنومي- رئيس التحرير
قطعاً لم تأتِ مبادرة الرئيس المشاط وإعلانه وقف الضربات والمواجهات والهجمات على السعودية ومرتزقتها ، من ضعف ولا من تراجع ولا من ضرورات فرضتها سنوات الحرب والمواجهة وطولها ، بل هي جاءت من واقع القوة والاقتدار والقدرة ، ومن الحاجة إلى السلام كاستراتيجية منشودة لليمن منذ اليوم الأول ، فنحن اليوم نملك أوراق الحرب وأسلحة المعارك المفتوحة ، لدينا الصواريخ والطائرات والقوات البحرية ، ولدينا التصنيع ولدينا الموقف الأحق قبل ذلك والأحقية المشروعة في الحرب كذلك ، في الوقت نفسه نملك أوراق السلام وشروطه ومقوماته ، وشجاعة اتخاذ القرار بشأنه ولم نكن يوماً دعاة حرب ، لكنا أبطال مدافعون عن أنفسنا وشعبنا وحقوقنا وكرامتنا وسيادتنا واستقلالنا في وجه أي معتد باغ أثيم.
خلال العام المنصرم من حرب الأعوام السبعة قصف أبطالنا دويلة الإمارات وأشعلوها حرائق ولهب ودكوا قواعد البنتاغون والأطلسي في أبو ظبي ، وقصفوا السعودية وأشعلوا أرامكو من أقصاها إلى أقصاها ، وخاضوا حرباً مفتوحة متكافئة بالصواريخ والطائرات وبكفاءة عالية واقتدار منقطع النظير ، قدرتنا التقنية والاستخبارية والتصنيعية تتجاوز الحسابات والخطط ، وقد تعاظمت وكبرت واتسعت بحمد الله وفضله ، وبالتالي لا يجب على تحالف العدوان أن يراهن على غير السلام ووقف العدوان ورفع الحصار، فقد برهنت الحرب المفتوحة خلال سبعة أعوام سقوط كل الرهانات التي رهن بها مصائر الحرب ومآلاتها.
لا الدعم والتسليح الأمريكي ولا التدخل المباشر ولا التواجد ولا أنظمة الحماية ستحمي النظام السعودي ولا منشآته ، الخيار الأسلم هو وقف العدوان ورفع الحصار وفي إعلان تعليق الضربات الصاروخية والمسيّرة وكافة الأعمال العسكرية باتجاه السعودية ووقف المواجهات الهجومية في عموم الجبهات ، والاستعداد لتحويل هذا التعليق إلى التزام في حال أعلنت السعودية سحب القوات ووقف دعم المرتزقة ، فرصة نجاة للسعودية قبل غيرها.
وتلتقي مبادرة الرئيس كخطوة عملية فاتحة إلى السلام الحقيقي مع الإرادة الوطنية الصادقة والجادة في تحقيق السلام ، ومع مبادرات سبقت إليها صنعاء وفي محطات مختلفة ، منذ اليوم الأول لم تكن اليمن قيادة وشعبا إلا ناشدة للسلام داعية إليه وما ركَّبت أسنة الحرب إلا مضطرة لتدافع عن نفسها ووجودها في مواجهة عدوان إجرامي غادر شنته أمريكا وعشرون دولة متحالفة سعت إلى سحق اليمنيين ومحو وجودهم واستعبادهم واحتلال أرضهم ، ومبادرة الرئيس بالأمس لم تنطلق من ضعف أو تراجع في الميدان ولا من اهتزاز في الإرادة ، ولا خوفاً من القادم فنحن في الموقع الأقوى بحمدالله بعد سبعة أعوام ، وفي موضع الاقتدار والتقدم على مختلف جبهات الحرب والمواجهة ، وقد جاءت المبادرة مع انقضاء العام السابع للصمود في وجه العدوان وبعدما تعاضدت قوة الشعب اليمني وتراكمت وتضاعفت انتصاراته في الميدان الحربي والعسكري والاقتصادي ، وفي وقت كانت الحرائق تشتعل في منشآت أرامكو السعودية في أماكن ومدن عديدة ، وبعدما تضاعفت هزائم وانتكاسات تحالف العدوان في أكثر من جبهة وفي أكثر من صعيد ، تمزقه الصراعات والانتكاسات والهزائم ، وتعاظم خسائره الضربات الصاروخية والجوية ، وبعدما فشل في تحقيق أهدافه وأجنداته التي دفعته أثمانا باهظة.
مبادرة الرئيس المشاط فيها رسم للمسالك التي خطتها صنعاء منذ اليوم الأول «السلام المشرف والعادل لا الاستسلام المذل» ، إذ أن الخطوات العملية الفورية التي تضمنتها المبادرة رهنت كل خطوة بما يقابلها من جانب العدوان ، وفي المجمل تضمن المبادرة وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال الأجنبي وسحب القوات وإطلاق كافة أسرانا مقابل إطلاق أسراهم ، وهذه القضايا هي الركائز الأساسية التي تحقق السلام العادل والمشرف المنشود لليمن.
وقف العدوان ورفع الحصار ، وسحب الجيوش الأجنبية ، وتنفيذ مبادرة العشر النقاط بشأن مارب التي طرحها قائد الثورة وما تضمنته من مبادئ تتعلق بالمصالح العامة في تأمين الطريق وطرد الإرهابيين وتنصف أبناء مارب في الحصول على المراكز الوظيفية والنسبة العادلة من الثروة ، وتعيد تشغيل الكهرباء إلى عموم الجمهورية اليمنية ، كلها تعد حقوقا مشروعة للشعب اليمني ومكفولة له بكل الشرائع والمواثيق ، وإلا فكيف يمكن للسلام أن يتحقق في ظل استمرار العدوان والحصار ، وفي ظل بقاء الجيوش والمليشيات تسيطر على أجزاء واسعة من وطننا الحبيب ، وكيف للسلام أن يتحقق فيما آلاف الأسرى من أبطالنا خلف القضبان ، فلتفتش دول تحالف العدوان عن صيغ سلام غير التي وردت في مبادرة الرئيس ، كيف يستقيم السلام إذا لم تكن خطواته العملية ما تضمنته مبادرة الرئيس المشاط؟
لم تعلق مملكة العدوان السعودية حتى لحظة كتابة هذا المقال ، وأظنها لن تتعاطى بإيجابية مع المبادرة التي أطلقها الرئيس المشاط ، وتحاول الهروب يمينا ويسارا مما فرضته المبادرة ، صحيح أن المبادرة حشرت السعودية وحلف العدوان في زاوية ضيقة ، لأن المبادرة لم تتضمن إلا ما يعتبر حقوقاً أساسية وأصيلة لليمن تتعلق بالعدوان والحصار والاحتلال ، وثانياً اقترنت بخطوات عملية فورية ، وثالثاً رهنت كل خطوة بما يقابلها من خطوات مطلوبة من مملكة العدوان السعودية وهي خطوات في مجملها تكرس حق الشعب اليمني في وقف الحرب عليه ، ورفع الحصار عنه ، وسحب القوات المحتلة لأراضيه ، ومن الواضح أن السعودية لن تتعامل مع المبادرة إلا كما درجت عليها طيلة ستة أعوام.
وستبدأ من اللحظة البحث عن تبريرات استمرار عدوانها وحصارها وجرائمها واحتلالها لليمن، ففي كل مرة تتعامل السعودية مع أي مبادرة أو خطوات نحو السلام بمنطق البدوي الذي يريد أن يكون ببداوته وجهالته وروثه مقبولاً وفي محل إعجاب العالم كله بل ويجب أن يطروه بالمديح وعبارات الامتنان ، كما أن السعودية لا تحتكم إلا إلى منطق متعجرف ومتغطرس ومتكبر ، ولا أستبعد أننا سنجدها بعد المبادرة في حالة من الهيجان للتدمير والقتل ، وستفهم أن المبادرة جاءت عن ضعف وعجز يمني ، دون إدراك لواقعها وحالها ووضعها وموقعها اليوم في الحرب والسلام وفي معادلات البقاء والوجود.
ومع التأكيد على أهمية المبادرة التي أطلقها الرئيس لكن يجب التنبه إلى أن عهدنا بنكوص وارتداد السعودية وحلف العدوان لم يمر عليه الكثير ، فهي تلتزم بالشيء وتمارس نقيضه على الأرض ، وتتعهد بالخطوة وتعمل على خلافها ، ولهذا فبالقدر الذي يجب أن نراقب السلوك السعودي تجاه المبادرة ، يجب أن نعزز من صفوفنا ونراكم من قدراتنا ونطور من أساليب مواجهة السعودية كخصم لدود لليمن منذ وجدت في هذه الصحاري القاحلة ، والتعاطي معها باعتبارها مملكة شر مطلق ومعسكر متقدم من معسكرات الشيطان الأكبر أمريكا ، والله من وراء القصد.